أولى

المعركة المقبلة حول «السيادة والكرامة»

 د. جمال زهران*

من الواضح أنّ معركة «الكرامة والسيادة»، أصبحت على الأبواب، وكما يقولون في المثل الشعبي، «التالتة هي الثابتة»، بمعنى أنّ معركتين على ما يبدو لم تردعا العدو الصهيوني، الأولى: عام 2000 عندما حرّرت المقاومة ومن خلفها الشعب اللبناني كله باستثناء العملاء كالعادة، الجنوب اللبناني، وخرج هذا العدو، يجرّ أذيال الهزيمة بعد أن انكسرت إرادته وتحطم غروره على صخرة قوة المقاومة، ليتأكد أنّ الاستعمار والاحتلال والاستيطان، لا يرحل بغير القوة، وتلك هي دروس التاريخ. والثانية: عام 2006، عندما حاول هذا العدو أيضاً أن يستعيد قوّته ويمارسها بضرب أهداف المقاومة في كلّ أنحاء لبنان، ومارس عنجهيته وغروره وجبروته، وعلى مدار (33) يوماً، أطول من معركة أكتوبر التي استردّ فيها الجيش العربي في مصر وسورية وبدعم عربي غير مسبوق، كرامته وحقق انتصاراً كبيراً على العدو الصهيوني في 1973، إلا أنه في هذه المعركة لم ينتصر، ولكن اتسع الهدم والخراب، ووقف الشعب العربي اللبناني البطل خلف المقاومة، ولم ينكسر، ولم تهزم إرادته، وانتصرت المقاومة، بقيادة حزب الله، الذي يقول عليه أحد رؤساء الدول الكبرى الذي خلع بثورة شعبية كبرى، بأنه «البتاع ده!»، ليثبت هذا «البتاع» أنه رمز النصر والكرامة والحفاظ على السيادة، لدرجة أنّ صور زعيم المقاومة والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، رفعت في كلّ عواصم الأقطار العربية، بل علقت داخل البيوت، باعتباره هرم النصر على العدو الصهيوني الذي يشتاق إليه كلّ عربي شريف، بل تحرّكت المظاهرات في كلّ العواصم العربية بلا استثناء، وتشرّفت بأن شاركت في إحداها في قلب القاهرة وفي ميدان التحرير، مع أكثر من (100) نائب في البرلمان والتحمَت بنا الجماهير في الميدان.

ورغم أنّ هاتين المعركتين، تاريخيتان، وانتصرت المقاومة وانهزم العدو الصهيوني، ومكث يراقب حزب الله، ويرتعد خوفاً كلما خطب السيد نصر الله خلال (22) سنة مضت، لأنّ نصر الله، عندما يقول يفعل وينفذ، حتى غدت عبارة «الوعد الصادق»، كصفة رائعة لزعيم المقاومة الذي يتشابه مع صلاح الدين الأيوبي (قديماً)، وجمال عبد الناصر (حديثاً)، ورغم ذلك فإنّ العدو الصهيوني على ما يبدو لم يرتدع، ولا يزال يحاول التحرّش، مستغلاً الظروف الدولية والإقليمية، حيث الحرب الروسية الأوكرانية، بالمقاومة في لبنان.

استأجر العدو الصهيوني سفينة يونانية، عليها علم الدولة اليونانية للبحث واستخراج النفط والغاز من حقل «كاريش»، عند النقطة الحدودية (29)، وهي حدود السيادة اللبنانية في البحر المتوسط. ويبدو أنه يحاول أن يحقق هدفين، هما: إما خلق واقع يتمكّن فيه العدو الصهيوني من استخراج البترول وسرقته وهو ملك الدولة اللبنانية متصوّراً أنّ المقاومة لن تتحرّك، وإما أنه يمارس ضغوطاً لتوقيع اتفاقية الحدود البحرية بشكل مباشر، لتتخلص لبنان من صراع هذه المسألة، وذلك بتوظيف «الكفيل» الأميركي والداعم بلا سقف أو حدود لهذا العدو الصهيوني.

إلا أنّ هذين الهدفين، لن يتحققا، لأنّ هذا العدو الصهيوني، يعيش في أوهام الغرور والعنجهية، ويبدو أنه لم يتعلم من المعركتين السابقتين عامي (2000، 2006)، إما غباء أو استعلاءً!! ومن ثم فكما نقول إنّ المعركة الثالثة هي الحاسمة، والتي قد تصل وتمتدّ إلى تحرير القدس بإذن الله، وتحرير فلسطين كلها من البحر إلى النهر. ومن يقرأ التاريخ، يتعلم أن معارك التحرير الكبرى، بل الحروب العالمية اندلعت، لأسباب واهية، كاعتداء على حدود، والتحرش بسكان الدول المجاورة، أو محاولة للاستيلاء على ثروات البلاد المجاورة، وغير ذلك. ولذلك ليس مستبعداً، أن يكون التحرش الصهيوني بالسيادة اللبنانية، كمحاولة لنهب ثروات الشعب اللبناني، مقدمة لمعركة كبرى، يبدو أنها تلوح في الأفق.

وفي سياق ذلك، وكردّ فعل محسوب بدقة، تحدث السيد حسن نصر الله، مساء الخميس التاسع من يونيو/ حزيران الماضي، ليؤكد العديد من الحقائق، موضحاً استراتيجية الردع، ثم الضرب في العمق. فهو الذي يتحدث ليصدر للعدو الصهيوني القلق، وعواقب ما يفعل، فإن استمر في غيّه، ولم يتوقف «تحرشه»، فإنّ المقاومة هي الحلّ، بلا منازع. فالعدو الصهيوني لا يخشى إلا القوة، وقوة المقاومة العربية اللبنانية هي الأكثر تهديداً للكيان الصهيوني، بعد أن تأكد أنّ المقاومة قد امتلكت جميع أنواع الأسلحة الردعية، والهجومية، وأنها القادرة على دخول معركة كبرى قد تكون حاسمة. خاصة أنّ الكيان الصهيوني يحاول لفت الأنظار وإبعادها عن الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 شباط/ فبراير 2022، وتأكد بعد مرور الـ (100) يوم الأولى ولا تزال مستمرة أنّ الغرب وأميركا قد فشلا في تحقيق أيّ نجاح ضدّ روسيا!! وبالتالي فإنّ وظيفة الكيان الصهيوني إقليمياً هي افتعال معركة فرعية في النظام الإقليمي، لتكون بديلاً عن معركة دولية في أوروبا، بين أوكرانيا وروسيا. إلا أنّ هذا الكيان الصهيوني لا يدرك أبعاد المخاطر التي تنتظره حال الاستمرار في هذا التحرش بالسيادة اللبنانية.

لقد أكد السيد نصر الله، أنّ المقاومة تمتلك كلّ مقومات القوة، التي تمكنها مع الجيش اللبناني، من خوض معركة السيادة والكرامة، وذلك هو عنوان الجولة الثالثة التي تبدو في الأفق، ليتعلم الكيان الصهيوني للأبد، أنّ اللعب مع لبنان شعباً وقيادة ومقاومة، هو الخاسر دائماً وللأبد، إلى أن يرحل نهائياً عن فلسطين، ويعود المحتلون والمستوطنون، إلى بلادهم بغير رجعة كما حدث في القرنين 11، و12، حيث تمّ تحرير القدس، وفلسطين وانكسرت هجمات الصليبيين، آنذاك على يد المقاومة العربية، بقيادة رموز كبرى، أبرزها الزعيم صلاح الدين الأيوبي. وحيث إنّ التاريخ ـ حسب قناعتي ـ يعيد نفسه بين آنٍ وآخر بأحداث متشابهة، فإنه قد آن الأوان، أن تنطلق المقاومة بزعامة السيد نصر الله لتحرير فلسطين وبيت المقدس، وتعود فلسطين لأهلها وشعبها. ويكفي لتأكيد تصوّراتنا هذه، أنّ رموزاً صهيونية تعترف بين آن وآخر، أنهم يرون في الأفق، تحلل الدولة الصهيونية، ويتوقعون قرب نهايتها والرحيل من أرض فلسطين، ولهذا حديث آتٍ بإذن الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى