أولى

سؤال معجّل الإجابة: ما العمل لتفادي قتل البشر بالذكاء الاصطناعي؟

‭}‬ د. عصام نعمان*

كشف ماط كليفورد، مستشار رئيس الوزراء البريطاني للذكاء الاصطناعي، في صحيفة “تايمز” (2023/6/10) البريطانية أنه خلال سنتين فقط سوف “تتمتع” نُظم الذكاء الاصطناعي بالقدْر الكافي من القوة من أجل “قتل الكثير من البشر”، وأنه يجب “ان نستعدّ لمواجهة مخاطر الذكاء الاصطناعي المحتملة التي تمتدّ من الهجمات الإلكترونية الى تخليق الأسلحة البيولوجية في حال فشل البشر في إيجاد طريقة للسيطرة على هذه التكنولوجيا”. وختم محذراً من أنّ الوقت ينفد بسرعة و”ربما يكون أمامنا سنتان فقط لإنقاذ العالم من خطر الذكاء الاصطناعي”.
من المنطقي القول إنّ إنقاذ العالم يشتمل بالضرورة إنقاذ العالم العربي، وإنّ العرب مطالَبون بالمشاركة ـ بأقصى ما يستطيعون ـ في الجهود الرامية إلى تفادي قتل البشر بالذكاء الاصطناعي لأنّ ثمة عدواً صهيونياً عنصرياً شرساً لن يتورّع عن استخدام أفتك أنواع الأسلحة للسيطرة على بلادهم وعلى شتّى ميادين الحياة فيها.
قبل القتل بالذكاء الاصطناعي تعرّضت البشرية الى القتل بالسلاح النوويّ. فقد قتلت الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية أواخرَ سنة 1945 مئات الآف اليابانيين في مدينتي هيروشيما ونجازاكي بالسلاح النووي؛ الأمر الذي حمل الاتحاد السوفياتي وغيره من الدول الكبرى آنذاك على الإسراع في امتلاك قدرات نووية فتاكة. غير أنه أمكن بعد ذلك التنبّه الى مخاطر هذا السلاح الفتّاك وضرورة تفادي استخدامه بطريقتين:
ـ إقامة منظمة لشؤون الطاقة النووية في إطار الأمم المتحدة لمراقبة أنشطة بناء القدرات النووية وإجراء تجارب بشأنها.
ـ تفاهم ضمني بين الدول الكبرى، التي تمتلك قنابل ذرية، على الامتناع عن استعمالها، لكونها تُلحق تدميراً هائلاً متبادلاً بالأطراف المتحاربة.
ما العمل لتفادي مخاطر القتل بالذكاء الاصطناعي؟ هذا يتطلب، بادئ الأمر، الارتفاع الى مستوى خطورة هذا السلاح الفتاك بكل أبعاده الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وتهديده الشامل للبشرية جمعاء. ذلك يتحقق بأن تقوم دولة أو أكثر من الدول الخمس الكبرى صاحبة حقّ النقض في مجلس الأمن الدولي بعرض هذه القضية على المجلس لدرسها من خلال المؤسسات العلمية ذات الصلة واقتراح الآليات والوسائل الكفيلة بمراقبة بناء قدرات الذكاء الاصطناعي في جميع الدول التي تقوم بتطويره، وإجراء مختلف التجارب بشأنه، والتقدّم بالتوصيات اللازمة لمراقبة أنشطته على مستوى الكون كله، وإيجاد الآليات والوسائل اللازمة للحؤول دون استعماله في كلّ مجال أو نشاط أو جهد من شأنه تهديد الجنس البشري.
بعد الانتهاء من هذه المرحلة الابتدائية، يُصار إلى القيام بخطوات أخرى إجرائية على النحو الآتي:
ـ تكليف المؤسسة التي مدّت مستشار رئيس الوزراء البريطاني للذكاء الاصطناعي كليفورد بالمعلومات الخطيرة سالفة الذكر بإجراء تجربة أولية بغية محاولة إدراك مخاطر الذكاء الاصطناعي مسبقاً، وذلك بأن تجيب المؤسسة المُشار إليها آنفاً على سؤالٍ اختباري: كيف يمكن، بالذكاء الاصطناعي ذاته، منع استعماله لبناء أسلحة للقتل والتدمير؟ وكيف يمكن تفادي المخاطر الناجمة عن ذلك؟
ـ الضغط، من خلال الأمم المتحدة، لصوغ معاهدة توقعها وتلتزم بأحكامها جميع الدول الأعضاء في المنظمة الأممية تتضمّن الأحكام المتعلقة بالرقابة والعقوبات الواجبة التطبيق من جانب الأمم المتحدة ووكالاتها من جهة، ومن جهة أخرى الدول الموقعة على معاهدة منع استخدام أسلحة الذكاء الاصطناعي.
ـ إقامة مؤسسة عربية للذكاء الاصطناعي في إطار جامعة الدول العربية لتوفير التعاون والدعم الفني واللوجستي بين الدول الأعضاء بغية ضمان الارتقاء بقدرات الذكاء الاصطناعي في ما بينها، والاستفادة منها سلمياً، في شتى المجالات المحلية والقومية.
ـ عقد تحالفات بين مختلف الدول غير المالكة لقدرات الذكاء الاصطناعي، لا سيما استخداماته العسكرية، من جهة والدول المتقدّمة التي تمتلك تلك القدرات من جهة أخرى بغية توفير الحماية الأمنية والدعم الفني والاقتصادي للدول المفتقرة للذكاء الاصطناعي عند الحاجة.
قد يعتقد البعض أنّ هذا المقال وما يتضمّنه من استشرافٍ وتحذيرات وتوصيات سابقٌ لأوانه لأنّ ما يواجهه العرب، محلياً وقومياً، في الوقت الحاضر، من تحديات ومخاطر ومتطلبات اقتصادية وفنية تستوجب جميعها إعطاءها الأولوية في هذه الظروف الصعبة.
مع الاعتراف بضرورة الاهتمام بتحدّيات ماثلة تواجه الأمة في مختلف أقطارها وبضرورة المسارعة إلى مواجهتها، إلاّ أنّ ذلك لا يتعارض البتة مع ضرورة إيلاء التحدّي البازغ الذي يمثله الذكاء الاصطناعي على العالم برمّته، الأهمية التي يستحق؛ الأمر الذي يستوجب اهتماماً موازياً ومتزامناً مع ضرورة التصدي لمخاطره في المستقبل على مستوى الكون كله.
الى ذلك، من الواضح أنّ العرب عموماً، والأقطار المحيطة بالكيان الصهيوني خصوصاً، تواجه تحديات ومخاطر شتى في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور ما يستوجب إيلاء أهمية مضاعفة لمخاطر الذكاء الاصطناعي لكون العدو متقدّماً علينا في هذا المجال من جهة، ومن جهة أخرى لكونه لا يتورّع عن استخدام أفتك أنواع الأسلحة ضدّ كلّ دولة أو جماعة أو مقاومة يعتبرها خطراً عليه. وليس أدلّ على ذلك من التدابير البالغة الوحشية التي تعتمدها حكومة نتنياهو اليمينية العنصرية الفاشية ضد الشعب الفلسطيني على كامل مساحة وطنه المحتلّ من البحر إلى النهر.
قيل إنّ الحكم هو القدرة على الاستشراف، أيّ استشراف ما يمكن أن يواجه الشعب من تحدّيات ومصاعب ومشاكل ومخاطر في المستقبل بغية تأمين الاستعداد لمواجهتها ومعالجتها وإيجاد حلول ناجعة لها او الاضطرار إلى إقصاء العوامل والجماعات التي تقوم بتوليدها وتهديد الغير بها.
إننا في قلب كلّ أنواع المخاطر وأشدّها هولاً، ولا سبيل أمامنا إلاّ التصدي والمواجهة قبل فوات الأوان.
*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى