أخيرة

دبوس

الإعلام المأفون المداهن

منذ ان قدمت الى هذا البلد، أدركت الكيفية التي يتعامل بها الإعلام الأميركي مع السرديّة، كنت حينما أقود سيارتي وأدير المذياع إلى محطة إخبارية تدعى KYW، وهي محطة إذاعية تتعاون مع CNN، كان هنالك دائماً اجتزاء للحقيقة بصورة متعمّدة خبيثة كيما نبدو نحن العرب أو الفلسطينيين الطرف السيّئ العدواني، بينما «إسرائيل» هي الطرف المعتدى عليه والذي يمارس حقه المشروع في الدفاع عن النفس!
تفاقم هذا الوضع خاصة بعد الانسحاب «الإسرائيلي» من غزة مرغماً، وبدأت تطرأ من وقت لآخر مناوشات، ثم تطوّر بعد ذلك الى جولات من القتال، الذي كان يمتدّ أحياناً لأيام، كانت السردية التي ينتهجها هذا الإعلام المغرض هي أنّ «إسرائيل» على سبيل التمثيل لا الحصر، قامت بقصف غزة ومهاجمة بعض الأماكن التي يتواجد فيها «الإرهابيون»، وذلك رداً على قيام هؤلاء «الإرهابيين» بإطلاق قذائف كاتيوشا على مستوطنات «إسرائيلية»…
فالسردية إذن، تقول إنّ هؤلاء «الإرهابيين الفلسطينيين» قاموا بإطلاق القذائف هكذا وبدون سابق إنذار، وبسبب طبيعتهم العدوانية الإرهابية، فقامت من ثم «إسرائيل»، الدولة «المسالمة المعتدى عليها»، بالردّ، وذلك بتوجيه ضربات جوية إلى معاقل معينة في القطاع!
في واقع الحال يكون تسلسل الأحداث كالتالي، قبل ان يقوم الفلسطينيون بإطلاق قذائف الكاتيوشا باتجاه الأراضي المحتلة عام 1948»، تكون «إسرائيل» قد قامت بعملية اغتيال او اعتداء ترتب عليه استشهاد بعض الفلسطينيين، مما اضطر الفصائل الى الردّ على هذا العدوان، فتقوم «إسرائيل» بعد ذلك بقصف همجي على القطاع…
لا يؤتى على ذكر العدوان «الإسرائيلي» المتمثل بالاغتيال أو القصف الدموي الذي قامت به «إسرائيل» بتاتاً، حتى تبدو الأحداث وكأنها بدأت بـ «عدوان» فلسطيني، قامت «إسرائيل» بالردّ عليه، فتبدو «إسرائيل» بصورة «المعتدى عليها» دائماً، والتي لا تردّ إلّا دفاعاً عن النفس…!
الأامر نفسه حدث في طوفان الأقصى، لا يؤتى على ذكر انّ القطاع محاصر حتى الموت منذ 17 عاماً، وأنّ الناس في القطاع هم في أكبر سجن في العالم، وهم محرومون من أدنى مقوّمات الحياة، وانّ الطوفان كان ردّاً على هذا التوحّش، بل لا يؤتى على ذكر الاحتلال والترويع والإذلال والتنكيل الذي يتعرّض له شعبنا منذ عقود، والقرارات الدولية المتكدّسة على رفوف الأمم المتحدة، والتي تدعو الى إنهاء الاحتلال، وعودة اللاجئين، والتي لا ينفّذ منها أيّ شيء، وأنّ مقاومة الاحتلال هي حق مشروع للشعوب، لا يؤتى على ذكر أيّ شيء من هذا، الأحداث بدأت فقط منذ أن قامت حماس بالهجوم في السابع من أكتوبر، وبدون أيّ سبب، وبدون أيّ استفزاز، هكذا يروّج هذا الإعلام القاتل لسرديّته القاتلة…

سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى