«لستُ جارية»… هكذا تتمرّد المرأة على سطوة الذكورية
دمشق ـ آمنة ملحم
أزمات نفسية واجتماعية وأسرية عدّة، تعاني منها المجتمعات العربية، مهدّت من دون أدنى شك لما وصلت إليه. كما أن سطوة مفهوم المال والتخلّف الذي ساد تلك المجتمعات، لا بد أنّ انعكاساتها ظهرت في ظرف طارئ عاشته البلاد، فانقلبت الموازين والمفاهيم، ولم يعد مفهوم الشرف محصوراً سوى بقضايا المرأة. هذا ما يحاول مسلسل «لست جارية» الذي كتبه فتح الله عمر إيصاله عبر مجموعة من قصص الحبّ المبنيّة على ردود فعل متفاوتة، مع صراع طبقي نسجه ليشكّل «حدّوتة» العمل.
ينشغل المخرج ناجي طعمي بتحضيرات «لوكايشن» العمل في أحد مطاعم دمشق الجديدة، فالعمل جارٍ على قدم وساق من دون أيّ وقت للمماطلة، ليستطيع إنهاء التصوير في منتصف الشهر الجاري، وفق الموعد المحدّد له. بينما يسود جوّ من المرح والصداقة بين الفنانين المشاركين في العمل، وهم الذين يتناوبون على كرسي «الكوافير» و«الماكيير» واحداً تلو الآخر، وفق المشاهد المخصّصة لكلّ منهم. هكذا كانت الحال عند زيارة صحيفة «البناء» موقع التصوير الذي ساده دفء الأرواح على رغم الطقس البارد الذي امتزج بنفناف الثلج، ولم يغيّر من همة أفراد طاقم العمل بل زادهم تفاؤلاً وحماسةً.
المرأة وقضاياها العنصر المعني الأكبر بكلّ تفاصيل العمل الذي تشكّل حكاية «ميس» البوابة الأكبر له. تلك الفتاة التي تُخفي سرّها إلى حين تكلّل علاقتها بمن تحبّ ـ «غالب» الذي يؤدي شخصيته الفنان عبد المنعم عمايري ـ بالزواج حيث تفصح بسرّها لزوجها في تلك الليلة لتشكّل صدمة له فيتحوّل حبّه لها إلى حالةٍ مَرَضيةٍ من الشك، تدفعه إلى سلوكٍ عدائيّ تجاهها، وتقابله هي بصبرٍ ومداراة، وتحاول دائماً التماس الأعذار له، تحت وطأة شعورها بالذنب، لأنّها تحبّه، وتسعى إلى الدفاع عن عائلتها بشتّى الوسائل.
في المقابل، يتمادى «غالب» الذي يقع ضحية للعادات والتقاليد السائدة في المجتمعات العربية في استفزازه لـ«ميس»، وإهماله لعائلته الصغيرة، ويخوض علاقاتٍ نسائية متعدّدة، تحت سطوة مفهوم الذكورية ومنها علاقته مع «صفاء» التي تجسّد شخصيتها الفنانة عهد ديب، وهي صديقة «ميس» لكنها تعيش علاقة حبّ مع زوجها وتتطوّر لتنتهي ربما بالزواج. وهنا، ستتوضح وفق حديث ديب إلى «البناء»، خطوط الحياة الخاصة لـ«غالب» و«صفاء»، وسيرى المُشاهد خيانة الزوج ومشاكل المرأة وكيف تصل هذه الأمور إلى مرحلة تجاوز العادات والتقاليد المحيطة بها بجرأة كبيرة يتميّز العمل بخوضها في عالم المرأة الخاص والخيانة الزوجية.
وفي خطّ موازٍ لـ«ميس» التي سيخونها زوجها بأكثر من علاقة مع نساء عديدات، تعيش أختها «سوسن» الفنانة رشا بلال ، علاقة حبّ مع «معن» يوسف عساف ، ولكنّها على العكس من شخصية «ميس» تماماً. فهي متمرّدة وقوية، تقف في وجه والدها «أبو نورس» عبد الهادي الصبّاغ المتسلّط بشدّة، بمساعدة أخيها «نورس» يزن خليل . وعلى رغم تعرّضها للضرب من والدها كي تتخلّى عن حبيبها وتتزوّج بصديق الأب الغنيّ والمسنّ، إلّا أنّها ترفض بداية فكرة الهروب حفاظاً على سمعة عائلتها الملتزمة بالعادات والتقاليد. ولكن مع ازدياد ضغط والدها، وحين اتخاذ قرارها بالهروب مع الحبيب، يتدخّل القدر بظرف صحّي يتعرّض له والدها يثنيها عن ذلك الفعل.
وتؤكّد ديب لـ«البناء» أنّ النهاية ستكون سعيدة لقصة «سوسن» بمساعدة أخيها «نورس» وأمّها هناء نصور التي تتحمّل أعباء الحياة وظلم الرجل المتخلّف الشرقيّ، فترضخ له على رغم أنه يعاملها كجارية، وتقبل بقِسمتها، إذ تزوجت في سن الرابعة عشر، بطريقة شديدة التخلّف على حد تعبيرها لـ«البناء».
«أمّ نورس» تبقى راضخة للزوج إلى أن تراه يبدأ بتدمير أبنائها واحداً تلو الآخر. فإما أن يرضخوا له أو أن يدمّر حياتهم. وهنا تنتفض في وجهه وتقف إلى صفّ أبنائها، وتزوّجهم كما اختاروا هم، لتكون نموذجاً للمرأة الصامدة التي تنال رضا أبنائها وتحقّق طموحاتهم باختياراتهم هم، لا اختيار والدهم. فهي لن تقبل أن يعيش أبناؤها كما عاشت هي.
ولن يقدّم العمل الرجل فقط كضحية للعادات والتقاليد وصراع الآباء الذي ينعكس مرضاً نفسياً على حياة الأبناء، بل المرأة أيضاً تعيش تلك الأزمات، إذ تشكّل خلافات والدَي «غالب» عقدة نفسية لأخته «منى» رنا شميس تجاه الرجل. ويتضح ذلك عبر علاقتها بالفنان مجد حنا ابن الطبقة الفقيرة جدّا «الدون»، على رغم أنّه حبّها الأول. لكنها تساعده في رشوة أستاذه الجامعي للتخرّج من كلّية الهندسة لتنهي به المطاف في السجن.
وتلك العقد تجاهه تظهر على رغم أنّ شخصية مجد تنمّ عن شاب محافظ على كرامته ومناصر للحق. وفق حديثه إلى «البناء»، سنراه انفعالياً على الحقّ، ويتصرف بحكمة ليبقى محافظاً على سمعة عائلته.
كما يحمل العمل خطّاً في عالم الجريمة، إذ يشهد وقوع جريمة قتل يكشفها النقيب «بلال» مضر ناجي جبر الذي يتّسم بشخصية شبه فاسدة، فيتعامل بشفافية مع بعض القضايا ليستفيد من قضايا أخرى. ويؤكد مضر لـ«البناء» أنه يحاول الظهور بطريقة مختلفة عن الصورة التي قُدّمت بها شخصية النقيب سابقاً.
يضمّ المسلسل الذي يعيش أبطاله أجواء مريحة وهادئة مع مخرجه على حدّ تعبيرهم، إضافةً إلى النجوم الذين ذُكروا في متن هذا التقرير، كل من: زهير رمضان، ضحى الدبس، إمارات رزق، سوسن ميخائيل، مديحة كنيفاتي، تولين البكري، هناء نصّور، علي كريم، محمد خير الجرّاح، يزن خليل، أحمد رافع، وممثلين كثر آخرين.