الوطن

الترسيم والحكومة والرئاسة… والاقتصاد!

} أحمد بهجة*

كثيرة هي العناوين السياسية والاقتصادية التي شغلت اللبنانيين خلال الأسبوع الماضي وما قبله، وتستمرّ تشغلهم هذا الأسبوع، ويأتي في مقدّمها موضوع الترسيم البحري جنوباً وتشكيل الحكومة الجديدة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

في ما يتعلق بانتخاب الرئيس الجديد من المفترض أن تتوضّح الصورة أكثر فأكثر هذا الأسبوع، حيث تفيد المعلومات المتقاطعة أنّ الاتصالات والمشاورات سوف تتكثف للوصول إلى النتائج المرجوّة، خاصة على خط الحلفاء الذين صوّتوا في الجلسة الأولى بـ 63 ورقة بيضاء، ويحتاج الأمر إلى جهود حثيثة داخل هذا الفريق لكي يتمّ ملء الورقة البيضاء بالإسم المناسب، واستمالة بعض النواب الآخرين لكي يحظى هذا الإسم بأكثرية النصف زائد واحد، بينما لا يبدو أنّ الآخرين الذين تفرّقوا في الجلسة الأولى على أكثر من خيار قادرون على أن يجمعوا صفوفهم خلف مرشح واحد، وحتى لو حصلت معجزة وتمّ ذلك فإنّ هناك صعوبة بل استحالة تحول دون وصول هؤلاء إلى أكثرية الـ 65 صوتاً التي يحتاجها أيّ مرشح في دورة التصويت الثانية وما يليها ودائماً بحضور 86 نائباً داخل القاعة لكي يُعتبر فائزاً ويتمّ تتويجه رئيساً للجمهورية.     

وإذا لم يُنتخب الرئيس العتيد قبل انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون في 31 تشرين الأول الحالي، فإنّ المجلس النيابي يبقى قادراً في مرحلة الفراغ الرئاسي على الانعقاد في أيّ وقت لانتخاب رئيس للجمهورية حالما يصل الأفرقاء المعنيون إلى تسوية ما في هذا الشأن.

أما في ما يتعلق بالحكومة الجديدة فإنّ تشكيلها يجب أن يتمّ قبل انتهاء ولاية الرئيس عون، وعامل الوقت ضاغط جداً في هذا المجال، إذ انّ الحكومة الجديدة بعد توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم تشكيلها عليها أن تضع بيانها الوزاري ثم تتقدّم من المجلس النيابي لنيل الثقة، وهذا ما لا يعود ممكناً أبداً بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وبالتالي يدخل البلد في دوامة تجاذبات جديدة سياسية وطائفية ومذهبية وميثاقيةحول إمكانية أن تتولى حكومة تصريف الأعمال الحالية صلاحيات رئيس الجمهورية، وهذا ما تختلف حوله آراء الخبراء في القانون والدستور

وهذا يضع المعنيين جميعاً أمام مسؤوليات وطنية كبيرة جداً لأنّ البلد وناسه بغنى عن معاناة جديدة تتسبّب بالمزيد من المآسي والأزمات التي تتراكم وتشتدّ وطأتها بشكل خانق لا يُحتمل.

وطبعاً يبقى الحلّ الأمثل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية يسارع بعد تسلمه مهامه مطلع الشهر المقبل إلى التعاون مع المجلس النيابي من أجل تكليف شخصية قادرة على تشكيل حكومة جديدة بأسرع وقت ممكن، لكي تبدأ تنفيذ المسار الإصلاحي بشكل يعطي نتائج سريعة لجهة تخفيف بعض الأعباء عن كاهل معظم العائلات اللبنانية التي باتت تصنّف تحت خطّ الفقر، خاصة أننا على أبواب سنة دراسية جديدة وشتاء وصقيعولا بدّ من علاجات سريعة لهذه الأمور على أن تأخذ مشاريع الحلول والخطط والبرامج المتوسطة والبعيدة المدى وقتها المعقول لكي تبدأ نتائجها بالظهور تباعاً

هذا يقودنا فوراً إلى الحديث عن الترسيم البحري على الحدود الجنوبية، لما لذلك من تأثير مباشر على الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلد، خاصة أنّ العدو «الإسرائيلي» سلّم بكلّ مطالب لبنان، ولم يبقَ سوى نقاط قليلة جداً وضع عليها المفاوض اللبناني ملاحظاته التي سوف يتسلّم جواب العدو بشأنها كما وعد الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين في الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل يومين.

وعليه يُفترض أن تعود قريباً إلى لبنان الشركات العالمية، لا سيما شركة «توتال» التي رسا عليها التزام الحفر والتنقيب في البلوكين 4 و 9، والتي بدأت فعلياً بالحفر في البلوك رقم 4 عام 2020، لكنها غادرت قبل أن تكمل عملها بفعل الضغوط التي تعرّضت لها خاصة من الأميركيين الذين أرادوا إطباق الحصار الاقتصادي والمالي على لبنان من كلّ النواحي، لكي يرضخ ويستسلم ويتخلى عن مصادر قوّته ويعود إلى سابق عهده حين كان السائد شعار «قوة لبنان في ضعفه»!

اليومورغم كلّ المصاعب والأزمات المتراكمة، استطاع لبنان القوي بقوّته أن يمنع العدو من استخراج الغاز من حقل كاريش قبل أن يسلّم بكلّ مطالب لبنان، وليس هذا فقط بل هناك ما هو أهمّ وأكثر تأثيراً، فقد استطاع لبنان أيضاً أن يفرض رفع الحظر عن الشركات العالمية، حيث التزمت شركة «توتال» بأن تعود لاستئناف عملها وبدء التنقيب والحفر في البلوك رقم 9 الذي من ضمنه حقل قانا، ومتابعة عملها في البلوك رقم 4 حيث ينص العقد مع الدولة اللبنانية على أن تحفر «توتال» بئرين وليس ربع بئر كما فعلت سابقاً…! ولا شكّ كما قال رئيس الجمهورية «إنّ انطلاق عملية التنقيب عن النفط والغاز يحقق بداية دفع جديد لعملية النهوض الاقتصادي».

المهمّ الآن هو أن يضع المسؤولون اللبنانيون جميعاً مصالح لبنان العليا على رأس قائمة الأولويات، وأن يستندوا إلى ما توفره المقاومة للبلد من قوّة وقدرة على الثبات والصمود والتعاطي بصلابة والتمسك بالحقوق حتى تتحقق الإنجازات المأمولة، وتنطلق عجلة الاقتصاد مجدّداً ويتنفس اللبنانيون الصعداء بعدما كادت الأوضاع تصل إلى حدّ الاختناق

 

*خبير اقتصادي ومالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى