أخيرة

لا بداية بغير الوعي القوميّ الاجتماعيّ

} يوسف المسمار*

 

وكما لا يُساوى المنظار بالعين التي ترى، ولا جهاز تكبير الصوت بالأذن التي تسمع، فكذلك لا تساوى كل الأفكار والنظريات والعلوم بالإنسان الذي يرى ويسمع ويفكّر ويتبصّر ويتعلم.

فإذا كانت المخترعات والابتكارات والإبداعات الانسانية تتحسّن وترتقي بإرادة الانسان في نمو وعيه ذاته وارتقائه في الحياة، وتعمق واتساع معرفته لنفسه وبيئته وللكون الماثل أمامه والمحيط به، فإن كل الاختراعات والإبداعات وطرائق العلم وتراكم الأفكار والفلسفات والنظريات لا تستطيع أن تقوم مقام الإنسان في نموه وإبداعه مهما طرأ عليها من الإضافات والتراكمات والتحسينات.

فالنمو غير التراكم، والوعي غير التعلّم، وممارسة الحياة والحرية غير التشدق بأفكار التحرر والثورة.

ومثلُ الذين يبدعون في شق طريق النهوض وتعبيدها والسير الى الأمام باتجاه الأفضل نحو تحقيق أسمى الأغراض والمقاصد هو غير مثل الذين يتجرجرون تحت أحمال الأسفار والكتب، والتقليد بدلاً من التوليد، والتقاليد البالية التي استنفدت صلاحيتها بدلاً من الإبداعات، وينسحقون تحت وطأة الأفكار المسمّمة المستورة الحديثة وإفرازاتها الكريهة.

فحشو أدمغة الشعوب الغبية بالعلوم لا ينقذها من غبائها، وتكديس المتفجّرات في أيدي الأطفال وإشعالها لا يحفظ الأطفال من الاحتراق، بل إن إيقاظ الشعوب هو شرط أساسي وجوهري لتلقينها أصول العلم، وإن توعيتها وتعميق معرفتها هما السبيل الوحيد لتعليمها طرائق التقدم وتدريبها على تحقيق الأجود والأفضل.

فإذا تخلف الإنسان، تخلف الوعي. واذا فسدت التوعية فسد العلم، واذا انعدمت اليقظة تعطّل فعل التعليم، وإذا أهملت ترقية المثل الإنسانية العليا، تخلفت المناقب والاخلاق.

إن وعي شعبنا حقيقة وجوده وقضية حياته ومستقبله، وقضية مصيره وتحرّكه وجهاده لانتصار حقيقته وتحقيق مراميه العالية هي أمور تبقى قبل العلوم المتقدمة وأهم منها، وفوق المعارف الرائدة وأهم من التكنولوجيات الخادعة المدمرة.

 ولذلك لا بد، ولا خلاص ولا تقدم للأمم الحضارية الا بيقظة الوجدان الاجتماعي والوعي القومي الاجتماعي الذي يحفظ حقوق الأمم في الحياة، وسريان العدالة بين جميع المجتمعات، وترسيخ التعاون الإنساني لما فيه خير الإنسانية ورقيها وسلامها.

*باحث وشاعر قوميّ مقيم في البرازيل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى