مصير القوات الأميركية في سورية بعد تحرير الجنوب السوري
إبراهيم ياسين
مع تسارع التطوّرات الميدانية في سورية لمصلحة استعادة الدولة السورية السيطرة على المزيد من المناطق التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين، لا سيما بعد تحرير أرياف دمشق ومحيطها واقتراب الجيش السوري من تحرير جنوب سورية بعد استعادة سيطرته على معبر نصيب مع الأردن. مع تسارع هذه التطوّرات بدأ يرتسم سؤال أساسي بشأن مصير وجود القوات الأميركية في شمال وشرق سورية، خاصة أنّ الجيش السوري وحلفاءه سوف يتجهون بعد تطهير الجنوب السوري من الإرهابيين إلى الشمال والشرق من أجل استكمال استعادة ما تبقى من مناطق سورية تخضع للجماعات الإرهابية المسلحة. فهل تقع المواجهة مع القوات الأميركية؟ أم يتكرّر سيناريو الجنوب السوري بتخلّي واشنطن عن دعم إرهابيّيها، وبالتالي يتمّ حسم المعركة معهم ويكون المخرج السياسي لخروج القوات الأميركية من سورية عبر إعادة تعويم مؤتمر جنيف لحلّ الأزمة السورية، ليكون ذلك مخرجاً يحفظ ماء وجه واشنطن لتبرير سحب قواتها من سورية؟!
الواضح حتى الآن أنّ الشمال والشرق لن يكونا أصعب على الجيش السوري وحلفائه من معركة الجنوب السوري، لا سيما أنّ اهتمام واشنطن بالجنوب أكثر بكثير من اهتمامها بالشمال والشرق، لأنّ في الجنوب هناك أمن الكيان الصهيوني المهدّد، ويشكل أولوية أميركية بالدرجة الأولى، لا سيّما أنّ أحد أهمّ أهداف الحرب الإرهابية على سورية هو خدمة المشروع الصهيوني الهادف إلى إسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة، تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية. لذلك فإنّ عدم تورّط واشنطن في دعم الإرهابيين في الجنوب السوري، من المتوقع أن ينسحب أيضاً على الشمال والشرق، حيث الأهمية الاستراتيجية لأميركا أقلّ من الجنوب، وطالما أنّ واشنطن لم تتدخّل عسكرياً في الجنوب لحماية الإرهابيين من هجوم الجيش السوري وحلفائه تجنّباً لمواجهة كبيرة في المنطقة ستكون لها انعكاسات سلبية على أمن قواتها ومصالحها الاستراتيجية، وأمن الكيان الصهيوني. وهذا الاعتبار سوف يكون حاضراً أيضاً في الحسابات الأميركية عندما يبدأ الجيش السوري وحلفاؤه عملية عسكرية واسعة في الشمال والشرق لاستعادة السيادة وما تبقّى من أراضٍ خارج سيطرة الدولة السورية، لا سيّما أنّ القرار السوري في استعادة كامل السيادة السورية إنما هو قرار حاسم لا عودة عنه. وبالتالي هناك جاهزية لكلّ الاحتمالات. فإذا ما حاولت واشنطن إعاقة العملية العسكرية، فهذا يعني أنها دخلت مباشرة على خط المواجهة التي ستفرض عليها، إما مواجهة مقاومة شعبية سورية تستنزف قواتها على شاكلة ما حصل في العراق، أو إرسال عشرات آلاف الجنود الأميركيين للدخول في حرب واسعة مع سورية وحلفائها في محور المقاومة، لأنّ هذين الخيارين لهما عواقب وخيمة على الولايات المتحدة التي لا تريد التورّط في حرب جديدة أثمانها باهظة عليها في الداخل الأميركي على المستوى الاقتصادي والوطني والمجتمعي، وخارجياً على مستوى المنطقة كلها. وفي الداخل السوري ستتعرّض قواتها لمقاومة شعبية تستنزفها وستكون لها تداعيات سلبية عليها.
لذلك فإنّ الاحتمال المتوقع هو أن تعمد واشنطن إلى البحث عن مخرج سياسي يجنّبها الخيارات المُرّة. وفي الوقت نفسه يحفظ لها ماء الوجه بالنزول من أعلى الشجرة. وهذا المخرج قد يكون على الأرجح إعادة تعويم التفاهم مع روسيا لاستئناف محادثات جنيف المتوقفة لإطلاق الحوار لحلّ الأزمة السورية، لكن على أسس وشروط تحترم سيادة واستقلال سورية وعدم التدخل في شؤونها، والتسليم في حق الشعب السوري في تقرير مصيره عبر صناديق الاقتراع. وهو ما نصّ عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ومقرّرات مؤتمر فيينا. ومن الطبيعي أن تذهب الأمور باتجاه هذا السيناريو المتوقع باعتبار أنّ موازين القوى في الميدان باتت مختلة بشكل كبير لمصلحة الجيش السوري وحلفائه، وعادةً فإنّ المنتصر في الميدان هو مَن يفرض شروطه على طاولة المفاوضات، وسورية لن يضيرها شيء أن تذهب إلى هذه المفاوضات إذا كانت على قاعدة تلبية شروطها لحلّ الأزمة، ولن تقف حائلاً أمام أيّ إخراج بالشكل لتسهيل التسليم الأميركي بشروطها. وبالتالي انسحاب القوات الأميركية من الأراضي السورية كلها، لتطوى صفحة الحرب الإرهابية الكونية على سورية بسقوط أهدافها، وانتصار سورية وحلفائها وهزيمة المشروع الأميركي الصهيوني، فتبدأ بعد ذلك مرحلة إعادة بناء ما دمّرته هذه الحرب في سورية على قواعد وشروط تحمي استقلالية القرار الوطني السوري بما يتكامل مع الانتصار العسكري والسياسي.