السعودية و«إسرائيل»: شراكة في الفشل والهزائم…
محمد شادي توتونجي
بعد أن شعر بنو سعود بالهزيمة الإدراكية المحققة وبأنها على شفير مشارط التقسيم وسكاكينه، وبعدما دفعوا بكلّ أوراق التوحش والإرهاب والإجرام في الكون لتدمير المنطقة المحيطة بالأمن القومي الصهيوني تحديداً من إيران إلى العراق فسورية ولبنان إلى مصر، وأدركت هي والكيان الصهيوني أنّ ما بعد «حرب تموز المباركة» وإنجاز الاتفاق النووي مع إيران بالرغم من كلّ المليارات التي أنفقها أمراء بني سعود لعرقلة إنجازه، وبالرغم من كلّ ضغوط اللوبي الصهيوني لمنعه، وشعروا بالتخلي الأميركي الكبير عنهم وبداية تحوّل إدارة ملفات المنطقة إلى إيران النووية، وسورية التي بدأت ببناء قوس انتصار الأسد بحلفائه، كان لا بدّ لهما السعودية والكيان الصهيوني من إعلان زواجهما العرفي لإشهار نسب «مولود سفاح القربى بين الكيانين» عن طريق تثبيته عبر أجهزة المخابرات بين الكيانين.
فكلا الكيانين قد هزم في كلّ معاركه لإنجاز المشروع الأكبر والأهمّ في المنطقة والعالم، ألا وهو إعلان «يهودية الدولة» الأمر الذي يتطلب لزاماً إنشاء كيانات محاددة له ذات صبغة دينية وعرقية واحدة، ليتمكن الكيان الصهيوني من إعلان يهودية الدولة بحجة أنه يحافظ على أمنه القومي من تلك الكيانات العرقية والطائفية له ولكي يتمكن من حماية وجوده، فتمّ العمل على إنشاء تلك المجموعات الإرهابية المتوحشة الوهابية لتفتيت هذه الدول عبر استخدام الدين لإثارة الفتن الطائفية أولاً وإشعال الحروب المذهبية ثانياً، إضافة إلى اللجوء للحروب القومية مثلما فعلت تركيا مع الأكراد، والتي تشعل يومياً حرباً عرقية معهم بهدف منع تشكل كيان كردي، ولكن لا بدّ لنا من الإدراك أنّ هذا الأمر هو ما يشكل الدافع الأكبر لتشكيل هذا الكيان، على عكس اللعبة التي تقودها أجهزة المخابرات العثمانية والصهوينة والسعودية ووسائلهم الإعلامية بالتلاعب بعقول العالم، إذ أنّ أهمّ ما تقوم عليه هذه اللعبة الاستخبارية أن تكون هذه الكانتونات صغيرة ومفتتة وضعيفة بما يكفي، ومقتتلة في ما بينها لتكون مرجعيتها جميعاً عند الكيان الصهيوني الذي أنشِئ ليكون الأقوى بين تلك الكيانات الصافية المذهب أو القومية فيكون المرجع والسند للجميع، ويكون هو الحاكم والحامي المطلق في المنطقة.
ولذلك فإنّ قبيلة آل سعود هذه أصبحت مضطرة عبر صحفها الصفراء وأقلامها المستأجرة أن تروّج للمجاهرة بإعلان التطبيع مع «إسرائيل» وبدأت بتمرير الرسائل بقول رئيس استخباراتها السابق إنّ التحالف مع «إسرائيل» هو أمر ضروري لمواجهة «المدّ الإيراني»، واستعملت بعده أحد الضباط السابقين الرفيعي المستوى من مرتبة لواء متقاعد بزيارات تطبيعية علنية للقاء رجال استخبارات الكيان الصهيوني، والذي اختتم زيارته للأرض المحتلة الفلسطينية بإعلانه عن تشكيل مجموعة «واتس أب» مع تلك القيادات وأكد على دعوتهم لزيارة عاصمة كيان آل سعود.
وبالمناسبة منذ مدة ليست بالقصيرة يتمّ ترويج وتعميم هذه الثقافة بين أبناء مملكة الرمال عبر استفتاءات إذاعية لإعلاميين شباب صنعتهم المخابرات السعودية عن أهمّ اللغات التي يرغب الشباب السعودي بتعلمها وكانت معظم الإجابات «العبرية»، وكان يتمّ هذا الموضوع بشكل متناسق ومتدحرج على مبدأ دمج الثقافات لفتح الباب على إنه مطلب شعبي وعرضت على صفحات التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية صور مشتركة لوفود طلابية صهيونية مع مجموعة طلاب سعوديين.
وتجدر الإشارة إلى أنّ المعلومات المؤكدة عن تعديلات المناهج الدراسية في مضارب آل سعود وبعد التعديل الذي فرضته أميركا منذ سنوات على حذف آيات الجهاد والآيات التي يذكر فيها بني إسرائيل واليهود وجرائمهم من المناهج السعودية، فإنّ التعديلات الجديدة فرضت عدم التطرّق للقضية الفلسطينية أصلاً تحاشياً لاضطرار واضعي المناهج لاستخدام مصطلح الأراضي المحتلة توثيقاً للوثيقة التي وقعها عبد العزيز آل سعود المعروف بـ«الملك المؤسس»، والتي أقرّ فيها بأنه لا يمانع من منح أراضي فلسطين كوطن بديل لـ«اليهود المساكين»، والتي يتنازل فيها عن هوية فلسطين المقدسة للصهاينة، وهذا هو المحتوى الحقيقي أيضاً لما سمّي «مبادرة الأمير عبد الله» التي تنصّ على التنازلات المطلقة للصهاينة مقابل السلام.
وبالمناسبة فإنّ سياسة إلغاء الهويات والانتماءات ليست بالجديدة على ابن سعود وأحفاده، فابن سعود أقام مملكته على مبدأ إلغاء هوية كلّ سكان جزيرة العرب، ومنحهم التابعية السعودية نسبة إلى اسم قبيلته، وهذا ما تقوم به السعودية في البحرين اليوم من سياسات إسقاط هوية وجنسية كلّ المعارضين لنظام أزلامهم في البحرين، وكان آخر جرائم سياستهم هذه هي الجريمة التي يعدّون العدة لها بترحيل ونفي الشيخ عيسى قاسم بعد ما أصدرت سلطات آل خليفة قراراً يقضي بإسقاط جنسيته على غرار ما يحدث في مضارب آل سعود.
وكانت على نفس تلك الإذاعات وما زالت تدسّ شيوخاً يفتون بعدم محاربة الكيان الصهيوني وأولوية محاربة «التمدّد الشيعي الصفوي الفارسي» حسب تعبيرهم، وبأنّ «إسرائيل» ليست دولة عدوة وإنّ الخطر على العرب هو الخطر الفارسي، وكان وما زال اللعب على تغيير وجهة العداء من تل أبيب إلى طهران هو شغلهم اليومي الشاغل.
هذا التخبّط السعودي، أدّى إلى عجز في الميزانية السعودية إلى ما يزيد عن 94 مليار دولار، نتيجة تخفيض أسعار النفط لمحاربة القيصر الروسي والجمهورية الإسلامية الإيرانية، فضلاً عن الأموال الطائلة التي يدفعها آل سعود في حربهم على سورية من تسليح للمجاميع التكفيرية المجرمة، والأموال التي تدفعها لاستئجار جيوش الانحطاط العربي من السودان وباقي مضارب الخليج العربي، إضافة إلى الأثمان الباهظة التي تدفعها لاستئجار مرتزقة «بلاك ووتر» وإرهابيّي القاعدة لحربها في اليمن.
كما تدفع أثماناً كبيرة للصحف الصفراء والقنوات التلفزيونية لإعلاميّي آخر الشهر، وشراء أصوات بعض المسؤولين من النواب والوزراء في بعض الدول العربية لضرب السلم الأهلي فيها وإسقاط أيّ مشروع لتحقيق الأمن والاستقرار في تلك الدول، وإفشال كلّ محاولة لفك العقد السياسية العالقة.
وكلّ هذا الفشل في سياستها الخارجية والداخلية التي يقودها محمد بن سلمان، ترافقه الأفخاخ التي تنصب داخلياً بسبب خلافات داخل العائلة الحاكمة، حيث يلاحظ وبشكل واضح للعيان ابتعاد محمد بن نايف عن الواجهة، وترك بن سلمان ليصدم رأسه بالجدار، في الوقت الذي يفخخ فيه بن نايف الوضع داخلياً كونه ممسكا بالملف الأمني حسب منصبه كوزير داخلية، وابتعاد القوة الضاربة في ما يسمّى جيش آل سعود من «الحرس الوطني السعودي» بقيادة متعب بن عبدالله عن الحرب في اليمن وترك بن سلمان مجدّداً يغرق في المستنقع اليمني.
كلّ هذا دفع ببعض الأمراء إلى التحذير من أنّ العائلة تواجه خطر الزوال والرحيل، فلقد قال الأمير سعود بن سيف الإسلام على «تويتر» موجهاً حديثه إلى أمراء آل سعود من دون أن يسمّيهم: «وكأنّ التاريخ يعيد نفسه، استمرار التعنّت والغفلة والتخلي عن المسؤولية وتجاهل خطورة الوضع سيؤدّي الى كارثة وكأنهم غافلون عن التحذير».
كما قال الأمير خالد بن طلال شقيق الملياردير الوليد في تغريدة على تويتر: «يقول عضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة، أنّ الحكومة هي معلم الأمة، وعندما تخرق القانون، فإنها تؤسّس لنموذج يستدعي المحاكاة ويؤدّي إلى الفوضى والانهيار السياسي».
كذلك التململ الغربي غير المسبوق في كبريات الصحف والدراسات الغربية والأميركية التي فحواها: أنّ النظام السعودي نظام مُتخلف وينتمي للقرون الوسطى، لا ديمقراطية ولا أحزاب ولا حقوق إنسان، وحاضن للإرهاب فكراً وتمويلاً، ويقوم بجرائم حرب لا يمكن السكوت عنها وقد أصبح عبئاً على الليبرالية الغربية، وحان الوقت لاغتياله بديمقراطية الطوائف كالنموذجين العراقي واللبناني وبطابع جمهوري.
ومثل هذا الكلام الذي لم يكن معتاداً، بل كان حتى ممنوعاً إشاعته في الغرب الأوروبي الأميركي «الديمقراطي» عن تلك العائلة بسبب ترابط المصالح الاقتصادية بها أصبح اليوم يتنامى ويكبر وبالفم الملآن، وهذا كله لا يمكن أن يصدر إلا بأوامر عليا لتلك الصحف وبداية رفع الغطاء عن عورة الطغمة الحاكمة في شبه جزيرة العرب.
كما أنّ تلك العائلة تؤكد ترابطها العضوي والوجودي بالكيان الصهيوني بما تقوم به من محاولات لتغيير معالم المدن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة بطمر مقدسات المسلمين فيها، وإزالة المعالم النبوية فيها، من طمر بيت النبوة ونبش قبور الصحابة في المدينة المنورة، كما توجه ذراعها الإرهابي لعمل ذلك في سورية والعراق من هدم للمساجد والكنائس ونسف القبور وتدمير كلّ معالم الحضارات الإنسانية إلا ما تبقى من حصن خيبر فهو مكان ممنوع اللمس والاقتراب في شبه جزيرة العرب، هذه الأفعال كلها تؤكد ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون بأنّ ازدهار أو عمران أورشليم القدس يقابله خراب مكة والمدينة .
ولهذا كنا وما زلنا نؤكد بأنّ فتح القدس يمرّ حتماً من فتح مكة والمدينة، ولا بدّ من تحرير مكة والمدينة من تلك الطغمة الحاكمة في شبه جزيرة العرب لقطع الذراع الصهيونية الوهابية في العالم والمنطقة، ويصبح الطريق سالكاً لفتح القدس وتحريرها من الصهاينة المجرمين، ولتجفيف منابع تمويل الإرهابيين في الأرض، والقضاء على بذرة الفكر الصهيو وهابي الذي يعيث فساداً وإجراماً في المنطقة.
ولذلك فإننا نؤكد على أنّ الحروب تفشل بسقوط أهدافها، فآل سعود والصهاينة ومن خلفهم من الأعراب لم يستطيعوا إيجاد موطئ قدم لهم على أراضي اليمن، بل أصبحت معركة حزم آل سعود اليوم وبالاً عليهم، وهم يحاولون الحفاظ على حدودهم واستعادة ما فقدوه منها مع اليمن، وما خسروه من ولاء بعض العشائر والقبائل الحدودية التي أعلن بعضها شقّ عصا الطاعة والولاء لآل سعود، كما خسروا حربهم في البحرين وأصبحوا يُستنزفون فيها يومياً فلا خمد الحراك الشعبي السلمي لأهل البحرين المظلومين، وتعرّى نظام آل خليفة وفقد توازنه تماماً، وبدأ يتحرّر القرار الكويتي من التبعية لآل سعود، وبدأت الإمارات بالحوار مع إيران بشكل علني، وهم خاسرون أصلاً في سلطنة عُمان، والأهم هو صفارات إنذار الإرهاب والتخريب التي بدأت تدوّي في سماء المملكة، وآل سعود أنفسهم أدركوا أنّ الوحش الذي استخدموه قد شق الطاعة، وأنّ البيئة الحاضنة لهذا الوحش التكفيري الإرهابي هي الأكثر خصوبة في العالم، وأنه إذا ما ابتدأت جذوة نار الإرهاب في رمالهم فإنها لن تنطفئ أبداً، لأنهم هم من زرعوا بذارها في أرضهم وجعلوا من شعبهم أكبر بيئة حاضنة لهذا الفكر الوهابي التكفيري المجرم.
الأهمّ من كلّ ذلك أنهم خسروا حربهم الكبرى في سورية وعلقوا في منتصف المئذنة وأدركوا أنه الوحيد الذي يستطيع أن ينصب لهم سلالم النزول هو سيد قصر المهاجرين في دمشق الرئيس بشار الأسد.
مما سبق نجد أنّ كلّ الحروب التي شنّت في المنطقة لتفتيت محور المقاومة كرمى لعيون اللقيطة «إسرائيل» قد سقطت بسقوط أهدافها، وقد آن الأوان للتسويات بعد أن ضرب الإرهاب في أوروبا التي حذرها الرئيس الأسد كثيراً بأنّ من يضع العقرب في جيبه سينال حكماً من لسعه وسمه، وبأنّ كرة الإرهاب سترتدّ على أصحابها، وفي لحظة التسويات الكبرى لا ينال الخاسرون والفاشلون إلا الخزي والرضا بالتحجيم.