جنيف.. مسار سياسي يتزامن وكلمة الميدان
سماهر الخطيب
مؤتمر جينف الرابع، أو بالأحرى «محادثات» جنيف المقرّر انعقادها في 23 من الشهر الحالي وتحت رعاية دوليّة لحوار سوري سوري، هُيّئت محادثاته في أستانة برعاية وضمان كلّ من روسيا وإيران وتركيا، بعد ثلاثة اجتماعات سابقة في جنيف في الأعوام 2012 و2014 و2016، والتي فشلت في التوصّل إلى حلّ للأزمة السورية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي يميّز هذه الجولة الجديدة عن سابقاتها، واللواتي لم تؤدّين إلى أيّة نتائج ملموسة بخصوص وقف العنف أو التوصّل إلى تسوية سياسية؟
وكان مؤتمر جنيف الأول قد انعقد في 30 حزيران العام 2012، بناءً على دعوة كوفي أنان مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية آنذاك. وضمّ وزراء خارجية كلّاً من روسيا، تركيا، الصين، فرنسا، قطر، العراق، الكويت، بريطانيا، أيرلندا الشمالية، الولايات المتحدة وممثلة الاتحاد الأوروبي ، برئاسة المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية. والجدير بالذكر، أنّ هذا الاجتماع الذي انعقد تحت مسمّى «مجموعة العمل من أجل سورية» استثنى الحضور والتواجد السوري فيه.
وأعلن أنان حينها بأنّ الاجتماع أقرّ بياناً مفصّلاً حول الأزمة، أكّد فيه ضرورة الضغط على جميع الأطراف لتطبيق خطة البنود الستة المعروفة بـ«خطة أنان» ومتوقّعاً أنّ حلّ الأزمة قد يحتاج إلى سنة كاملة. وها قد مضت ست سنوات ولم تُحلّ الأزمة السوريّة في ظلّ تعدّد الأطراف الداعمة والمبرمجة لعقول المنصّات المبتذلة كـ» الرياض، قطر وإسطنبول»، علّها تستطيع تمرير أهم مطالبها المتمثّلة بـ«المنطقة الآمنة» بعد فشل مطلبها برحيل الأسد.
أمّا مؤتمر جنيف 4، الذي جاء بعد محادثات أستانة وتوافق دوليّ بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في أولويّة محاربة الإرهاب وضمانات بعض الدول الإقليميّة كـ»إيران وتركيا والأردن»، من أجل التوصّل لحلّ الأزمة السورية سياسياً.
رغم أنّ هذه الضمانات تبقى حبراً على ورق أمام هذا الدعم والزخم في التمويل، ولن يكون جادّاً إن لم تقم هذه الدول بإغلاق حدودها وإيقاف توريد السلاح والمال للمجموعات الإرهابيّة.
وفي السياق، يأتي الانقسام في صفوف منصّات المعارضة وبشكلٍ خاص منصّة الرياض والقاهرة وموسكو، وعدم التوصل لغاية الآن إلى وفد مشترك يضمّ ممثّلين عن جميع الفصائل والمنصّات المعارضة، ناهيك عن عدم وجود برنامج مشترك تطالب به هذه المنصّات باستثناء ما يتمّ تلقينه لها من الدول الراعية والمموّلة والحاضنة لتواجدها.
إلّا أنّ ذلك لا يمنع بأنّ انعقاد جنيف -4 في هذه الفترة تحديداً يًعدّ بحدّ ذاته ميزة إيجابية، وترجيح كفّة المعادلة لصالح الدولة السوريّة بعد سلسلة الانتصارات التي حقّقتها، إن كان لجهة الميدان بانتصارات الجيش السوري وحلفاؤه، أو لجهة المصالحات الوطنيّة التي بدأت مع بداية العام المنصرم، بالإضافة إلى وضوح الصورة اتجاه الرأي العام في الشارع السوري والعالمي، وفشل تلك البروباغندا الإعلاميّة وكشف زيفها اتجاه ما كانت تضخّه من أكاذيب ومراوغات، آخرها ذاك التقرير الصادرعن منظمة العفو الدولية، والذي إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على الفشل الذريع والإحباط الذي أصيبت به تلك الدول الداعمة، بعدما كانت تهيمن على الجولات السابقة اختلافات في تفسير بيان جنيف -1، وخاصة في ما يتعلّق بتشكيل هيئة حكم انتقالية وبقاء الرئيس السوري بشار الأسد.
ورغم أنّ سورية وافقت على جنيف -1 مع بعض التحفظّات، وحضرت إلى جنيف -2 وجنيف -3 انطلاقاً من حرصها على حقن دماء الشعب السوري وحريّته وديمقراطيّته، لكنّ الوفد المعارض حينها رفض جميع البنود، باستثناء البند الثامن الذي يتكلّم عن حكومة انتقالية وإصراره على رحيل الرئيس الأسد.
لا زال الوفد الحكومي يبادر إلى تقديم أفكار ومبادئ تؤسّس لأرضيّة مشتركة للبدء بالحوار السوري السوري، أظهر خلالها إصراره على العملية السياسيّة والمسار السياسي، وهو عمل مترافق مع إصراره في الميدان على تحرير جميع الأراضي السوريّة وإعادتها لكنف الدولة مع ما رافقها من مصالحات فتحت الباب لإنتاج الحلّ السياسي.
الوفد الرسمي سيتوجّه إلى جنيف مجدّداً بالروح الجماعيّة والمسؤولية الوطنية من أجل العمل على خلق مسار سياسي يُفضي إلى نتائج حقيقيّة تُشعر الجميع بالرضا على الصعيد الفردي والجماعي، فالمصالح الوطنيّة العليا لسورية تحكم سلوك الوفد الرسمي السوري شخصياً وسياسياً وتفاوضيّاً، لأنّ الحلّ هو من قِبل السوريّين أنفسهم.