أخيرة

رسول لا يموت

 حنان سلامة

قد قرأنا منذ الطّفولة: «من جدّ وجد ومن زرع حصد»، كيف إذا كان المزارع معلّمًا، وزرعه جيلًا عليه يُعتمد؟ سيكون النّبت في التّراب كرامةً، تموج فوقه الشّمس ولا تبتعد.

رسولٌ قائدٌ قدوة. هو المعلّم..

لحنٌ ملائكيٌّ يخطفنا نحو هدفٍ محتومقوّةٌ خفيّةٌ تدفعنا نحو المستقبل المشرقجسدٌ أبى أن يفنى قبل أن يوصل رسالة الحقّ لتحيا القيم، ويترك مكانه عطرًا فوّاحًا.

ملاكٌ سخيٌّ عنيدٌ في عطائه، يشهد على سمو الحياة وخلقها بجميل عمله، حيث يطفئ قناديل الجهل ويسمو بالأجيال لتعانق السّحب وتطمئنّ نفوسها من كلّ ريبة، بعد أن يكشف عنها الغمامة ليبصر أبناؤها بعقولهم الحقّ والمعرفة.

فارسٌ هو في ميدان النّهضة. يرفع منارة العلم ليضيء بمعرفته درب المجهول، شمس المعرفة تشرق من قلمه لتسطع وتزيل ظلمة الجهل، حيث يسلّط الضّوء على مكامن القوّة، فتراه نبراس الهدى وسيف الحقّ، ينهل من بحور العلم، يبذل قصارى جهده ليبني العقول، فلا ازدهار إلّا معه لأنّه عماد الأمّة، وصانع المجد بضميره اليقظ؛ فهو يدرك أنّ الجهل يطيح بالأمّة، لذا تتجلّى تضحياته الجسام ويمنح دون مقابل.

بوركت أيّها القدير، أيّها الكائن الخارق الّذي نصّب نفسه ليكون سفينة النّجاة وسط الأمواج المتلاطمة، أيّها القائد ذو العطاء الفيّاض، المرشد إلى آفاقٍ جديدةٍ تضعنا على السّكة الصّحيحة نحو طريق الحياة، حيث كان إرشاده برقًا أضاء الظّلام بما أضافه إلى ذواتنا من ثقافةٍ حرّةٍ، وسكب المعرفة عطورًا وسنابل.

أطأطئ رأسي خجلًا وإكبارًا أمام عطاءاته، وأسطّر أسمى معاني الشّكر والامتنان للقدوة الّذي كان له الدّور الهام في بناء المجتمع من الجانب التّربويّ والتّعليميّ. فبفضله يسير الأبناء دون تخبّط، يهتدون بلآلئ المعرفة الّتي زوّدهم بها، ويخطون نحو سلّم التّطوّر بعد أن تتحرّر عقولهم من التّقوقع والانعزاليّة.

لا بدّ للمؤسّسات من إيلاء الأهميّة القصوى للمعلّم الحاني، المربّي الصّبور، لبذله الجهود المضنية كي يعلّمنا التّحدي والإصرار ويصقل شخصيّتنا، فهو صمّام الأمان لمجتمعٍ متماسكٍ، والرّكيزة الأساسيّة في الوطن، ولولاه ما ازدهرت بلادٌ ولا تطوّرت أمّة.

نخجل أنّنا لن نستطيع أن نفيه جزءًا من حقّه، فيكفيه فخرًا وعزًّا أنّه أردى الباطل، فله كلّ التّقدير والعرفان، حيث جعل دربنا مضاءً إلى ما لا نهاية بوقود العلم الّتي لا تنطفئ.

بورك آذار الّذي اختير فيه يوم الوفاء للمعلّم، ثمّ نال شرف تمجيد الأمّ وتكريم المرأة، واستقبال عريس الطّبيعة. ولم تكفه كلّ المناسبات حتّى تكلّل بمولد المعلّم الأوّل انطون سعادة، فتُوّج ملك الشّهور.

وفي عيدِكَ نحتارُ ماذا نقولُ

في نزولِ الوحيِ الجميلِ عليكَ

قد كانَ العلمُ رسالةً أيُّها الرَّسولُ

ورقةً حِبرُها وحيٌ بينَ يديكَ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى