أولى

خلط الأوراق

 سعاده مصطفى أرشيد*

 

في أيار عام 2018 أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران والذي كانت قد أبرمته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وعادت العلاقات الأميركية الإيرانية تسير بشكل حثيث نحو مزيد من التأزّم والتعقيد، لا شك في أنّ لعقلية الرئيس ترامب دوراً في ذلك والذي يصفه المفكر الشهير نعوم تشومسكي بأنّ لديه إعاقة، ولكن لذلك علاقة مباشرة ومعلنة بالتحريض الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية، ثم ما لبثت واشنطن أن أعلنت عن مجموعة من الإجراءات العقابية المتدحرجة، وشنّت جملة من معارك غير مباشرة إلى أن وصلت مؤخراً إلى حرب إنتاج النفط التي قادتها السعودية برفع سقف إنتاجها بهدف إغراق السوق وخفض الأسعار، وذلك لضرب اقتصاديات مجموعة من خصوم واشنطن وعلى رأسهم إيران وفنزويلا وروسيا، ولكن مؤشرات عديدة تذهب باتجاه التأكيد أنّ هدف العقوبات على إيران لا يقتصر على المشروع النوويّ الإيرانيّ فقط وإنما يمتدّ ليشمل السلوك والتمدّد الإيراني المناهض للولايات المتحدة والذي كان رائده وفيلسوفه الجنرال الراحل قاسم سليماني.

أعلنت منظمة هيومان رايتس وواتش انّ العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية كان من شأنها تقييد قدرة طهران على تأمين الحاجات الإنسانية لمواطنيها بما في ذلك الدواء. وطالبت المنظمة الدولية الإدارة الأميركية بتخفيف العقوبات بالقدر الذي يسمح لطهران من استيراد مجموعة من السلع الأساسية والأدوية. رفضت واشنطن مطالب المنظمة الدولية، لا بل إنّ طهران لم تسلم من انتقادات الإدارة الأميركية التي عبّر عنها بومبيو منتقداً إيران بقوله إنّ نظام الرعاية الصحية الإيراني ضعيف وعاجز متناسياً أنّ ذلك كان بسبب إجراءاتهم العقابية.

إيران وبرغم همومها ومشاكلها لا زالت تتابع سياساتها بردّ الضربة بالضربة كما حصل في عين الأسد وهي ماضية في تمدّدها، وتملك عديداً من الأصدقاء والحلفاء والأدوات القادرة على قضّ مضاجع خصومها وعلى قضم أمنهم واستقرارهم قضمة اثر أخرى، لا زالت على تحالفها الثابت والمتين مع سورية منذ عام 1979، هذا التحالف الذي لم تهزّه الرياح التي عصفت بالإقليم في العقود الأربعة الماضية، وهي موجودة في لبنان حيث تدعم المقاومة الوطنية اللبنانية، وحيث حليفها حزب الله يحمل من أوراق اللعبة اللبنانية ما يفوق أيّ حزب سياسي آخر، وهي موجودة في غزة خاصة بعد التقارب الواضح مؤخراً بينها وبين قيادة حماس، وهي موجودة في العراق وحليفها الحشد الشعبي يمثل أكبر تجمّع مدجّج بالسلاح في عراق ما بعد صدام، ثم في اليمن حيث تدور حرب ضارية دخلت عامها السادس واستهلكت من خزائن الرياض ما يزيد عن نصف تريليون دولار. وقد ذكرت في مقال سابق أنّ هذه الأموال لو استثمرت في أعمال التنمية والبناء والعمران في اليمن لأعادته واقعاً إلى اسمه القديم بلاد العرب السعيدة.

اعتمدت السعودية في عدوانها على طيرانها وطيران التحالف الذي ضمّ دول الخليج والمغرب ومصر وآخرين، وعلى جيوش خليجية جنودها من المرتزقة غير المواطنين وعلى الجيش السوداني في حقبة الرئيس المخلوع. رأت السعودية في الطريقة القتالية الاسرائيلية الأسلوب الأنسب، القصف الجوي غير مدركة أنّ القصف الجوي قادر على القتل والهدم أكثر مما هو قادر على تحقيق النصر. فالإنسان بالنهاية هو مَن ينتصر لا الطائرة، أما العساكر فهم لا يحاربون من أجل قضية وإنما من أجل الراتب أو من أنّ ما تجنيه حكومتهم على حساب دمائهم كما في الحالة السودانية. ومع صمود اليمن وعجز التحالف عن تحقيق أيّ تقدّم سواء على الأرض أم على القرار اليمني العنيد تصبح الحرب خاسرة وغير ذات جدوى.

ما بين هذه الحرب التي بدأت عام 2015 وبين وباء الكورونا الذي حلّ ضيفاً ثقيلاً هذا العام عاشت اليمن أياماً تجاوزت هذه المصائب فقد فتكت بها المجاعة ثم الكوليرا، الأمر الذي دعا منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لأن تحذر من أنّ نصف مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية، وأنّ 13 مليون يمني يعيشون حالة انعدام الأمن الغذائي، قرابة نصفهم يعجزون عن تدبير قوتهم اليومي الذي يبقيهم أحياء، ومع ذلك لا زال اليمن صامداً وقوياً لا يتزحزح ولا يترنّح حتى أمام الإعلان السعودي الأخير عن وقف إطلاق نار لمدة أسبوعين من جانب واحد، أملت الرياض أن تسارع صنعاء بالاستجابة للعرض والتقاط المبادرة والشروع بمفاوضات مع ما تبقى من عبد ربه منصور هادي، حيث لا زالت السعودية تدّعي في خطابها أنّ الحرب هي بين مكوّنات يمنيةيمنية، وأنّ التحالف الذي تقوده يهدف إلى دعم الحكومة الشرعية، لكن صنعاء رفضت العرض إلا إذا كان شاملاً، أما اليمن فهو قادر على إطالة أمد الحرب لسنة مقبلة أو حتى لسنوات، وعلى مَن يجادل في ذلك أن يراجع التاريخ اليمني الذي استعصى على الإمبراطوريات القديمة رومانية وفارسية وانتهاء بالعصيان اليمني الذي دام أربعة قرون بوجهه الدولة العثمانية.

متى تنتهي الحرب في اليمن وعلى اليمن؟ الإجابة على هذا السؤال تعرفها الرياض وتعرفها واشنطن وكلّ عواصم التحالف، إذ لا يمكن لهذه الحرب أن تضع أوزارها إلا بتفاهم مع طهران يبدأ من الآخر ثم يعود أدراجه إلى البدايات، البداية من حرب إنتاج النفط وإغراق الأسواق وحرق الأسعار التي عادت عنها الرياض مؤخراً بتعليمات من واشنطن التي لديها أسبابها الداخلية المتعلقة بشركات النفط وشركات الزيت الصخري، ولكن لها أسباب وعلاقة في الإجابة على سؤال متى تنتهي الحرب، وبالعودة إلى الوراء إيران تريد تفاهماً إقليمياً حدّه الأدنى يشمل الخليج وبحر العرب ومضائق البحر الأحمر، وحدّه الأعلى يشمل الإقليم بأسره من طرفه الغربيّ في غزة مروراً بسورية ولبنان والعراق.

عود على بدء، لقد كان «الإسرائيلي» من أشدّ معارضي الاتفاق النووي مع إيران، وكان من أهمّ محرّضي ترامب على إلغائه وعلى فرض العقوبات على إيران وبقي على الدوام رافعاً إصبعي الفيتو على أيّ تخفيف لتلك العقوبات، لكن صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت في عددها الصادر الاثنين الماضي ما مفاده أنّ الموساد يرى أنّ إيران لم تعد تشكل تهديداً وشيكاً لـ «إسرائيل» بسبب تفشي وباء كورونا، وأنّ طهران تخفي الأرقام الحقيقيّة لعدد ضحايا الوباء الذين يفوق عددهم على الأرقام المعلنة.

هل نحن على أبواب مرحلة خلط أوراق جديدة؟ الجواب في مآلات وصيرورة الحرب على اليمن

 

*سياسيّ فلسطينيّ مقيم في الضفة الغربيّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى