تركيا وعمليتا عفرين ومنبج في الميزانين الروسي والأميركي
د.هدى رزق
فتحت تركيا النار على مئات المقاتلين السوريين الموالين للرئيس بشار الأسد. وقد وصل المقاتلون إلى محافظة عفرين السورية التى يسيطر عليها الأكراد يوم 20 شباط، تجاهلت دمشق تحذيرات أنقرة من وصول مساعدات الى الميليشيات الكردية السورية.
وجاءت المواجهة بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انه منع ايّ توغل من قبل القوات الحكومية السورية بعد اتصاله بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني، وانّ القوات التركية وحلفاءها في «الجيش الحرّ» ستحاصرعاصمة المقاطعة في غضون أيام.
وفي وقت لاحق، قال أردوغان إنّ هذه الجماعات قد تصرّفت بشكل مستقلّ وإنّ المدفعية التركية أطلقت لصدّ المقاتلين وانه توصل بالفعل الى اتفاق حول هذا الأمر.
إذاً تبدو تركيا مصمّمة على حربها ضدّ عفرين، إذ انها لم تتوان عن قصف القوات السورية التي دخلت وإنْ بشكل استعراضي ما أوحى بأنّ هناك خلافاً مع روسيا وإيران حول عفرين، لكن روسيا لا زالت داعمة للعملية التركية ولا تزال تسمح للطيران بقصف هذه المنطقة بتغطية سياسية منها، في هذا الوقت ترى واشنطن انّ لتركيا الحق في الدفاع عن حدودها لكنها تمنّت على القيادة التركية عدم الدخول إلى عفرين المدينة كونها لا تريد إثارة حنق الأكراد الذي يشكلون عماد قوات «قسد» في الشرق السوري حيث تتواجد القوات الأميركية. لكن موسكو يمكن أن تفسّر توصّل تركيا لأيّ حلّ مع واشنطن كتعبير عن التذبذب التركي الذي يجعل من تركيا في نهاية المطاف شريكاً لا يمكن الاعتماد عليه. معضلة تركيا هي أنها لا تستطيع أن تغضب روسيا في الوقت الراهن، لذلك رأينا تقدّماً لها على جبهة عفرين وإصراراً روسياً على عدم تدخل القوات السورية. لذلك لا يوجد ضمان بأنّ التوترات الجديدة لن تظهر إذا لم تتمكن «آليات الاتفاق الأميركي – التركي الجديدة من إيجاد حلول قابلة للتطبيق.
لا شكّ في أنّ إدارة ترامب قد تمكّنت من ابتداع حلّ مؤقت بعد الخلافات القوية من جراء الحرب فى سورية. لكن هذه العلاقة لا زالت هشة للغاية ولا يمكن القول انّ تركيا وواشنطن قد توصلتا إلى توافق، إذ لا يزال الشرط المسبق لتركيا هو انسحاب الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في شمال سورية، وحدات حماية الشعب الكردية، إلى الشرق من نهر الفرات. أما التعهّد بالعمل على إيجاد حلّ للخلافات في ثلاثة اجتماعات لفرق العمل فهو ببساطة وسيلة أنيقة للاعتراف بأنّ المفاوضات صعبة وتسعى الأطراف لحلها..
ليس سراً أنّ الولايات المتحدة غير مستعدة للتخلي تماماً عن شراكتها مع «قوات سورية الديمقراطية» التي كانت في البداية مؤلفة بشكل كبير من مقاتلين من وحدات حماية الشعب ولكن المسؤولين الرئيسيين في إدارة ترامب يعملون على استراتيجية جديدة لإعادة هيكلة قوات التحالف على الأرض. في الواقع، يجري تجنيد المزيد من المقاتلين العرب وضمّهم إلى قوات الدفاع الذاتى منذ بداية معركة الرقة، على الرغم من أنّ القيادة ظلت في الغالب تتألّف من وحدات حماية الشعب.
ومن المحتمل أن تقوم الولايات المتحدة أولاً بتفكيك الهياكل القائمة ومن ثم البدء في إعادة تركيبها، فالولايات المتحدة سمعت نصيحة مستشاريها ومراكز الأبحاث التي أكدت انه على الإدارة المحافظة على العلاقة الاستراتيجية مع تركيا وعدم إغضاب أردوغان الذي يسعى الى تجميع أوراقه السياسية والاقتصادية من أجل كسب أصوات الاتراك في الانتخابات الرئاسية عام 2019.
ويواجه الأمريكيون المهمة الصعبة المتمثلة في إخراج وحدات حماية الشعب من المعادلة في منبج دون عداء مع باقي الأكراد بشكل كامل ودفعهم نحو الروس.
يحاول مجلس منبج العسكري اختبار كيفية دمج أنقرة في قرار يتلخّص بمن تراه تركيا مناسباً للعمل مع الجانب الأميركي في شمال سورية، لكن الجانب التركي اكد بأنّ خطه الأحمر الوحيد هو حزب العمال الكردستاني ومن يتبعه، مما دفع الأميركيين إلى طلب تحديد المجموعات الكردية التي يمكنهم العمل معها. ولا شك بأنّ أردوغان يفضّل من هم أقرب الى الأكراد الذين يوالون تركيا والذين يقاتلون إلى جانبه بعد ان ساءت علاقته مع أكراد العراق.
ترى تركيا بأنه يجب أن يكون تمثيل الأكراد في جنيف وفي المستقبل السياسي لسورية محدّداً في نهاية المطاف في صفقة مع الولايات المتحدة.
لكن على تركيا البدء في التفكير والتكيّف مع المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سورية، وإبداء مقترحات أكثر واقعية. ما زالت مسألة منبج مشكلة لم تحلّ، ويشير البعض الى انّ واشنطن تلعب على الوقت. تصريحات تيلرسون حول هذا الموضوع ترى انّ عملية تركيا فى عفرين ستستغرق أشهراً لتنجح وخلالها قد يتغيّر الوضع العام لأنقرة.