الآرامية في معقلها الأخير… فلنحمها لأنها تاريخنا الإنساني والحضاري
جودي يعقوب
مرحبا، ومن منا لا يقول مرحبا وأصلها بالآرامية «مورحابا» أيّ الله محبة التي هي مفتاح المسيحية، والتي كانت وما زالت تحيتنا السورية منذ مئات السنين .
الآرامية لغة الحياة اليومية في الهلال الخصيب، تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد، وسادت كلغة رسمية في المنطقة منذ الألف الأول قبل الميلاد، إلى ما بعد العام 700 ميلادي، وقد تطوّرت من لغة محكية إلى فصحى، وتعدّدت أقسامها ومنها الآرامية الغربية والآرامية الإمبراطورية والآرامية الشرقية التي تتضمّن السريانية والسريانية الكلدانية إلخ…
في البداية كانت تكتب بأبجدية أوغاريت والأبجدية السومرية، لكنها في عام 600 قبل الميلاد أصبحت للآرامية أبجدية خاصة بها، حيث استخدمها العديد من الممالك وأنظمة الحكم المختلفة كلغة رسمية وإدارية وتجارية ولغة للتخاطب أيضاً مما ساهم في تألّقها والحفاظ عليها، حيث وصلت إلى أوروبا غرباً والصين شرقاً.
أثّرت اللغة الآرامية في لغات عديدة ومنها لغة الضاد، ولكن بفعل الغزوات تضاءل عدد من يتقنونها، وتقلص استخدامها بشكل تدريجي، وخاصة عندما تحوّلت حركة الترجمة من الآرامية إلى العربية، فبقيت تتصارع معها إلى أن تحوّلت الآرامية اليوم إلى لغة منطوقة فقط مع تناقص أعداد من يتقنون كتابتها، وانحسرت ليقتصر انتشارها على بعض كيانات سوريانا على رأسها الشام وفلسطين والعراق ولبنان.
إنّ ما تقدّم يشير إليه معظم المراجع، لا سيما «ويكيبيديا».
وفي الشام، الجمهورية العربية السورية، لا يزال سكان منطقة الجزيرة شمال شرق البلاد يتحدثون السريانية وهي الآرامية الشرقية والتي نقلوها معهم إلى بلدان الاغتراب وبخاصة السويد، في حين يتحدث سكان بلدات معلولا وجبعدين وبخعة في منطقة القلمون بريف دمشق الآرامية الغربية، وللأسف ربما يكون هؤلاء هم آخر من يتكلم الآرامية!
وهنا لا نبالغ في القول، بأنّ سورية هي المكان الوحيد في العالم الذي لا يزال يحفظ الآرامية، لغة العلوم والآداب والفلسفة.
ولكن، الحرب الكونية الإرهابية على سورية والتي خلفت القتل والتدمير، أصابت بشظاياها اللغة الآرامية، نتيجة استهداف المناطق التي يتحدث أهلها الآرامية.
في القرنين الثاني والثالث عشر استفحل الاضطهاد الوثني للمسيحية، فكانت تُقطع ألسنة الناس التي تتحدث الآرامية، ومع المجموعات الإرهابية «داعش» و«النصرة» وأخواتهما، جرى استهداف كلّ الشرائح الاجتماعية، كم تمّ تهجير آلاف السوريين السريانيين، بمن فيهم الكادر التعليمي الآرامي ـ السرياني، وذلك بهدف تفريغ سورية من مكوّنها الأصلي، ومنع انتقال اللغة الآرامية إلى النشئ الجديد!
وعليه، يمكننا القول، إنّ أهداف الحرب الإرهابية على سورية عديدة، ومن أهداف الحرب تدمير تاريخ وحضارة سورية.
هناك استهداف واضح لكلّ التاريخ الإنساني والحضاري والقِيَمي في بلادنا، ومن الواجب أن يُدقّ ناقوس الخطر. فالآرامية لغة قومية موروثة منذ ما قبل انتشار الديانات السماوية، وهي تؤرّخ للحضارة السورية منذ الأزل، وهذا الإرث هو ملك سورية والعالم أجمع، لأنها تراث إنساني بكلّ ما للكلمة من معنى.
الآرامية كانت لغة الناس قبل الميلاد، ولذلك فإنّ السيد المسيح خاطب الناس بها، لأنها اللغة المتداولة بينهم.
ولأنّ الآرامية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ السوري، فلا بدّ من إعادة إحياء هذه اللغة وتنقيتها من كلّ المفردات الدخيلة. وهنا لا يجب الاكتفاء بتعليم الآرامية لأجيال جديدة رغم أهمية ذلك، بل بجعلها جزءاً من التربية الوطنية، وهذا أمر ضروري وهام، ولذلك لا بدّ من خطوات باتجاه إدخال الآرامية لغة أساسية في المناهج التربوية.
إنّ ما ينقذ اللغة الآرامية ليس معهد تعليم فقط، بل أن تكون في صلب المناهج، وفي كلّ المدارس والجامعات، وأن يتمّ تعليمها بشكل جادّ وصحيح مع كلّ لهجاتها، وخاصة السريانية التي أعطت سورية اسمها.
اللغة الآرامية أثمن كلّ الآثار والأوابد، ومن خلالها عرفنا هويتنا وتاريخنا الحضاري والإنساني فلنحمها…