القرار الأممي 2334… حتى لا نغرق في التفاؤل
راسم عبيدات ـ القدس المحتلّة
نعم، مثل هذا القرار لم يُتّخذ منذ 35 عاماً حيث كان هناك قراراً شبيهاً، ولكن ليس بنفس المضامين في 1/3/1980، ففيه تعبير عن الاستنكار والاستياء من دعم الحكومة الصهيونية للأنشطة الاستيطانيّة وتأثيراتها على السكّان المحتلّين. أمّا القرار الذي اتّخذه مجلس الأمن الدولي بموافقة 14 دولة وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، فهو يؤكّد على أنّه لا أساس قانوني للاستيطان، وعدم شرعية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، ودعوة حكومة الاحتلال إلى وقف كافّة أنشطتها الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، وعدم جواز تغيّر الوضع القائم إلّا بموافقة الطرفين، فهذا القرار شكّل انتصاراً للحقّ والعدل والمظلوميّة ولقضيّتنا الفلسطينية، وهو أيضاً شكّل نصراً وصفعة لدولة الاحتلال ولكلّ الطغاة المشوّهين للقانون الدوليّ والعدالة، والمتنكّرين والرافضين دوماً لقرارات الشرعيّة الدوليّة، والعاملين على تكريس الاستيطان ونهب وسرقة الأراضي الفلسطينية… ولكن هذا القرار المهم، والذي شكّل كما هو قرار «اليونسكو» منظمة التربية والثقافة والعلوم في تشرين أول الماضي باعتبار المسجد الأقصى مكاناً مقدّساً للمسلمين دون غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، وبأنّه مَعْلَم تاريخيّ وتراثيّ ودينيّ وحضاريّ إسلامي، ونفى الصِّلة ما بين الأقصى «الهيكل المزعوم» وبين اليهودية على المستوى الديني التلمودي التوراتي وعلى المستوى السياسي، هذين القرارين وغيرهما من قرارات الشرعيّة الدولية بالعشرات صدرت مناصرة للقضيّة الفلسطينيّة. وهي شكّلت، وتشكّل خطوات مهمّة في الاتجاه الصحيح، ويجب أن تكون حافزاً لمواصلة الضغط الدبلوماسي على كلّ الصُّعد لحمل دولة الاحتلال على تطبيق قرارات الشرعيّة الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية. ولكن، ونحن إذ نثمّن مثل هذا القرار ونقدّر أهمية انتزاعه وطرحه من قِبل أطراف دولية فنزويلا، نيوزيلاندا، ماليزيا والسنغال مناصرة للحق الفلسطيني، في وقت تراجع فيه من يفترض أن يكونوا رأس الحربة في طرح هذا القرار، الأخوة في مصر، الذين تراجعوا عن طرح المشروع بسبب وعود أميركية جوفاء، ندرك تماماً بأنّه لا قيمة لها مع تجربتنا في الانحياز المطلق والصارخ للإدارات الأميركيّة المتعاقبة لصالح دولة الاحتلال، وكذلك هناك ضغوط كبيرة مورست على القيادة المصرية من قِبل دولة الاحتلال، ولكن ما هو أخطر من هذا مؤشّر على تراجع الدعم الرسمي العربي للقضية الفلسطينية، وربما تكون خلافات الرئيس مع الرباعيّة العربية في صلبها.
القرار قال بأنّ كلّ العالم المؤمن بالعدالة والإنسانية وحق الشعوب في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، وقفت إلى جانب شعبنا، ولكن علينا عدم التفاؤل والإفراط فيه وإطلاق توصيفات لا صِلة لها بالواقع، والمبنيّة على الأوهام والعواطف وتضخيم الإنجازات، فنحن لسنا أمام انتصار تاريخي ولا تدشين مرحلة جديدة في التعامل مع الصراع، فالإدارة الأميركية الحالية التي تعيش آخر أيامها كانت منحازة تماماً لصالح دولة الاحتلال حتى النخاع، وتراجعت في فترتي ولايتها عن كلّ الوعود التي قطعتها بإقامة الدولة الفلسطينية، وتعامل معها نتنياهو بعنجهية وغطرسة واستعلاء، حتى أنّه أذلّها في عقر دارها، ووجّه لها الصفعة تلو الصفعة برفضه دفع المفاوضات التي رعتها لمدة تسع شهور متواصلة من خلال وقف أو تجميد الاستيطان كلّياً أو جزئياً في الضفة الغربية والقدس خلال فترة المفاوضات، فهذه الإدارة الأميركية بمنطق الثأر الشخصي أرادت أن تردّ الصفعة لنتنياهو وتعمّق من أزمته في الحكومة الصهيونية، وهو المُثقَل بفضائح الرُّشى والفساد، وخصوصاً صفقة الغواصات الألمانية. وكذلك هي أرادت، كما قال أوباما وكيري أكثر من مرّة، إنقاذ دولة الاحتلال من نفسها، حيث أنّ أمن دولة الاحتلال ونقاء يهوديّتها سيكونان مهدّدين باستمرار الاستيطان وضمّ الضفة الغربية، ولذلك من المهمّ جداً عدم رفع سقف توقّعاتنا من التغييرات الحاصلة في السياسة الأميركية، وخصوصاً أنّنا سنكون بعد أقل من شهر أمام إدارة أميركية مغرقة بالتطرّف وملامح سياستها باتت واضحة لنا، وهي من طالبت مصر بوقف طرح القرار على مجلس الأمن الدولي، وطالبت الرئيس الأميركي أوباما باستخدام حق النقض «الفيتو» ضدّ القرار، وهي تهدّد بأنّ الأمور من بعد 22/1/2017 ستتغيّر في الأمم المتحدة، وبشائر سياستها الخارجية الصعبة على شعبنا وقضيتنا الفلسطينية لم تعد خافية على أحد، حيث نقل ملفّ العملية السياسية من الخارجية إلى مكتب الرئيس، وتعيين السفير المتطرّف «ديفيد فريدمان» المؤيّد لدولة الاحتلال والاستيطان حتى النخاع، بما فيه الاستيطان المُقام على أراضي فلسطينيّة خاصة مستعمرة، «عمونه» نموذجاً، سفيراً لواشنطن في «إسرائيل»، وكذلك المساعي الحثيثة والمتسارعة لنقل السفارة الأميركية من «تلّ أبيب» إلى القدس، وكذلك التفكير بزيارة رئاسية للقدس العام القادم على اعتبار أنّها عاصمة دولة الاحتلال.
حكومة الاحتلال، كما هو متوقَّع، رفضت هذا القرار الذي وصفته بالمخزي، وبأنّه غير ملزم للكيان الصهيوني، وبأنّها ستستمر في الاستيطان بغضّ النظر عن هذا القرار، وبعض ردود الفعل وصلت لحدّ اتهام أوباما بالخيانة، في حين تباينت الردود ما بين فشل دبلوماسية نتنياهو نتيجة اهتمامه بأموره الشخصية وتحالفاته مع اليمين. وقد عكست العديد من الردود الصهيونية الرفض المطلق لهذا القرار، فرئيس حزب يوجد مستقبل «يش عاتيد»، يائير لابيد، علّق على هذا القرار بالقول: «لن يُلزمنا أحد بأيّ قرار، لو سمعنا صوت العالم لما قامت «إسرائيل» بعد الهولوكوست». أمّا السفير الصهيوني في الأمم المتحدة، المتطرّف داني دنون، فقد قال: «لا مجلس الأمن ولا اليونسكو ستفصل بين علاقة الشعب الإسرائيلي بأرض إسرائيل»، بحسب تعبيره.
السلطة الفلسطينية والقوى والفصائل قبل الحديث عن الانتصارات والإفراط في التفاؤل، عليها العمل على متابعة تطبيق وترجمة هذا القرار إلى حقائق على الأرض، وخصوصاً بأنّ هذا القرار يتطلّب مراجعة دوريّة كلّ ثلاثة شهور من خلال تقرير يرفعه الأمين العام للأمم المتحدة، وهذا يتطلّب تدعيم الوحدة الفلسطينية واستعادتها من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، كبَيت وإطار جامع للكلّ الفلسطيني، وهذا يتأتّى بالعمل الجدّي على إنهاء الانقسام، وتمثيل وإشراك لحركتَي حماس والجهاد في المنظمة وفق عملية ديمقراطية انتخابية، وكذلك العمل على استعادة مركزية القضية لدى الدول العربية. فعلى الرغم مِن ما تعيشه من أوضاع همومها القطرية والداخلية وأزماتها، والدخول في حروب التدمير الذاتي والمذهبية والطائفية، وتراجع القضية الفلسطينية في سلّم أولويّاتها، إلّا أنّه يجب تفعيل اهتمامهم بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية، وعلى الصعيد العالمي يجب تفعيل كلّ سفاراتنا وممثّلياتنا وجالياتنا الفلسطينية وأصدقائنا على المستويات الرسمية والشعبية لفضح وتعرية الاحتلال وما يرتكبه من انتهاكات وجرائم بحق شعبنا الفلسطيني، وتجنيد أوسع رأي عام مناصر لقضيّتنا، وبما يعمّق من عزلة الاحتلال عالمياً ويفرض أوسع مقاطعة اقتصاديّة وسياسيّة عليه.
Quds.45 gmail.com