كاميرون في لبنان: أول مفاعيل الاتفاق مع طهران

روزانا رمّال

رسالة اهتمام وحرص كبيرين هي تلك التي أرسلها رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون بزيارته الخاطفة إلى لبنان، ذلك البلد الهام شرق أوسطياً والذي يقع على حدود سورية، أو بالأصحّ حدود الأزمة السورية.

هي زيارة كاميرون الأولى والتي تأتي في توقيت وأهداف لا تتعلق بالداخل اللبناني، بالقدر الذي ترجمته كامتداد لموقف بريطاني جديد تجاه مجريات الأحداث في المنطقة لطبيعة جدولها والمواقف التي صدرت خلالها بملفات خاصة ومحدّدة ودقيقة والتي أصبحت على ما يبدو موقع اهتمام بريطاني جدي يتطلب حضوراً مباشراً وعالي المستوى، ما يؤكد على تأثيراتها الأساسية على السياسة الخارجية البريطانية التي تتبلور أكثر فأكثر باتجاه تغيير بدأت مفاعيله تظهر سريعاً.

السياسة الخارجية البريطانية خطت خطوة شديدة الجرأة بإعلانها فتح السفارة الإيرانية في العاصمة لندن وتبادل العلاقات الديبلوماسية الطبيعية في وقت لم ينته الاتفاق بعد في مساره القانوني الذي من المفترض أن ينتقل من الكونغرس إلى الأمم المتحدة، لإعلانه ساري المفعول والتوجه رسمياً نحو إيران، وهذا يدلّ على استعجال بريطاني بحسابات أساسية تكشف اليوم قلقاً كبيراً من انتشار التطرف داخل بريطانيا التي تضمّ عدداً كبيراً من الإسلاميين الذين يمكن أن يتحوّلوا في أية لحظة إلى قنبلة في وجه الحكومة، وبالتالي فإنّ سياسة مكافحة الإرهاب التي انتهجتها منذ اتخاذ قرار الهجوم على «داعش» والانضمام إلى التحالف الدولي، كسياسة أو موقف بريطاني من الأزمة في سورية أو العراق، يسلك اليوم خطى واستراتيجية مختلفة ترجمة المسارعة نحو إيران التي تمثل في هذا الإطار رأس حربة.

مكافحة الإرهاب و«داعش» هي أولى أولويات الحكومة البريطانية اليوم وتوجهها نحو إيران من باب الملف النووي سينعكس تطبيعاً أمنياً وسياسياً واقنصادياً بين البلدين، لكنّ الأكثر وضوحاً في هذا النهج الجديد هو ما صدر عن وزير الخارجية البريطانية فيليب هاموند حول ضرورة الحديث مع الأسد من أجل حلّ سياسي مؤخراً، بعدما سبقه وزراء خارجية إسبانيا والنمسا وغيرها، ما يؤكد قدرة بريطانيا على قيادة موقف جديد تجاه الأزمة السورية مغايرة عن الموقف الفرنسي المطابق مع السعودية في تصعيد الضربات والهجمات العسكرية في سورية.

تعترف بريطانيا اليوم بأهمية التوصل إلى حلّ سياسي يبعد عنها شبح تمدّد الإرهاب أو انفجاره داخلها ويبعد عنها تدفق اللاجئين المخيف إلى أوروبا بعدما أشارت تقارير غربية عن أنّ بعضهم عائلات تنتمي إلى جماعات متطرفة، وبالتالي فإنّ الأمن البريطاني اليوم على المحكّ.

لبنان أحد الدول الرئيسية في هذا الإطار الذي يضمّ عدداً كبيراً من اللاجئين ويتحمل عبء النازحين الذين تسعى بريطانيا اليوم إلى التأكيد على مسؤوليتها الإنسانية تجاههم لئلا يصبحوا أيضاً مشاريع هجرة جديدة.

التقى كاميرون بقائد الجيش العماد جان قهوجي في قاعدة رياق العسكرية، وكرّر التزام بريطانيا الصارم باستقرار لبنان ولا سيما الشراكة مع الجيش اللبناني من خلال برنامج «التدريب والتسليح» الهادف إلى الحدّ من امتداد النزاع السوري ومكافحة خطر «داعش» على الحدود، وأعلن كاميرون أنّ بريطانيا ستستمر في دعم هذا البرنامج عبر توفير 7.5 مليون دولار هذه السنة.

الحديث البريطاني عن دعم الجيش اللبناني هو جدي جداً، لناحية تعزيز قدراته لمكافحة الإرهاب، ويقول مصدر في 8 آذار لـ«البناء» إنّ زيارة كاميرون «رسالة تقرب واضحة من حزب الله في منتصف الطريق على خطى مساعي مكافحة الإرهاب وهي رسالة انفتاح قادمة معه من طهران في محاولة منها لمعرفة ما يجري عن قرب واعتبارها مكافحة الإرهاب الأولوية الأساسية».

جرعة دعم للحكومة اللبنانية والجيش اللبناني وتعبير عن اهتمام بريطاني كبير بملف الإرهاب وبموضوع استقرار لبنان وتأمين متطلبات ثباته في وجه عاصفة التطرف. قلق كاميرون انعكس عنواناً واحداً ورئيسياً على الزيارة التي تأتي ضمن خطة بريطانية جديدة لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، وقد أكد أنّ المخاوف على لبنان كبيرة من الإرهاب، وهذا ما لم تعترف به قوى لبنانية أساسية كنقطة انطلاق ووحدة داخلية من أجل وضع خطة دفاعية واستراتيجية تنسيق مع سورية.

دعم الجيش اللبناني للتصدّي لهجمات «داعش»، أو ربما لمعركة تحرير قادمة على عرسال لا محالة إذا لم تتم تسوية الأوضاع بانسحابات إلى خارج الحدود تعني بطريقة أو بأخرى تنسيقاً مقبلاً مع الجيش السوري وحزب الله من قبل الجيش اللبناني لكن هذه المرة بموافقة الحكومة اللبنانية التي لن تجد أمامها سوى دعم الجيش وحزب الله في أي عملية مقبلة.

يفتتح كاميرون علاقة جديدة مع لبنان من بوابة مكافحة الإرهاب، ويبدي اهتمامه بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية وعلى هذا الأساس فإنّ الاستقرار في لبنان حاجة أوروبية لضمان مرور حلّ سياسي في سورية، يبدو أنه بات قراراً أوروبياً جدياً كضرورة تبدأ بجاهزية للتحدث مع الرئيس السوري بشار الأسد، كشريك أساسي في الحلّ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى