مقالات وآراء

سورية… عصب التحوّلات والتوازنات الإقليمية

} د. حسن مرهج

كثيرة هي المُتغيرات التي عنونت مشهد المنطقة في الأشهر الأخيرة؛ هي متغيّرات جمة ويُمكن وصفها بالتحوّلات الاستراتيجية، والتي ستكون بلا ريب، رافعة لانفراجات إقليمية ودولية، وهنا لا نتحدث عن ماهية الصراع الذي شهدته المنطقة خلال السنوات الماضية، لا سيما أنّ جوهر الصراع ببعديه الإقليمي والدولي، بات عنواناً ثانوياً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مروحة مصالح القوى العظمى، وتحديداً في سورية، إذ يبدو واضحاً أنّ ترجمة الصراعات المُشار إليها سابقاً، لم تبتعد عن سورية في المضمون والأهداف، وإنما اتخذت من الجغرافيا السورية، مسقطاً لرأس التحوّلات الإقليمية الجديدة، والتي ستكون دمشق العنوان الأبرز ضمنها.

قد لا يختلف اثنان، على أنّ الكثير من المشاهد في المنطقة، كانت وجاءت للحفاظ على أمن «إسرائيل»، وفي هذه الجزئية ثمة تقاطعات غاية في الأهمية، ترتكز في العمق على الرغبات الأميركية، الرامية لهندسة واقع سياسي وعسكري، يكون بمثابة طوق الأمان المُحيط بـ «إسرائيل»، وبالتالي، فإنّ سورية الموقع والدور الإقليمي الفاعل والمؤثر، كانت هدفاً لتحقيق الرغبات الأميركية، لكن ومع جملة الانتصارات التي حققتها سورية، وعلى المستويات كافة، فرضت وقائع ومعطيات جديدة، من الصعب على واشنطن تجاهلها، ولعلّ التحركات الإقليمية الأخيرة تجاه سورية، تُترجم في العمق، مضامين التوجهات الأميركية تجاه سورية وعموم المنطقة.

في عمق ما سبق، لا بدّ من مخاض عسير، يؤسس للمعطيات السابقة، فاليوم تبدو الدولة السورية، في قلب المحاولات «الإسرائيلية» لاحتواء ما تعتبره «تهديداً إيرانياً»، وأيضاً سورية اليوم مسرح أساسي للصراع بين تركيا وروسيا، ولآليات التفاهم والتواصل بينهما، والصين تعتبر مواجهة «الحزب الإسلامي التركستاني» أولوية أمنية وجيوسياسية لها، بما أنّ التنظيم درّب ويُدرّب آلاف المقاتلين ممن قد يُشكلون تهديداً مستقبلياً لأمن بكين ومصالحها في المنطقة، هذا الحزب الناشط برعاية تركية غير مُعلنة، أيضاً تهديد طويل الأمد لجهة تغذيته عالم الجهاديين بالعداء لبكين وسياساتها عبر منشوراته باللغة العربية، وكذلك علاقاته وتحالفاته في الداخل السوري.

اليوم، وفي خضمّ التطورات المتسارعة في المنطقة، وعلى رأسها انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، هناك محاولات حثيثة لإعادة العلاقات مع الدولة السورية، وإعادة تفعيل الدور السوري إقليمياً ودولياً، بصفته ممراً للاستقرار في المنطقة، وربما لأدوار طموحة اقليمياً.

من المهمّ الإشارة، إلى من قاله كبير مراسلي صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية مارتن شولوف، لجهة أنّ الأردن يلعب دور الوسيط لإعادة هيكلة العلاقات الإقليمية مع الدولة السورية، كضامن للسلام في المنطقة وضمنها لبنان، فضلاً عن مشروع الغاز العربي الذي يمر بالأردن وسورية، الأمر الذي يضع الدولة السورية في قلب مسعى لإيجاد حلول للبنان وعموم المنطقة، وبالتالي فإنّ دمشق فرضت على الجميع بصبرها الاستراتيجي، أن تكون الرابط الفاعل والمؤثر في عموم معادلات المنطقة.

في جانب موازٍ، فإنّ دمشق لها الحق في استثمار هذه المتغيّرات، للخروج من جُملة المآزق التي تؤثر على المشهد السياسي والاقتصادي في سورية.

وعطفاً على ما سبق، فإنه يمكن القول، بأنّ الدور الأردني الجديد، سيكون بمثابة الجسر الذي سيربط بين دمشق ومحيطها الإقليمي، الأمر الذي تمّ بعد صمود دمشق، وعليه، ثمة مفاجأت عديدة في هذا الإطار، مثل الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سورية، ولو كان ذلك مؤجلاً لما بعد الانتخابات النصفية للكونغرس العام المقبل.

ختاماً، ستلعب دمشق دوراً إقليمياً متعدد الأوجه، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال التحركات السياسية الأخيرة في دمشق ومحيطها، وكما قلنا ونقول دائماً، بأنّ دمشق كانت وستبقى، بيضة القبان في أيّ توازنات إقليمية ودولية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى