أولى

مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي حقّ كفله القانون الدولي والإنساني

‭}‬ سارة طالب السهيل
انفطر قلبي وتمزقت روحي أشلاء من مشاهد الجرائم الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبنا الفلسطيني في غزة المحاصرة، وكلّ شريف في العالم وفي قلبه ذرة من إنسانية أياً كانت ديانته أو ثقافته أو توجهه الفكري لا يستطيع الاستمرار في مشاهدة المجازر الوحشية الإسرائيلية بحق الأطفال الرضع والأمهات الثكالى للأزواج والأبناء والبيوت التي تهدّمت والأجساد المتفحّمة.
لا أستطيع نسيان مشهد جنين في بطن أمه يسلم من الوحشية الإسرائيلية، فخرج لحظة قصف عشوائي شهيداً قبل أن يرى نور الحياة، ناهيك عن قطع المياه والكهرباء ومنع الدواء وفرض الحصار ومنع دخول المساعدات الغذائيـــة والطبية.
ومع كلّ هذه المجازر التي رآها العالم، فإنّ رموز بعض القوى الدولية تطالب بقتل شعب غزة وإبادته ووصفه بالإرهابي لأنه طبقاً لما كفله له القانون الدولي والإنساني مقاومة الاحتلال والتحرر من ربقته وإنقاذ أبنائه من السجون الإسرائيلية.
إنّ قرار الأمم المتــحدة رقم 181 لتقسيــم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية عام 1947، الذي فرض علينا، قد ضمن إقامة دولة يهودية على مساحة 54%، له و عربية على مساحة تقدر 44%، فيما وضعت مدينتا القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية لأسباب دينية.
ورغم أنه تقسيم غير عادل منذ البداية، فإنّ الأمم المتحدة لم تستطع حماية الحقّ الفلسطيني حتى في المساحة التي حدّدتها، والقانون الدولي لم يحم الفلسطينين تحت الاحتلال من جرائم الحرب التي ترتكبها «إسرائيل»، بل إنّ المجتمع الدولي الذي يتشدّق بالحقوق والحريات، قد تكتّل ضدّ الشعب الفلسطيني عام 2012، ومنعه من حقه في الحصول على صفة مراقب عبـــر تصويت مخجل في الأمم المتحدة، تحوّلت فلسطين إلى شبه دولة تحت الاحتلال.
وعجزت نصوص القانون الدولي العام والإنساني في حماية المرأة والطفل والمواطن المدني في الأمان والمسكن ودور العبادة، بفعل استمرار جرائم الاستيطان والتهجير القسري والاعتقالات للفلسطينيين والحروب المستمرة في مناطق مختلفة من فلسطين، وعلى رأسها غزة المحاصرة.
إنّ شعبنا الفلسطيني في غزة يتعرّض لأبشع أنواع الجرائم التي تكاد تصل إلى مستوى التطهير العرقي، وهو ما يعطيه القانون الدولي حقّ الدفاع عن نفسه بكافة الوسائل.
فقد كفلت اتفاقية لاهاي عام 1907 تنظيم عمل حركات المقاومة، وتنص على أن يكون لها رئيس وشعار، وأن تحمل السلاح علناً، وتتقيّد بأعراف وقوانين الحرب.
وأعطى القرار الأممي رقم 3236 الصادر بتاريخ 1974 للشعب الفلسطيني الحق في استخدام كافة الوسائل لنيل حريته المتاحة بما فيها الكفاح المسلح، ويسري ذلك على قطاع غزة وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة.
إنّ أطفال غزة يواجهون صنوفاً عدة من الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة التي تنال من حقوقهم الأساسية كأطفال، فالكثير منهم رهن الاعتقال، والخوف من هجوم إسرائيلي مباغت على قراه، وبعضهم لا يجد علاجاً كافياً أو مسكناً آمناً أو تعليماً كافياً أو طعاماً وافياً أو ماء او كهرباء، بل إنّ الكثير منهم راح ضحية الاعتداءات الغاشمة على مساكنهم، وفقدوا الحق في الحياة على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، بمـا يخالف حقوق الطفل في القانون الدولي والإنساني العام.
وأطفال غزة بصفة خاصة حُرموا من البيئة الآمنة لنشأتهم نتيجة الحصار واستمراره 17 عاماً، وشهدت خلالها أربعة حروب عدائية إسرائيلية على غزة جعلت الأطفال يشعرون بخوف دائم.
ورغم أنّ اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 توفر حماية خاصة لصالح الأطفال خلال النزاعات المسلحة بصفتهم مدنيين تشمل هذه الحقوق توفير الغذاء والرعاية الصحية والتعليم في مناطق النزاع، ومعظم هذه الحقوق يُحرم منها الطفل الفلسطيني تحت سمع العالم وبصره.
فهم يعيشون في خوف دائم وحرمان من الحلم والأمل في المستقبل حتى تعليمهم وطموحهم المهني مرهون بالأوضاع السياسية والأمنية.
فهم يكبرون قبل أوانهم ويشيخون أطفالاً، وكما قال أحد أطفال غزة «نحن أطفال غزة لا نكبر لأننا نموت أطفالاً تحت القصف والقتل والاعتداء والاعتقال»، ولم يسلم من هذه الحرب الشعواء الظالمة إنسان ولا حيوان ولا شجرة ولا ثمرة.
أين مدّعو الإنسانية والمدافعون عن حقوق الطفل وحقوق المرأة؟
وأين المتابعون للبيئة من الانتهاكات التي طالت الأرض والتربة والشجر، وقتلت حتى الحيوانات والطيور؟
كذلك تدفع المرأة الفلسطينية ثمناً باهظاً تحت سطوة الاحتلال الإسرائيلي من أمنها وسلامتها وصحتها وفقاً لقرار مجلس الأمن 1325 الخاص بتعزيز دور المرأة في تحقيق الأمن والسلام في العالم، وهذا لا يتحقق دون تمتع المرأة بالاستقرار في بيتها ورعايتها صحياً وتعليمياً، غير ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تجرّد المرأة الفلسطينية من هذه الحقوق فتهجّر، وتنقل قسرياً من موطنها، وذلك بالمخالفـــــــة للمادة 9 مـن قرار مجلس الأمن واتفاقية جنيف الخاصة بالمدنيين في أثناء الصراعات المسلحة.
وأيضاً المادة (11) من القرار التي تصنف التهجير القسري جريمة ضدّ الإنسانية، فإنّ المرأة الفلسطينية تعرّضت لهذه الجريمة التي توجب المحاسبة الدولية لإسرائيل على جرائمها.
المرأة الفلسطينية التي تعاني من الاحتلال والاعتقال واعتقال الأبناء وترويعها في منزلها وتفتيش المنازل الخاصة دون مراعاة الخصوصية والأمان والراحة النفسية.
هذه المرأة الصامدة انْ لم تمت وهي مدافعة عن بيت أجدادها، مات ولدها شهيداً أمام عينيها! وهي ممنوعة من البكاء او الشكوى!
ينتهج الاحتلال الإسرائيلي نظاماً قمعياً ينتهك فيه كافة الحقوق الدولية المشروعة للإنسان في فلسطين المحتلة من قتل وتدمير المنازل في جرائم حرب بحق مدنيين عزل، وقمع حرية الفلسطينيين في تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها.
وتفرض «إسرائيل» إجراءات الإغلاق والقيود التعسفية على حرية التنقل، والمبالغة في احتجـــــاز الفلسطينيين رهن الاعتقال الإداري لأكثر من 14 عاماً، واستمـرار التعذيب، وفرض قيود على حقّ الفلسطينيين في العمل، والتوسع في الاستيطان وضمّ الأراضي الفلسطينية بالقوة الغاشمة.
صحيح أنّ لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية تعتبر احتلال الأراضي الفلسطينية غير قانوني، فإنّ القانون الدولــــــي والإنساني كفل للفلسطينيين حقوقاً أخرى كثيرة كحق المسكن اللائق والأمن والعمل والتعليم، وبينما لم يستفد الفلسطينيون من هذه الحقوق الدولية شيئاً، ظلت «إسرائيل» تنعم بالإفلات من العقاب بدعم حلفائها الدوليين.
أما اليوم، وبعد ثبوت جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين بغزة، فلا بدّ أن يتوقف المجتمع الدولي عن سياسة الانتصار للمعتدي على حساب الضحية، والتوقف الفوري عن اتهام شعب واقع تحت الاحتلال بالإرهاب، وهو يدافع عن حقه الإنساني والقانوني والدولي في التحرر والدفاع عن نفسه وأرضه وحقه في الحياة، وعلى واضعي القانون الدولي أو حقوق الإنسان أن يجعله محلاً للإعراب ومتحققاً على أرض الواقع بدلاً من أن تكون نصوصاً قانونية لا تستحق ثمن الحبر الذي كتبت فيه.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى