أولى

لبنان أمام الامتحان

 بشارة مرهج*

ثمة من يقلل من خطر «إسرائيل» ويدعو للتعامل معها كدولة جارة والكفّ عن التخوّف من خطرها أو اعتبارها عدواً للبنان رغم أنها منذ تأسيسها لم تقم تجاه لبنان بايّ عمل إيجابي، إنما قامت بقضم أراضيه الخصبة الغنية بالمياه وشنت عليه الحروب المتتالية التي دمرت بنيته التحتية وعمرانه وطيرانه المدني واحتلت قسماً من أراضيه لمدة 25 سنة وحوّلت بعض مواقعه الى مواقع مجازر (بليدا، المنصوري، قانا، صبرا وشاتيلا) ومعسكرات اعتقال مرعبة (انصار، الخيام) دونما اكتراث لسيادة لبنان أو القرارات الدولية التي تلزمها الانسحاب من أراضيه التي لا يزال قسم غال منها تحت الاحتلال الى اليوم مثل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر والنخيلة وسواها وكلها غنية بأهلها ومائها وترابها. الى ذلك فهي اليوم تصرّ على توطين اللاجئين الفلسطينيين وترفض علناً قرارات محكمة العدل الدولية وتحتقر قرارات مجلس الأمن الدولي والهيئة العامة للأمم المتحدة، فضلاً عن قرارات وتقارير الهيئات الدولية المتعددة التي تطالبها التقيّد بالاعتبارات الإنسانية التي تحرّم قتل الأطفال والأمهات والمدنيين. ثم هي تقوم أمام العالم اليوم بارتكاب المجزرة تلو المجزرة ضدّ أهل غزة والشعب الفلسطيني كله محاولة تهجير القسم الأكبر منه الى مصر والأردن وسورية ولبنان، ومع ذلك يريد الغرب الذي ساهم بتأسيس هذه الدولة القائمة على الغزو والاغتصاب، يريد منا ان نطبّع العلاقات معها ونقبل بشروطها ونتخلى عن حقوقنا وهي بالنسبة لنا أمانات… بعبارة أخرى يريد منا الغرب ان نستسلم لإرادته وإرادة بن كفير تحت عنوان الوعود الوهمية والتعهّدات السياسية التي لم تصمد يوماً أمام الواقع وحركة «إسرائيل» العدوانية على الأرض. انه يعتقد مع أعوانه انّ اللبنانيين ساذجون ويرضخون لهذه المعادلات مع تشديد الحصار والغارات عليهم، لكن اللبنانيين بعد كلّ التجارب المرة التي خاضوها بوجه «إسرائيل» وخداعها باتوا يدركون انّ حماية بلدهم يجب ان تنبع من ذاتهم، من جيشهم الوطني، من مقاومتهم الباسلة، ومن معادلاتهم الذهبية كما من التعاون مع الأشقاء والأصدقاء المخلصين الذين لا يبدّلون مواقفهم تحت جنح الظلام.
فإذا كانت «إسرائيل» تشطب بالسلاح تعهّداتها تجاه مصر والأردن وسائر الدول والقرارات الدولية فكيف يطلب منا ان نرهن وجودنا بمزاج قادة ومستوطنين لا يقيمون وزناً لقانون أو حق أو عهد. حان الوقت للمجتمع الدولي ان يكفّ هو عن الضغط علينا في الوقت الذي يرضخ فيه للشروط الصهيونية وسخط المستوطنين القادمين الى بلادنا من مختلف اصقاع الأرض.
انّ من لا يستفيد من تجاربه السابقة يمشي بقدميه نحو الهاوية والخسران. ولبنان رغم النوائب التي نزلت به ومن بينها رعونة أهل السلطة والمال ليس مستعداً الآن أو غداً ان يقع في الفخ الأميركي الصهيوني الذي يتكرّر عقداً بعد عقد.

*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى