الحجّ إلى سوتشي
عامر نعيم الياس
استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقر إقامته الصيفي في منتجع سوتشي على البحر الأسود كلاً من ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، بشكلٍ منفصل.
اللقاءات جاءت على «هامش فعاليات سباق فورمولا 1»، بحسب قناة «روسيا اليوم» الروسية التي نشرت الخبر. ولعل هذه الإشارة العابرة التي لا أهمية لها في خبر سياسي من هذا النوع، ما هو مقصود وموجّه، فالحجّ إلى سوتشي واصطفاف القادة الخليجيين في غرف الانتظار للقاء الرئيس الروسي أتى في ظل سباق سرعة لمعرفة ماذا يريد سيد الكرملين في سورية، وما هو مدى العملية العسكرية الروسية وأين ستقف وما هو الغرض منها؟
«الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى» هذا ما قاله المفكر البروسي كلاوزفيتس. وهذا ما حاول الخليجيون المتهافتون للقاء الرئيس بوتين العمل عليه منذ البداية. هنا علينا أن نميّز بين موقف أبوظبي والرياض، هذه الأخيرة التي موّلت ودعمت بشرياً ومادياً وإعلامياً الحرب على سورية لتحقيق غاياتها، لكن التدخل الروسي وفق مبدأ كلاوزفيتس أيضاً غيّر وجهة الأمور، فالتدخل هنا جاء مستوعباً لكامل الصيغة التي تقول «علينا التمييز بين الهدف من الحرب والغرض منها: فالهدف هو النصر العسكري، أما الغرض فهو السلام»، وهو ما أفهمه الرئيس الروسي لضيوفه: أن التدخل العسكري الروسي في سورية يأتي للحفاظ على الدولة الشرعية والوصول إلى «تسوية سياسية»، هنا ما زال بوتين يفسح في المجال أمام السلام بالتفاوض، لا السلام عبر فرضه من جانب المنتصر، لكن من دون أن يعني ذلك أن هناك جدولاً زمنياً للعملية العسكرية الجوية الروسية في سورية. فوجود القوات الروسية «مرتبط بمدى التقدم الذي يُحرزه الجيش السوري على الأرض». هنا يقول الرئيس الروسي صراحةً أن الأساس هو حماية الدولة السورية وقطع الطريق على أي محاولة للعب بورقة الميدان للضغط عليها، بل إن التدخل أتى لفرض معطيات ميدانية جديدة لا تخضع للكر والفر، بل ترسم خطوط تماس ومواجهة جديدة لا رجعة عنها تعيد نشر الجيش السوري بشكل صحيح في البلاد وصولاً إلى المنطقة الحدودية الأهم وهي الحدود السورية التركية. وانطلاقاً من ذلك لا يبدو أن السعودي قد غيّر من مواقفه، وإن تكن الزيارة الثانية لمحمد بن سلمان في غضون أقل من أربعة اشهر إلى روسيا ولقاؤه الثاني بالرئيس الروسي، مؤشراً على حجم القلق لدى حكام الرياض، ومحاولة طرح سيناريوات جديدة للحل على موسكو تحفظ هدف الرياض الأساس بتنحية الرئيس السوري، لكن من دون جدوى، والخلاف بين الدولتين لا يزال على حاله وهذا ما ركّز عليه وزير خارجية آل سعود بقوله «الموقف تجاه الأسد بالتحديد لم يتغيّر». لكن هذا ليس حال اللقاء الثاني الذي جمع ولي عهد أبو ظبي مع الرئيس الروسي، فالإمارات تحاول الموازنة بين كافة الأطراف الفاعلة على الأرض في سورية. فهي تفترق عن السعودية في تأييدها للغارات الجوية الروسية على الإرهاب في سورية، وفق ما نقله الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو في صحيفة «لوفيغارو» عمّا أسماه مصدراً رسمياً رفيعاً في أبو ظبي، لكنها تلتقي معها عند الحديث عن التواجد الإيراني في سورية، وفقاً للمصدر ذاته، لتعود وتفترق عن الرياض في مسألة التواصل مع الدولة السورية ورأسها تحديداً، فملف بقاء الرئيس الأسد من عدمه ليس على جدول أعمال القيادة الإماراتية، فالعلاقة ليست مسألة ثأرٍ شخصي مع الدولة السورية، كما هي الحال مع الرياض.
لا حلّ في سورية من دون المرور من البوابة الروسية حصرياً، هذه هي المعادلة الجديدة التي جعلت الضيوف من الخليج ومن الإقليم ومن المجتمع الدولي ينتظرون لقاء الرئيس الروسي، منهم مَن ليّن موقفه وفهم قواعد اللعبة الجديدة مستعداً لإظهار تحوّل جدي، ومنهم مَن لا يريد أن يعي ما يجري بانتظار تقدم ميداني حاسم يجعلهم يطلبون موعداً من الرئيس الروسي لا يتوقع أن يطول هذه المرة أكثر من ثلاثة أشهر ولنا في محمد بن سلمان وزيارته الثانية إلى روسيا وسباق الفورمولا مثال.
كاتب ومترجم سوري