أولى

كيف نتأكد أنّ غزة انتصرت؟

‭}‬ د. معن الجربا*
يدور جدل فكري وإعلامي كبير حول عملية طوفان الأقصى، وهل فعلاً غزة تنتصر او العكس، وهل من حق المقاومة الفلسطينية ان تبدأ هي الهجوم على الكيان المحتل ام لا؟
كثير من المفكرين المخلصين لدينهم وأمتهم ولمبادئهم الإنسانية والأخلاقية ذكروا كثيراً من النتائج التي تثبت انتصار غزة في هذه العملية، وهذه الآراء عميقة جداً وتثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأنّ غزة فعلاً تنتصر، ولكن من وجهة نظري انّ الكثير منهم أغفلوا نقطة مهمة جداً، وهذه النقطة تعتبر هي وحدها كافية لكي نقول بكلّ ثقة انّ غزة تنتصر فعلاً بغضّ النظر عن كلّ ما أثبته المفكرون العرب والمسلمون والأجانب.
هذه النقطة بكلّ بساطة وبديهية هي انّ غزة اليوم تواجه وحدها وأمام العالم كله أكبر دول العالم العظمى سلاحاً واقتصاداً ونفوذاً وإعلاماً وتكنولوجيا، من أميركان وأوروبيين وحلف ناتو والذين تدخلوا بشكل شبة مباشر بالمعركة بعد ان أيقنوا ان إسرائيل في ورطة كبيرة بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى، ورطة وجودية لم تتعرّض لها إسرائيل منذ نشأتها.
لك ان تتصوّر انّ قطعة أرض تبلغ مساحتها 378 كلم مربع فقط، يعيش بها حوالي مليوني شخص، تقع تحت حصار من كلّ الجهات منذ زمن طويل، تواجه العالم المتقدم كله بكلّ ترسانته العسكرية والاقتصادية والإعلامية، لتبعث للعالم بأسره رسالة أمل وتفاؤل ان مقاومة الظلم الذي يحكم العالم اليوم والذي ضجت الناس منه في كلّ بقاع الأرض أصبح ممكناً جداً وواقعياً جداً وليس خيالاً او احلاماً، هذا الدرس وهذا الأمل الذي تعطيه غزة لشعوب العالم المستضعفة هو اكبر انتصار وأكبر إنجاز تحققة المقاومة الفلسطينية حتى الآن للبشرية. وهذا من وجهة نظري كافٍ لكي نقول ان غزة تنتصر فعلاً.
فما بالك اذا أضفنا الى هذا الإنجاز الذي حققته غزة إنجازات أخرى على أرض الميدان والواقع، حيث نوّه كثيرٌ من الكتاب والباحثين الى هذه النتائج المهمة حتى الآن، فأكثر من 1500 قتيل صهيوني، أكثر من 5000 جريح، أكثر من 250 أسير بينهم ما لا يقلّ عن 50 ضابط، الشيكل فقد أكثر من 30% من قيمته، السياحة تدمّرت لسنين مقبلة في إسرائيل، عسقلان وسديروت وكثير من المستوطنات تمّ إخلاؤها وعدد سكانها لا يقلّ عن 68 ألف مستعمر وأكثر، الهزيمة النفسية التي تعرّضت لها إسرائيل وخصوصاً جيشها، عودة القضية الفلسطينية الى صدارة قضايا العالم، عودة الروح في الشعوب العربية والإسلامية وكذلك أحرار العالم، ظهور وجه إسرائيل البشع لكلّ العالم برغم التضليل الإعلامي الممنهج، تعاطف شعوب العالم مع القضية الفلسطينية بشكل ليس له مثيل سابقاً، البعد الدولي ينقلب لصالح فلسطين فمقابل كل فيتو امريكي لضمان عدم ادانة اسرائيل تستخدم روسيا الفيتو لعدم إدانة حماس، وقف قطار التطبيع المجاني بين اسرائيل والعرب.
كلّ هذا يجعلنا نقول بثقة انّ غزة تنتصر فعلاً بفضل الله تعالى ثم جهود المقاومين الفلسطينيين ومحور المقاومة من سورية الى لبنان والعراق واليمن وصولاً الى إيران وكلّ الدول العربية والإسلامية التي دعمت هذا المحور، فهذه النتائج لم تتحقق أبداً في أيّ معارك سابقة ضدّ هذا الكيان حتى الحروب التي خاضتها دولٌ وليس فصائل مقاومة فقط.
لكن من الغريب ان تخرج لنا أصواتٌ وقحة تحمّل حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة مسؤولية انها هي التي بدأت الهجوم على الكيان المحتلّ، متناسين انّ كلّ الشرائع الإنسانية والقوانين الدولية تعطي الحق لأيّ شعب احتلت أرضه ان يقاوم ويهاجم العدو المحتلّ، متناسين الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى والعمل على هدمه وتحذيرات المقاومة المتكررة لهم، متناسين ضرب إسرائيل عرض الحائط لكلّ القرارات الدولية التي تدين احتلالهم وجرائمهم في الأراضي الفلسطينية وقتل آلاف النساء والأطفال والشيوخ خلال السنوات الماضية، متناسين انّ غزة تحت الحصار منذ زمن طويل وتعيش الموت البطيء كلّ يوم دون ان تتدخل ايّ جهة دولية او إقليمية لإنقاذهم، متناسين انّ أهل غزة وصلوا إلى مرحلة تساوت عندهم فرص الحياة والموت بسبب تجاهل العالم لمأساتهم وحصارهم، متناسين انّ الثمن الذي تدفعه غزة الآن سوف تدفع أضعاف أضعافه إذا استمرّ هذا الحصار لسنين مقبلة، متناسين خطط العدو للقضاء عليهم بشكل كامل متى سنحت الفرصة وأنّ خير وسيلة للدفاع الهجوم، متناسين انّ التحرير له ثمن لا بدّ أن يدفع، واخيراً وهذا الأهمّ أنهم يتناسون انّ أهل غزة لم يشتكوا لأحد منهم بل هم صابرون صبر المؤمنين الموقنين بالنصر مع مقاومتهم حتى تحرير فلسطين ومقدساتها بتوفيق الله تعالى.

*باحث سعودي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى