أوهام السلطان التركي ويقين السيّد…!
محمد صادق الحسيني
«عندما سألت زعيماً دينياً عن موقفه من قتل نحو 250 ألف شخص في سورية، ولماذا لم تتمّ مواجهة هذا؟ أجابني: «إن الرئيس بشار الأسد هو الوحيد الذي وقف في وجه الظلم الإسرائيلي…».
هذا الكلام للرئيس التركي أردوغان ورد في خطاب له في افتتاح العام الدراسي في جامعة مرمرة، وفيه إشارة تلميحية واضحة لمحادثاته مع قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي خامنئي في طهران.
يضيف أردوغان: «الآن أقول له إن هؤلاء الـ250 ألف، ألم يقفوا هم بوجه الحملات الإسرائيلية»؟
سؤالنا الأولي الآن للرئيس أردوغان هو لماذا بلع لسانه يومها وهو في حضرة السيد ولم يطرح مثل هذا السؤال هناك… فيما يريد اليوم أن يظهر شجاعته في الحوار مع الكبار أمام جمهوره الانتخابي وهو الذي ذرف دموع التماسيح في ذلك الاجتماع بعد أن أسهب الإمام في شرح المظالم التي تعرض لها الشعب السوري وشعوب المنطقة من جراء سياسات أنقرة الخاطئة ووعد بالتغيير والتعاون مع طهران في تصحيح مسار سياسته الخارجية تجاه البلد الجار الذي عامله يوماً بكل حسن نية؟!.
أما الأسئلة التي تخطر على بال وأذهان عامة الرأي العام الداخلي التركي والعام في المنطقة، بعد أن تكشفت حقائق تدمغ كل مدع فهي:
أولاً: إذا كان هؤلاء الذين قتلوا في إحصائية أردوغان هم من أبناء الشعب السوري الغيارى من الأبرياء وفيهم قطعاً مثل هؤلاء فنحن من يجب أن نسأله:
من فتح حدوده ووظف استخباراته وإعلامه ومعسكراته وغرف ظلامه وتجهيزاته الإلكترونية وعلاقاته العامة ورجال أعماله وسهل لاستخبارات أكثر من ثمانين دولة ليجتازوا حدود بلاده ليعيثوا فساداً في الأرض السورية وينهبوا ويسرقوا ويدمروا ويحطموا كل البنى التحتية ابتداء من حلب شمالاً وصولاً إلى كثير من المدن السورية في الحدود الجنوبية التي كان يعتاش منها هؤلاء الـ 250 ألفاً من المدنيين الأبرياء الذين واجهوا الحملات «الإسرائيلية» ومعهم سائر أفراد وطبقات الشعب السوري…!؟
ثانياً: أما إذا كان يقصد أن من تم قتلهم هم من أتباع من يسميهم «المعارضة المسلحة» وبالمناسبة باتت الآن من قسم «المعتدلة» أي ما يطلق عليهم بـ»الجيش الحر» الذي نشأ وترعرع في أحضان أردوغان وحزبه واستخباراته فتلك مصيبة كبرى فاضحة لك يا سيد أردوغان.
ألم تسمع بما صرح به يعالون عن «رعيتك» أخيراً عندما نزع عنهم آخر ورقة توت بقوله: إننا نرعاهم ونساندهم وندعمهم ليشكلوا لنا سياجاً عازلاً أو جداراً حامياً لنا من هجمات الجانب السوري في الجولان.
يعني أنهم درع «الإسرائيليين» أمام خطر مقاومة الأسد واحتمال شنه حرباً على تل أبيب.
ثالثاً: إذا كان هذا هو حال «المعتدلين» من «المقتولين» يا سيد أردوغان فماذا ستقول عن حال المتطرفين من «الوحوش الكاسرة» باعتراف أقرب الناس إليك اليوم أي رفاقك وزملاؤك في حلف الأطلسي والتحالف الدولي الجديد، أي «داعش» وما أدراك ما «داعش» و»جبهة نصرتهم» من آكلي الاكباد وشاقي البطون وقاطعي الرؤوس ومروجي الاستعباد وتجارة الرقيق في عصر «أنوار نهاية التاريخ» الأميركي الواعدة بتحرير البلدان والدفاع عن حقوق الإنسان؟
رابعاً: نسألك بكل صراحة يا سيد أردوغان ماذا قصدت في القسم الآخر من خطابك عندما أتيت على ذكر واقعة أخرى زعمت فيها – والله اعلم – أن زعيماً لبنانياً كبيراً معارضاً يومها وهو اليوم لا يزال في سدة الحكم قال لك أثناء قيام بلادك بالوساطة بين 8 و14 آذار: «لماذا لا تقوم بالزحف على المنطقة وتحتلها وتريحنا مرة واحدة كما فعل أجدادك العثمانيون…؟»
وهذا الكلام هو نص ما ذكرته أنت في خطابك أمام الطلبة… أليس كذلك…!؟
ألا يكشف هذا الجزء من خطابك حقيقة ما تتمناه وجوهر طموحك وطموح فيلسوف حزبك داوود أوغلو الذي شرح ذلك كله في كتابه الشهير «العمق الاستراتيجي»…!؟
يعني عثمانية جديدة تجمع بين إسلام «سكر خفيف» غير معاد للغرب بل ويحمل درع الآيباك – منظمة اللوبي الصهيوني في أميركا – الذي ورطك به داوود أوغلو أو ارتضيته لا فرق والذي سماه الإمام الخميني الراحل مبكراً «إسلام أميركي» و»نظام مدني» يظهر بمظهر ديمقراطي ولكن من نوع تركي أتاتوركي عنصري يحتقر كل شعوب العالم الإسلامي الذين من حواليه ولا يرى من مظاهر الغرب إلا عقد إخوة سري وعلني مع نظام وكيان عنصري غريب مزروع في المنطقة لهذا الغرض اسمه «اسرائيل».
وهذا ما لا تستطيع إنكاره طبعاً مهما جاهدت وفعلت ومثلت من أدوار مسرحية لأن الاتفاقات الثنائية والمتعددة السرية منها والعلنية وعضويتك في حلف الأطلسي تفضح حقيقة نظام حزبك حزب «العدالة والتنمية».
حتى دولة الرفاه الاقتصادي التي إن أردت أن تتغنى بها فهي لن تستغرق إلا ساعات بعد قرار غربي يقضي بسحب مئات المليارات من الرساميل التي تدفقت عليك للقيام بهذا الدور المزدوج. وقد جربوك وزكزكوك، عندما أردت أن تلعب دور البطل الوحيد فرضخت، وعدت الى مواقعك.
هل عرفت الآن لماذا كان جواب السيد لك مختصراً ومكثفاً وواثقاً حق اليقين من حقيقة حليفه الذين أظهرت في خطابك عن تضايقك من كونه يدافع عنه بالسلاح والمال؟
نصيحة قد تكون متأخرة وتأتي في الوقت الضائع… لا أدري… فقد تسبقني وقائع سورية أو عراقية أو لبنانية أقوى قد لا تترك لك فرصة لسماعها ناهيك عن تطبيقها.
فك عقدة النفاق والثنائية التي تعيشها واخرج من عباءتك الطائفية والحقد الدفين الذي تحمله تجاه الشعوب الأخرى المحيطة ببلدك والشعب الطيب الذي تنتمي إليه وتذكر جيداً أن أقوى إمبراطورية أحادية تم هزيمتها أمام عينيك وأصيبت بالشيخوخة المبكرة نتيجة اضطرارها لتجرع كؤوس السم مرة على بوابات الشام التي تحلم بإسقاط أسدها ومرة على أسوار غزة التي حلمت بتوظيف ورقتها وأخرى على تخوم بغداد التي حاولت خداعها، واليوم تشربان أنت وهي الكأس الرابعة على ربى صنعاء والحديدة وفوق رمال شواطئ البحر الأحمر واختناقكما المترقب في مضيق باب المندب بعد هرمز.
لا أدري إن كانت كوباني – عين العرب – غراد السورية بعد أمير علي غراد العراقية.
أو «القلمون غراد» المترقبة ستمنح لك الفرصة لسماع النصيحة فضلاً عن تطبيقها أم أن الوقت قد فاتك وقطعك قبل أن تقطعه…!؟