الوطن

حلب تشبه قلعتها… وإرادة الحياة فيها أقوى من النكبات

‭}‬ حلب ـ عبير حمدان
يصعب نقل الواقع الذي تعيشه حلب ضمن إطار المتابعة الإعلامية العاديّة لمراسل يقوم بعمله وحسب، هنا تتفوّق ملامح الناس على عدسات التصوير والبث المباشر والتسجيل الصوتي، لا بل فإنه من واجب من يمتهن الصحافة تلقف نبض كل فرد صغاراً وكباراً وشيوخاً وعليه امتلاك المقدرة على حفظ قصصهم في وجدانه ليكتبها كما هي بعيداً عن تأويل وافتراضات لغوية إنشائية.
والسؤال الذي يبقى قائماً في الذهن هو كيف السبيل إلى كتابة شعور البرد والخوف وتراكم الويلات وتداخل الدمار الذي خلفه الإرهاب على سورية مع دمار الزلزال الأخير.
كيف يمكن قراءة الوجع الغائر في العيون واللحظات الأخيرة لأناس خسروا أحبّة وبيوتاً وما تبقى من الأمان بلمح البصر، هم لم يستوعبوا الصدمة بعد إلا أنهم يحاولون لملمة ما تبقى من أنفاسهم في محاولة للبقاء.
هنا في حلب وجوه مرهقة وعيون أطفال لم يدركوا من الحياة إلا مرارتها بين نيران حرب كونية استهدفت وجودهم في ظل حصار لا يمتّ الى القانون والإنسانية بصلة، لا بل يجاهر مبتكروه بوقاحتهم ممعنين في ظلمهم وحقدهم ضد شعب ذنبه الوحيد تمسكه بموقفه الرافض لكل أشكال الاحتلال.
هنا في حلب ضاقت الأرض حتى تزلزلت ورغم هول الكارثة بقيت إرادة الحياة قائمة بما تيسر من إمكانيات.
حلب المدينة التي لا تنام رغم الصقيع والعتمة قوية إلى درجة تُشعرنا بضعفنا أمام نبضها والحضارة المتجذرة في كل تفصيل منها، حين قصدناها ظننا أننا نمدّ لها يد العون فوجدنا أنها تعلمنا كيف نتغلب على جراحنا ونصوغ لغة متجدّدة تكسر القيود والحصار بعزيمة لا تلين.
حلب قوية حتى يانكسارها لأنها تشبه قلعتها وإرادة الحياة فيها أقوى من النكبات. هكذا هي سورية منذ بداية التكوين تخلق من الأزمات بدايات وتنفض الركام فتعيد البناء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى