أولى

هل نحن في عام التسويات الكبرى؟ أميركا ـ الصين ـ روسيا ـ إيران ـ السعودية…

‭}‬ د. علي عباس حمية*
هل وصلت كافة الأطراف الى النديّة المطلقة بحيث لا يمكن لطرف الانتصار الساحق على الطرف الأخرى عالمياً وأقليمياً؟ أم انه عصر نشوء القطبية العالمية الجديدة تردفها القطبية الإقليمية؟ أم انها اتفاقيات الضرورة؟
اتمنى أن يكون عام الاستقرار إنْ استمرّ، أعني، الاتفاق الإيراني ـ السعودي، أن يكون الى أجل بعيد، فالدولتان بحاجة إلى استراحة محارب للتعافي او لوقت مستقطع بين المعارك على كافة الصعد لأخذ النفس العميق من أجل البلاد والعباد، إلا أنّ «الجمل بنية والجمال بنية…»، ومن يريد الاستقرار في المنطقة دائماً يمدّ يده لأخيه ليعيده الى الطريق المستقيم وهو مسار تحرير الأرض «فلسطين»، فالأرض والعرض تؤما الشرف وكلّ شيء دون ذلك لا يستحق النقاش، وهناك من كان مجبراً على اتفاقيات التطبيع ونسيان القضية الفلسطينية، وعلى أساس ذلك نشأت الحروب المدمّرة تحت مسمّى «الفوضى الخلاقة» و»الربيع العربي» الذي لم تنته فصوله بعد، أوّله كان تدمير الجيوش العربية من العراقي الى السوري والمصري ومن ثم بث الخلاف الإيراني التركي، والإيراني السعودي، وأخيراً إفقار الأمة عبر التطبيع بإدخال اللص الى دارهم (دول الخليج) لإفقارهم، وقد تمّ إفشال كامل تلك المخططات الأميركية الى حدّ كبير ولم يبقَ إلا انتظار نتائج التطبيع وتراجع المطبّعين.
فلربما نية (إيران والسعودية معاً) التهدئة وحسن الجوار والتآخي من جديد، ولكن هل باستطاعة السعودية تحمّل تبعات ذلك الاتفاق؟ وكسر الحصار الذي لم تستطع أية دولة أوروبية فعله، من أين لولي العهد محمد بن سلمان هذه القوة؟ الشبهة توجب الحذر، حيث أنّ النية الأميركية دائماً تجعلنا نرى ما نحب لتنفذ أهدافاً لا نحب، لتعيدنا الى المربع الأول من أيّ قرار.
هناك حلقة مفقودة في مسلسل الشرق الأوسط نظراً لسرعة التحركات والاتفاقات والوئام الروبوتي، وهل لا يزال باستطاعة الولايات المتحدة الأميركية كتابة الحلقة الأخيرة من المسلسل لتكون المفاجأة صادمة أم أنها فعلاً بحالة ضعف؟ وهل ما تقوم به السعودية حرية وقوة وعزم تتخطى بها القرارات الأميركية؟ أم أنه لغم أميركي سينفجر بالجميع بعد أن جعلت الجميع يعيش حالة من الاطمئنان والسكينة؟ أحذروا الكيد والمكائد الأميركية…
أليس العالم كله يقع تحت وطأة الاقتصاد السياسي الدولي وتحت التأثير المتبادل بين الاقتصاد والسياسة على الساحة الدولية وبالأخص في الولايات المتحدة الأميركية التي تتحكّم بمعظمها. وقد ظهرت نظريات حديثة خلال السنوات الأخيرة مثل نظرية الاقتصاد المزدوج ونظرية النظام العالمي الجديد، ألم تكن أميركا هي المستفيد الأوحد من جائحة كورونا بحيث أنها تحكم العالم من خلال الانترنت والاتصالات وشركات الأدوية وشركات التوصيل مثل آمازون التي جنت منها آلاف المليارات من الدولارات، ألم تستفد أميركا جراء الركود العالمي من شراء حمولات ناقلات النفط والغاز السائحة في البحار والمحيطات ولا تجد من يشتريها نظراً لتوقف العالم عن الحركة براً وبحراً وجواً أثناء جائحة كورونا؟ إذن من هو المستفيد الأكبر؟ والعالم كان يعيش الحسرات على الاقتصاد وأعداد الوفيات المصطنع في الكثير الأحيان، أليست الولايات المتحدة الأميركية الرابح الأكبر من ذلك بينما كانت تجعل العالم ينظر إليها على أنها خاسرة كباقي الدول؟
ألم تكن تسيطر أميركا على نظام التجارة الدولية ونظام النقد الدولي والشركات المتعددة الجنسية والتنمية الاقتصادية وما تزال؟ الى أن ظهر المفهوم الاقتصادي للصين تجاه العالم وكسر الكثير من القواعد والتقاليد السياسية والاقتصادية، ولذلك فإنّ المنافسة الصينية ـ الأميركية لن تكون مجرد تفوق اقتصادي فقط وذلك بمتغيّرات محدّدة ترتبط كلها بقدرتها الاقتصادية، وهذا يعاكس أميركا التي أظهرت خلال العقود الماضية تشققات مقلقة في التركيبة العقلية في النزاعات والحروب التي استنزفت الكثير من اقتصادها، ولكن لم يكن لها ندّ اقتصادي صيني، كما ظهرت النزعات العنصرية في الداخل الأميركي وأصبح صعود اليمين ملحوظاً ومقلقاً ومؤثراً في الأمة الأميركية وذلك بين الحزب الجمهوري والزعيم دونالد ترامب والحزب الديمقراطي، ومصطلح الزعيم جديد على أميركا.
بالعودة قليلاً الى الوراء، بدأت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي (وارسو) بزعامة الاتحاد السوفياتي ومن يدور في فلكه، والغربي حلف شمال الأطلسي (ناتو) بزعامة الولايات المتحدة الأميركية ومن يدور في كنفها، وكان يتمّ بينهما تفاهمات وتجارة واتفاقيات، مما يعني انّ الحرب الباردة القديمة انتهت لتصبح حرباً باردة على آبار النفط في منطقتنا.
لذا، كانت قد سارعت الولايات المتحدة الأميركية للسيطرة على منابع النفط والطاقة في العالم وبالأخص في الشرق الأوسط، وجعلت لها خيوطاً من خلال دول عميقة تتحكّم بها كالدمى لتحكمها بالدولار الذي كانت له الحصرية في التجارة العالمية وتحديدأً في النفط والغاز مما جعله العملة الأقوى في العالم وما يزال على الرغم من ابتداع العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) للاتحاد الأوروبي التي تحاول أميركا جاهدة تفكيكه كما فككت الاتحاد السوفياتي.
وهنا لا بدّ من التركيز على نقطة مهمة هي أنّ القدرات الاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية تعتمد على كندا الداعم الأقوى لها، والتي تؤمّن لها الأمن والهدوء والتوازن والطاعة في معظم الأحيان، مما جعل من أميركا تتفضى للعالم نظراً لما تتمتع به من راحة وثقة تجاه جارتها الأقوى كندا، كما أنها بعيدة جغرافياً عن الدول الكبرى. وعليه، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية باقتصادها الأقوى عالمياً وهي الى الآن تصنع سياساتٍ تدير بها دول العالم.
وعليه، تقوم الولايات المتحدة الأميركية بتخصيص أموال ومعونات لدول العالم الضعيف للسيطرة عليهم وتوجيه سياساتهم مع او ضدّ دولة مجاورة تكون وفقاً لحاجة السياسة الخارجية الأميركية، وهي تدعم جيش دولة يكون قادراً على شعبه وغير قادر على القيام بحرب إلا إذا تمّ دعمه لتلك الحرب، ومن أهمّ الدول التي تدعمها مجاناً كحامية متقدّمة وقاعدة عسكرية لتكون متفوّقة أمنياً وعسكرياً في الشرق الأوسط هي «إسرائيل» لضمان استمرارية السيطرة على النفط والغاز الخليجي والتحكم بعمليات التصدير والأسعار. هذا ما تقوم به الولايات المتحدة لدعم ودفع عجلة التطبيع الخليجي الذي يمتلك الاقتصاد الأقوى عربياً ليطبع ويكون عمقاً استراتيجياً واقتصادياً لـ «إسرائيل» في مواجهة عدو مفترض في كلّ فترة وفق الطلب، والآن في عصرنا فإنّ العدو المبتكر لدول الخليج هي إيران، فما الذي تغيّر؟ وهي القوة الخفية التي فرضت المعادلات الجديدة؟
نرى أنّ الولايات المتحدة الأميركية تتحكم بالمشاكل والحلول في الكثير من الدول حيث يتمّ حلّ سلمي في دولة تحت حروب إما أهلية او ضدّ دولة أخرى فتأتي أميركا بعد فترة طويلة او وجيزة لتنهي الحرب بين يوم وليلة، إذن لماذا تركت الحرب تشتعل ولم تُنهها من قبل؟ كما انّ الولايات المتحدة الأميركية ابتدعت فكرة استخدام أسلوب الاحتلال الرئيسي لامتصاص الموارد والمقومات وابتداع الفوضى وحالة عدم الاستقرار او اللاموت واللاشفاء ومن ثم الانسحاب المفاجئ دون سابق إنذار من مناطق كانت تحت سيطرتها لتشعرها بالحرية فتعيش حالة النشوة والاقتدار والعيش في الوهم.
إنّ العالم يعيش حالة الندية ويتجه نحو التسويات الكبرى دولياً وإقليمياً، وما كان لربما الاتفاق الإيراني السعودي إلا تسوية على تقاسم النفوذ واعترافاً بين الدول العظمى على أدوار القطبية الجديدة وأدوار لدول إقليمية كإيران والسعودية يكون تجربتها الأولى ذلك الاتفاق لينسحب على سورية وتركيا إلخ… ولكن تبقى ضمن الحرب الباردة الجديدة وضمن الاصطفافات الكونية بين أميركا ـ ناتو ـ أوكوس وما يدور في فلكهم مقابل منظمة شنغهاي التي تعدّ روسيا والصين وإيران منصبها الثلاثي بسلاح يسعى لكسر الهيمنة الأميركية بنظام جديد لا يغضب الأميركي الى الحدود القصوى.
اعتماداً على كل ما تقدّم، أتمنّى ان يكون الاتفاق الإيراني ـ السعودي سارياً وطويل الأمد، وأن ينعكس إيجاباً على المنطقة برمّتها من العراق الى سورية الى اليمن، وان نقتنص في لبنان تلك الفرصة الذهبية لانتخاب رئيس للجمهورية والبدء بحفر واستخراج ثرواتنا من البحر، وأن لا يكون آنياً لتمرير مؤامرة أميركية جديدة نستفيق عليها بعد فوات الأوان…!
*خبير عسكري واستراتيجي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى