الفنانة التشكيليّة ريمة كبّة… رسمٌ يصوّر السلام وشغف الإنسانية
رنا صادق
تشكيليّة بروحها وإنسانية بشغفها، لا تنفصل أو تنقطع سهام إبداعها في مهد الفنّ، وتعبق رياحين ذاتيّتها في راحة ريشتها، كلّما همّت للعمل. الاستنسابية عنوانها والاستنثائية شعارها. ترفض التقليد وتهرب من فخّ التكرار، وتحاول في كلّ تجربة فنية تشكيليّة استخلاص رحيق جديد في مدارك اللوحات والرسم، لتكون بذلك قد رسمت وجهة ناصعة الشفافية لمشوارها.
الكمال صفة مميزة نشير بها إلى الخالق، لا يقترب من تلك الصفة على وجه البشرية أحد، لكن الاكتمال في العمل الفنّي يجوز، من حيث المعنى والرسالة، حضور ذاتية الفنان، وأخيراً من حيث القالب المستخدم في التجهيز والعمل، لذا ومن هنا، يمكن تعريف التشكيليّة ريمة كبّة بأنها الفنانة الخلاّقة، التي لا تعرف الرتابة.
محورها الأساسي في الرسم، هو تجسيد الحضور بصورة يمكن استخدامها عبثياً كان أم إدراكياً، تلقائياً كان أم مقصوداً، ففي نهاية المطاف تصل الرسالة وتسمو حين يتأثّر المشاهد من دون أي جهد منه.
ومن المحاور الأساسية أيضاً التي تتبعها، هو الحضور الذي ينبع من النفس ويعود إليها، لا يتجزّأ أو ينفصل، لكنه يحمل في طيّاته مشعل التغيير والتطور في مسلكه الأساسي.
ريمة كبّة عُرفت برسم التفاصيل والتدقيق في التعابير، من دون التكلّف، ببساطة سهلة ممتنعة، ومن دون الابتعاد عن هدفها ورسالتها الأساسيين، لذا ومع كل لوحة، يرى المشاهد، قصة مصغّرة تأخذه من زمن إلى زمن، تدخله طوعاً في عالمها الخاص وتلتمس من ذلك لفحاتها الأنثوية من جهة، وصراعها مع موازين القوة للبقاء من جهة أخرى.
عفوية ومشاهد عابرة تمرّ أمامنا وننساها، وربّما نسترجعها بعد حين، لكننا لا نقوم بفعل أو ردّ فعل، لكن هذه المشاهد العابرة عينها إن مرّت أمام مَن بَصم الفنّ روحه، يلتقطها، يجاري مداركها، يراها بعين الفنّ ويستخلص منها رسالة فنية سامية. هكذا هي الفنانة ريمة كبّة تعود إلى أصل التشكيل كي تجد سريرتها وسرورها في معترك اللوحات والخربشات.
من هنا، تجدر الإشارة إلى أن فسحة اللوحة واسعة، يمكن أن تُدخل الفنان في متاهة الانتقاء لذلك عليه، أولاً استنباط ذاتيته من اللاواعي، ثم التأمّل في الحالة وأهدافها الفنّية للوصول إلى فنّ يتّسم بالأصالة.
«البناء» التقت الفنانة التشكيليّة ريمة كبّة في مشغلها، وتعرّفت إلى روحيّة رسومها وأشكالها المفضّلة، وسط عبقٍ من الألوان والزخرفة. إليكم في ما يلي تفاصيل الحوار.
لا فرق بين التشكيل والإنسانية لديها، فهي ذات شخصية قوية جريئة مليئة بالأسرار والخبايا الجميلة، حيث تقول: «ذاتيتي تصبّ في بؤرة أعمالي بوضوح، وأعمل دوماً على إنتاج ما هو أقرب لأناي».
التشكيل بالنسبة لـ»ريمة كبّة» ليس مجرد فنّ، إنما هو سيرة حياة لا نهاية لها. دائمة الاكتشافات والتجديد فيها لا ينتهي. ذلك لأن هذا التطوّر في الفنّ له علاقة طردية مع التطوّر البشري، فهو يمشي بمحاذاته له على الدوام.
حربٌ، صراعٌ وموهبة
بالعودة إلى البداية، تأثّرت «ريمة كبّة» بوالدها الذي وجّهها نحو الرسم، فكانت الحرب تدقّ مساميرها على حيطان المنازل، فينهمّ الأطفال والأولاد إلى القيام بنشاطات منزلية مسليّة، ومنها الرسم، الذي ترافق مع طفولة «ريمة كبّة». الرسم متنفّسها الوحيد في فترة الحرب وما بعدها، الذي شكّلت به لاحقاً مشغلاً، لا بل عالماً فنياً خاصاً بها.
انكفأت فترة عن متابعة الرسم وانشغلت في تجارب الحياة، لكنها سرعان ما أعادت البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، وتابعت عن كثب وجدية العمل في التشكيل على يد كبار الفنانين والرسّامين، الذين تركوا بصمة في تجربتها، بحسب قولها لـ»البناء».
وتقول أيضاً: «سرت وراء شغفي ولم أتوقف، ولم أغير الاتجاه لم أتردّد في المتابعة رغم الصعوبات التي واجهتني، حتى صرتُ ما أنا عليه اليوم».
الاستمرارية ونهم المعرفة
يقول «بابلو بيكاسو»: «الإعجاب هو أن تقف خمس ساعات أمام لوحة جميلة في المتحف، أما الحبّ، فهو أن تقف خمس دقائق فقط وتذهب، ثم تعود لسرقتها في الليل»، قول بيكاسو ليس حسّياً فقط إنما حقيقة تعتري كل متذوّق للرسم والفنون. وهذا ما يحصل لك، أيها العزيز، حين ترى لوحات «ريمة كبّة» المتناثرة هنا وهناك في مشغلها حتى تعطيك نشاطاً لروحك وتغذّي ناظريك وتشبع إنسانيتك.
من هنا، تنفرد موهبة «ريمة كبّة» بالأصالة، لكن الموهبة وحدها لا تكفي الفنان، حيث تقول: «بعد التجربة التي خضتها أقول، لا موهبة كافية من دون التدرّب على خطوات الرسم الأساسية قبل الانطلاق الحرّ الذاتي بكّل فنان، ليبرع في مجال فنّه شعراً كان أم رسماً، أدباً أم نحتاً».
وتضيف: «كما أن هذه التجربة ستحمل معها معاني الفنان الخاصة التي يعترف بها أم لا يعترف، انكساراته ونجاحاته، آلامه وفرحه، أي هي باختصار قالبي مصغّراً عن سوسيولوجية الفنان وتحصيله الفكري».
كما تعتبر «ريمة كبّة» أن على الفنان أن يتمتع بصفتين أساسيتين هما الاستمرارية، ونهم المعرفة في تذوق الفنّ.
اتجهت إلى المدرسة التعبيرية الواقعية أو الانطباعية، لأنها تجد نفسها بها، حيث راحتها وذاتيتها تبرزان من خلال مفاهيم هذه المدرسة.
وتقول: «اللوحة لا تفارق صاحبها، تعيش معه أياماً أو سنين، تؤثّر به، تشبهه في حالاته، تريحه في غضبه وتنسيه في طياتها بقايا الحزن والتعب، كلّ ذلك موجود وتسمح به مدارك المدرسة الانطباعية. لكن لا أعلم متى أقوم بثورة وأغيّر نحو مفاهيم جديدة في الرسم».
أحادية اللون في لوحاتها… ووجوه وقبعة
وجوه وقبعات وفنجان قهوة وبحر، كلّ هذه تميزت برسمها «ريمة كبّة» وشكّلت بذلك «موضة» فنية خاصة بها في رسم القبعات وفنجان القهوة. أمّا لوحتها فهي أحادية اللون monochrome ، قليلة الألوان وواسعة المعاني، تستخدم الألوان بشكل طفيف يسبح على اللوحة من دون أن يطغى عليها.
سلامٌ يعتري لوحتها، لا صخب ولا ضجيج، سلامها الداخلي ينعكس على رسومها دون تكلّف، فتنتج حالة فريدة ليست بعيدة عن حقيقة مشاعر الفرد، لكنها بعيدة عن صخب الحياة اليومية وصراعاتها اللامتناهية.
وتقول: «بالسلام قادرة من خلال فنّي أن أوصل أفكاري، أناي ورسالتي من كل أعمالي من دون الحاجة إلى التكلّف والتعب، أو حتى نزاع… فأنا مسالمة بطبيعتي ولا أحبّ الشجارات، وتميّزت لوحتي بهذا الاختلاف الموجود فيها».
وتضيف: أستخدم الأسود والأبيض وأشكل مزيجاً من درجات الرمادي، ولم أملّ حتى اليوم، فلا اللون ينفد ولا فكرتي تنتهي. اتجهت إلى الرماديّات لأنها تشبهني وتميل إلى الهدوء والسكينة.