كماشة أنابيب غاز روسية ـ إيرانية تلفّ حول عنق أوروبا وأميركا
فارس سعد
كما في الرياضة حينما يبحث النقاد عن نقاط القوة والضعف في طرفي المنافسة، فيعرفون مسبقاً ولو بتقدير مبدئي لمن ستكون الغلبة، فإنّ الأمر لا يختلف كثيراً في السياسة.
وبينما تلوح نذر حرب باردة بين روسيا والغرب، وتتخذ أشكالاً اقتصادية وسياسية وعسكرية، يُثار تساؤل حول نقاط القوة التي يمتلكها الدب الروسي، وفي المقابل مثيلاته لدى الغرب وبخاصة الولايات المتحدة.
إنّ تغيير توازنات القوى داخل النظام الدولي الحالي وتكريس التعدّدية والقضم من هيمنة الولايات المتحدة، بالتوازي مع تنمية مشاريع تكامل إقليمي ونسج شراكات عميقة بين الدول المتضرّرة من دور الولايات المتحدة الحالي، تبدو جميعها أهدافاً واقعية وضرورية وقابلة للتحقق ضمن المدى المنظور. من ناحية أميركا، فهي بحاجة لإشغال القوى الدولية المنافسة بالصراعات وإنهاكها بلعبة التوازنات من خلال حلفائها، إلى حين اكتمال عملية الترميم الداخلي لتصبح قادرة على إعادة تجديد هيمنتها على النظام الدولي. ربما أعظم إشكالية يعانيها خصوم الولايات المتحدة بشكل عام هي في مقولة لكيسنجر: الأمم لا تتعلّم إلا بالتجارب… وعندما «تتعلّم» أخيراً يكون الزمن قد فات على العمل. ولكن هل فات فعلاً الزمن على العمل؟
أظهر التاريخ أنّ الولايات المتحدة الأميركية استفادت سياسياً واقتصادياً من الحروب الأوروبية، فبعد تدفق رؤوس الأموال الأوروبية إليها بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، تحوّلت الولايات المتحدة إلى أكبر قوة في العالم. أما اليوم فهي تواجه تدهوراً اقتصادياً، وتحاول خلق حرب أوروبية أخرى لتحقيق الهدف نفسه» بحسب سيرغي جلازييف، سياسي واقتصادي روسي، وهو يقصد بذلك الحرب في أوكرانيا.
ولفهم ديناميات الصراع الدولي في آسيا، فإنّ وجود أكبر احتياطات الغاز المعروفة في العالم هي في الخليج العربي، وتقاسمها بين قطر وإيران، وأنّ اكتشاف 70 في المئة من الغاز في بلاد الشام في عام 2007، هو المفتاح لفهم هذا الصراع الذي نشهده اليوم.
فبعد الانتهاء من بناء خط الأنابيب «بارس» الإيراني الذي يمتدّ من إيران عبر العراق وسورية إلى الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، يكون الاتحاد الأوروبي قد حصل على أكثر من 45 في المئة من الغاز الروسي والإيراني الذي قد يستهلكه خلال الـ100 – 120 عاماً المقبلة. في ظلّ الظروف الحالية، هذا من شأنه تبرير التكامل المتزايد لقطاعات الطاقة الأوروبية والروسية والإيرانية والاقتصاديات الوطنية بحسب رأي الخبير كريستوف ليمان، في المقابلة التي أجريتها معه مجلة «روت».
ولكي نفهم العوامل المشتركة للحرب الدائرة في سورية وأوكرانيا، من الضروري الإشارة إلى الزيارة الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين شهر أيار وتوقيعه اتفاقية لمدّ الصين بالغاز بقيمة 400 مليار دولار على امتداد ثلاثين عاماً. كان معروفاً أنّ المفاوضات على هذه الصفقة استغرقت مدة طويلة وتعرّضت لضغوط وصعوبات دولية عدة، ولكن ما لم يكن معروفاً بالوضوح الكافي هو العلاقة بين هذه الصفقة وبين الحرب الأهلية التي نشبت، ولا تزال ناشبة، في سورية؟
سورية وأوكرانيا وبداية الحرب
أدى فشل العملية التي شنّتها الولايات المتحدة على سورية، إلى تحريك الجبهة الأخرى التي تديرها في أوكرانيا. إدارة أوباما تأمل من خلال دعمها لمن تراهم «معتدلين» إسقاط نظام بشار الأسد، لتحلّ محله دمية مدعومة من الولايات المتحدة، تمنع بناء خط الأنابيب بين العراق وإيران وسورية. لم تنجح هذه الخطة ولن تنجح في المستقبل القريب، وهو ما يعني أنّ خطة بناء خط أنابيب المشار إليه سوف تسير في نهاية المطاف إلى الأمام.
جوهر الصراع على سورية
ولكن ما المشكلة في ذلك؟ المشكلة وفقاً للدكتور ليمان:
«بوجود الغاز الروسي سيكون الاتحاد الأوروبي قادراً على تغطية نحو 50 في المئة من احتياجاته من الغاز الطبيعي عبر مصادر إيرانية وروسية». وبما أنّ المورّد الأساسي للموارد الحيوية إلى أوروبا، موسكو وطهران، فهي سوف تنمو اقتصادياً وسياسياً ما من شأنه أن يقوّض بشكل كبير نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وبخاصة قطر و«إسرائيل».
كما أنّ لكلّ من إيران وروسيا – صاحبتي أكبر احتياطي للغاز الطبيعي عالمياً – مصالح في هذه الاحتياطات. حيث شارك كلّ منهما في مشاريع لمساعدة لبنان وسورية في عمليات التنقيب وتطوير العمل في حقولهم، وفي حال تمّت السيطرة على سورية أو حتى أجزاء متفرّقة منها، فإنّ هذه الحقول والاحتياطات ستصبح خاضعة لسلطة الحلفاء الأطلسيّين، وبالتالي حرمان الروس والإيرانيين من العمل والاستثمار فيها، إلا أنّ الواقع الجيوسياسي السوري يسير بعكس تيار المصالح التركية.
ويقدّر مسحٌ جيولوجي أميركي تمّ إجراؤه، وجود حوالى 120 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاستخراج في الحوض الشرقي الذي يشمل سواحل لبنان وسورية وفلسطين وقبرص.
هذا هو السبب الذي دفع بالمعارضين لخط الأنابيب إلى إثارة الحرب في سورية.
وكتب في هذا الخصوص المايجور روب تايلور مقالاً في مجلة القوات المسلحة الأميركية تحت عنوان صراع الأنابيب في سورية، يقترح فيه على المتخصصين في شؤون الأمن والدفاع، وبخاصة في الشرق الأوسط، عدم إهمال قضية الصراع على الغاز وأنابيبه عند تحليل ظروف نشأة الحرب في سورية ومستقبلها.
بريطانيا تخطط وقطر تموّل
ويكشف ليمان أنه في عام 2007، أرسلت قطر 10 مليارات دولار إلى وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو لتحضير تركيا و»الإخوان المسلمين» لشنّ الحرب في سورية. وهو ما يؤكده وزير الخارجية الفرنسي السابق رولان دوما للتلفزيون الفرنسي بالقول: «كنت في إنكلترا قبل عامين من أعمال العنف في سورية… وبريطانيا كانت تعمل في شكل سري في سورية منذ عام 2009». وتابع: «التقيت كبار المسؤولين البريطانيين واعترفوا لي أنهم كانوا يعدّون شيئاً في سورية، كان هذا في بريطانيا وليس في أميركا، وكانت بريطانيا تستعدّ لغزو سورية عبر المسلّحين».
وعلى ضوء تصاعد الاهتمام الدولي بحقول الغاز المستغلة حديثاً في شرق البحر المتوسط، وكذلك من دروس القوقاز والأهمية القصوى لصفقة الغاز الروسية للصين والأزمة المتفاقمة التي تهدّد سوق الطاقة في مصر، يتعيّن على المتخصصين وضع تصوّرات مبتكرة ومبدعة لمستقبل العلاقات الإقليمية، وبخاصة بعد عام 2016 عندما يبدأ تدفق الغاز الإيراني عبر الأنبوب السوري. في هذه الحال قد يزداد فهمنا لطبيعة المصالح الروسية المتطورة في الشرق الأوسط، وربما استطعنا إزالة بعض الغموض الذي أحاط ويحيط بالسياسة الأميركية تجاه سورية.
لقد جاء الإعلان عن بناء خط الأنابيب العراقي- السوري – الإيراني، بعد الموافقة العراقية في شباط 2013 وفي سياق استراتيجية الطاقة الأوراسية ليوضّح الروابط بين كلّ من سورية وباكستان من جهة، والصين من جهة أخرى، والتي تتمّ عبر إيران.
إنّ كلاً من الولايات المتحدة و»الناتو»، ينظران في سياق الخطط الاستراتيجية لنقل الطاقة – إلى خط الغاز الإيراني الباكستاني – الهندي باعتباره تهديداً جدياً لمصالحهم في منطقة أوراسيا. وكما ذكرنا سابقاً فإنّ هناك احتمالاً قوياً بأن تنضمّ الصين إلى هذا المشروع، وهذا من شأنه أن يضرّ بالمخططات الأميركية الهادفة إلى احتواء الصين وعزل إيران عبر السيطرة على إمدادات الطاقة الصينية والتلاعب في وجهة صادرات الطاقة الإيرانية. هذا وقد عرضت الصين – كسابقتيها إيران وروسيا – على باكستان المساعدة في تمويل بناء خط الأنابيب على أراضيها. ومن الجدير بالذكر أنّ الصينيين يعملون، ومنذ فترة، بشكلٍ غير معلن في مشاريع البنية التحتية في باكستان.
وتلخيصاً لما سبق، فإنّ كلاً من الخطين السوري العراقي – الإيراني ، و الباكستاني – الإيراني يعدّان أقساماً من خط الغاز الأوراسي العملاق.
اللقاء السري والتجهم الفرنسي ـ القطري
في آخر زيارة قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى باريس كانون الأول 2010 ، استقبل ظاهرياً بحفاوة كبيرة من قبل الرئيس الفرنسي حينذاك نيكولا ساركوزي، وأعطي فرصة الحديث لمدة ساعة ونصف الساعة على شاشة التلفزيون الفرنسي، واستقبلت زوجته السيدة أسماء في لقاء ثقافي حول حوار الحضارات والثقافات نادراً ما يخصّص لزوجة ضيف. غير أنّ اللقاء الأهمّ الذي كان قد رتّبه ساركوزي من الباب الخلفي لقصر الاليزيه – كي يظلّ سرياً عن الإعلام هو اللقاء الذي جمع الرئيسين وأمير قطر السابق لطرح مطلب تمرير أنبوب الغاز القطري، وعندما رفض الأسد ذلك خرج الجميع متجهّمين، وقال الذين سرّبوا الخبر من الاليزيه بأنّ الحبل قد انقطع، وأنّ على سورية أن تتوقّع بداية تفجير قريبة.
وعندما كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث عن محاولته إقناع الرئيس الأسد بتغيير مواقفه، لتليين الوضع والاقتراب من الحلّ، كان ذلك الإعلان يتعلّق بعدة شروط منها تمرير أنبوب الغاز القطري. «إضافة إلى تمرير أنبوب الماء التركي إلى إسرائيل وتقليص الجيش وفك الارتباط بمحور إيران روسيا».
وفي هذا السياق كان التقارب بين الرئيس السوري بشار الأسد وأمير قطر السابق الذي طرح على الأسد مشروع خط الأنابيب من قطر إلى أوروبا في عام 2009، ولكن الأخير رفض التعاون بهدف «حماية مصالح حليفه الروسي» ولو وافق على المشروع، لكانت الجهود الرامية إلى إزالته من منصبه قد ألغيت.
سورية تشعل أوكرانيا!
في أيّ حال، التطورات في سورية تسبّبت في إشعال أوكرانيا. ووفقاً لليمان: «عندما فشل مشروع الإخوان المسلمين في سورية خلال صيف عام 2012 أصبحت الحرب في أوكرانيا محتمة ولا مفرّ منها .
كانت هناك عوامل أخرى دفعت بالولايات المتحدة نحو مواجهة موسكو في أوكرانيا، السبب الحقيقي هو أنّ روسيا وإيران مهيمنتان في حرب الطاقة التي من شأنها أن تقوّض في شكل متزايد قوة واشنطن. مزيد من التكامل الاقتصادي بين أوروبا وروسيا يشكل تهديداً مباشراً لخطط الولايات المتحدة في المحور الآسيوي. نشر حلف شمال الأطلسي الناتو على الحدود الروسية، هدفه مواصلة السيطرة على إمدادات الطاقة العالمية بالدولار الأميركي.
وقال ليمان إنه أجرى محادثة مع أدميرال في «الناتو» من شمال أوروبا لخص له سياسة الولايات المتحدة الخارجية بجملتين فقال: «الزملاء الأميركيون في البنتاغون قالوا لي، بشكل لا لبس فيه، إنّ الولايات المتحدة وبريطانيا لن تسمحا بتطوير العلاقات الأوروبية – الروسية لدرجة أنها سوف تتحداها… أولوية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية هي الهيمنة على القارة الأوروبية، هذا التطوّر يجب أن يُمنع بكلّ الوسائل اللازمة، وإذا لزم الأمر من خلال إثارة الحرب في وسط أوروبا.
ذلك يدلّ على أنّ إدارة أوباما ستفعل كلّ ما هو ضروري لوقف المزيد من التكامل الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا والحفاظ على نظام البترودولار. هذا النظام الذي نشأ في عام 1974 عندما أقنع الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون أعضاء أوبك بالتعامل حصراً بالدولار، وإعادة تدوير عائدات النفط الفائضة لديها في سندات الخزانة الأميركية. هذا بدوره، يسمح للولايات المتحدة بالإفراط في استهلاك وتشغيل العجز الضخم. يجب على الدول الأخرى تخزين الدولار لشراء الطاقة التي تدير الآلات، وتشغل السيارات.
معركة إسقاط الدولار
بذلت موسكو كلّ جهد لاستغلال الضعف الأميركي من طريق الحدّ من استخدامها للدولار في اتفاقياتها التجارية. حتى الآن، أقنعت موسكو الصين وإيران بالتخلي عن الدولار في تعاملاتها الثنائية، ووجدت أنّ الشركاء التجاريين الآخرين حريصون على أن يحذوا حذوهم. مؤخراً، أجرى وزير الاقتصاد الروسي اليكسي اوليوكاييف عملية «اجتثاث للدولار» – بمعنى أنّ «تبديل العملة أمر تنفيذي»- وصدر بيان يؤكد أنّ «الحكومة لديها السلطة القانونية لإجبار الشركات الروسية للتعامل بالروبل».
قالت روسيا اليوم: «البنوك المركزية الروسية والصينية وافقت على مشروع اتفاقية لتبادل العملة، ما سيسمح لها بزيادة التعامل التجاري بالعملات المحلية وخفض الاعتماد على الدولار الأميركي في المدفوعات الثنائية، وتمّ الاتفاق على مشروع بين البنك المركزي الروسي وبنك الشعب الصيني على مقايضة العملة الوطنية بين الأطراف، وهذا الاتفاق سيحفز للعمل بالتجارة المباشرة «باليوان والروبل» لتطوير أسواق الصرف الأجنبية والمحلية في روسيا والصين». على رغم أنّ 75 في المئة من المدفوعات بين روسيا والصين تتمّ حالياً بالدولار الأميركي، وذلك وفقاً لصحيفة روسيسكايا غازيتا.
إنّ الهجوم على نظام إعادة تدوير البترودولار هو واحد من العديد من الاستراتيجيات التي تقوم بها موسكو للدفاع عن سيادتها، وتعزيز النظام العالمي المتعدّد الأقطاب الذي تسوده سيادة القانون. الكرملين يدفع أيضاً لإجراء تغييرات مؤسسية من شأنها أن تساعد على خلق ميزة غير عادلة للدول الغنية مثل الولايات المتحدة، وبطبيعة الحال، لتحلّ محلّ صندوق النقد الدولي، الذي يفرض سياسات عقابية استغلالية، على معظم الأسواق الناشئة، ولا سيما دول البريكس البرازيل، روسيا، الهند والصين وجنوب أفريقيا التي وافقت في تموز 2014 على إنشاء بنك التنمية الذي من شأنه «مواجهة تأثير مؤسسات الإقراض الغربي القائمة على الدولار. وسيقوم البنك الجديد بتوفير المال لمشاريع البنية التحتية والتنمية، بغضّ النظر عن حجم الناتج المحلي الإجمالي في الدول، على عكس صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي.
بوتين: رأس مال البنك الجديد 200 مليار دولار
ويعتبر إطلاق بنك البريكس خطوة أولى لكسر هيمنة الدولار الأميركي في التجارة العالمية، وكذلك المؤسسات المدعومة من الدولار مثل صندوق النقد الدولي imf والبنك الدولي، واعتبر الرئيس فلاديمير بوتين في هذا الاتجاه أنّ إنشاء بنك التنمية الجديد وصندوق الاحتياطات النقدية في إطار مجموعة «بريكس» سيتيح لدول المجموعة زيادة مستوى التنسيق في مجال سياسة الاقتصاد الكلي.
وقال بوتين: «يشكل البنك والصندوق النقدي برأس مال إجمالي قدره 200 مليار دولار، قاعدة لتنسيق سياسة الاقتصاد الكلي». وتابع أنّ البنك الجديد التابع لـ «بريكس» سيصبح من أكبر مؤسسات التنمية المالية المتعددة الأطراف في العالم.
ومن الواضح أن العدوان الأميركي غير المباشر على أوكرانيا دفع موسكو إلى الانتقام، ولكن بدلاً من مواجهة الولايات المتحدة عسكرياً، فضّل بوتين اتخاذ خطوات تستغلّ نقاط الضعف داخل النظام. بنك البريكس سيؤدّي دور صندوق النقد الدولي المهيمن والمقرض، وهو الدور الذي عزز قوة البلدان الغنية وصناعاتها، البنك الجديد يخلق أساساً للتغيير المؤسسي الحقيقي، وإنْ كان لا يزال في الإطار الرأسمالي السائد.
وقال السياسي والاقتصادي الروسي، سيرغي جلازييف:
لإيقاف الحرب نحتاج إلى إنهاء القوى المحركة لها ـ في هذه المرحلة الحرب تكون في طائرات العلاقات العامة والسياسة والاقتصاد، وسلطة الولايات المتحدة تتركز في التفوّق الاقتصادي على الهرم المالي للديون، وهذا قد تجاوز فترة الاستدامة الطويلة. المقرضون الرئيسيون منهارون كفاية لحرمان السوق الأميركية من الدولارات المتراكمة وسندات الخزانة.
وبطبيعة الحال، فإنّ انهيار النظام المالي في الولايات المتحدة يسبب بخسائر فادحة لجميع حاملي العملة الأميركية والأوراق المالية. ولكن أولاً، هذه الخسائر لروسيا وأوروبا والصين لن تكون أقلّ من خسائر ناجمة عن الجغرافيا السياسية الأميركية. ثانياً، الخروج من الهرم الأميركي. ثالثاً، انهيار «مخطط بونزي» وأخيراً، إصلاح النظام المالي العالمي على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة».
عودة الجيوبولتيكا
أعادت الأحداث الأخيرة في العالم… في أوكرانيا واسترجاع روسيا لجزيرة القرم وضمّها إليها عبر استفتاء أحادي، ثم أحداث سورية وموقف موسكو منها، والتنافس المحموم بين الصين واليابان على الحدود البحرية بينهما وعلى النفوذ في قارة آسيا، أعادت إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة بل وأحلام بروز قطبية جديدة منافسة لنفوذ الولايات المتحدة في العالم. فما حقيقة ذلك؟ وهل هي عودة إلى حرب الجغرافيا السياسية «الجيوبولتيكا»؟ أم أنّ العالم لحظة «انتقام الجغرافيا»؟
يدرك الأميركيون أنهم أبطأوا في التيقن من أنّ تلك الدول، ونقصد روسيا والصين وإيران، ودول البريكس، قد ألحقت بالفعل الضرر بالترتيبات الجيوبولتيكية في أوراسيا – أي آسيا وأوروبا معاً بما عقّد جهود الولايات المتحدة والأوروبيين في بناء نظام ما بعد التاريخ الذي يربح الجميع في كنفه، فهل يقرأ الغرب الواقع كما هو لا كما يتمناه؟