من الشعارات إلى القرارات… من يملك البيدر؟
فاديا مطر
مع استمرار حراك الشارع اللبناني على مدى أربعة أيام، في مشاهد تعمّها الفوضى والتجييش والتحريض من على منبر لا يقطنه برنامج ولا جدول زمني ولا راعي لشعاراته التي بدأت فحواها تنبئ بما لا يسرّ الخاطر، تأتي الخطوات التي ساقها وزير الاتصالات محمد شقير لجمهور اللبنانيين ودعمها بالطين بله وزير الإعلام جمال الجراح كمن حفر حفرة لأخيه فوقع فيها، ولم يستطع رئيس الحكومة سعد الحريري في مهلة الـ 72 ساعة سوى رمي طرق الإصلاح على عاتق من سماهم «الشركاء» في الحكومة، فالقشرة في خطابه تخالف اللبّ، والتصنّع بوقفة جدية تعيد مشاريع الإصلاح الى سكة الحلّ أفلتت من يده، فأين البيدر من حريق الحصاد؟
بعد فلتان «منتصف العصا» من يد بعض من يمسكها في السياق الحكومي، تتسابق التطورات على كفوف سياسية حزبية تعالت شعاراتها لتصل الى «إسقاط العهد»، فهي لغة قد سمعها الشارع العربي مسبقاً في عدة دول ورأى تداعياتها وويلاتها في التخريب، لأن سياسية الضرائب والغلو بتوفيرها سدّ الديون والمصارف والعمولات والمصروفات والمهدورات ليست محض زرع يؤتي أكله في أيّ حين، بل هي ورقة ضغط شعبية تستهدف الفقراء وأصحاب الدخل المحدود وأصحاب اللا دخل في عمق جراحهم ووجعهم، وقد باتت سياسة يعتمدها فريق محدّد في الحكومة اللبنانية على غرار التضييق والتحشيد بغرض خلط الأوراق الداخلية لمصالح خارجية، وهنا تكمن الطامة في ما يجري لبنانياً، لكن المشهد الفوضوي المعقد فنّده كلام السيد حسن نصرالله في كلمته في بعلبك بمناسبة أربعين الإمام الحسين، لتكون كمن وضع النقاط على الحروف في مشهد تقاطعت فيه التكلفات السياسية مع المطالب الشعبوية مع متسللات الخارج، وهي خطوات بدت مقاصدها واضحة في تفنيد السيد للمشهد، ففريق القوات والحزب الإشتراكي انغمست أيديهم في المستقبل لصنع حفر الشارع، وقد تعالت أصوات الخراب بعدما ألغى الحريري جلسة الحكومة في 18 تشرين الأول الحالي لتبدو الردود بعدها طريقاً سالكة للتوتر الشعبي الذي تعبّئه أيد سياسية تنتمي لدور تخريبي بصماتها واضحة في حياة اللبنانيين منذ العام 1976 وحتى الآن، فقد أوضح سيد المقاومة الخطوط الحمراء في ما يحصل، معتبراً أنّ من يتهرّب من مسؤولياته يجب أن يخضع للمحاكمة القضائية، وهو ما تحاول فرق سياسية في لبنان تفريقه على كلّ أفرقاء السياسة بمختلف مشاربهم وبرامجهم، فرئيس الحكومة الذي أظهر نفسه مع ثلة أشباحه الوزارية في موقف المنتظر، ينتظر منه الشارع اللبناني مؤكدات قدرة التصرف بحجم المعضلة، وهي كما قال السيد حسن نصرالله لم تكن وليدة اللحظة والسنوات القليلة الماضية، بل هي تراكمات من حكومات توالت وكان فيها ذات المطبّلين في فريق الحريري، وهي نتاج عمالة واضحة من جانب سياسي محسوب على محور إقليمي يتتبع خطوات الشارع الحالية ويحاول التفرّد بها من شعار إصلاحي الى شعار يشعل بيدر لبنان برمّته ويفرغ البلد من حكومة وبرلمان ورئاسة تقيه برد وصقيع الشتاء القادم، فهي مطالب رافقت مشاريعها في بعض المناطق مظاهر ملثمة ومسلحة يعرف انتماؤها وغاياتها ولا تستدلّ وجوهها، وكلام السيد كان واضحاً لجهة منع الإنهيار والوقوف في وجه إفراغ الحكم السياسي في لبنان من مثبتات الحياة والتحذير من مغبة ذهاب بعض المتشارعين الى حافة السقوط في فوضى بلا شعار وبلا طريق عودة، فحكومة الحريري التي تدير بعضها مفاتيح إقليمية خليجية وغربية لا هي قطفت العنب عندما توفر ولا هي تصالحت مع الناطور عندما حضر، وهذا ما تسوقه رماياتها السياسية لتعويم فوضى عبر تراكم الدين العام والتفريط بالإمكانات وتمييع الحلول بانتظار تعليمات إما توقف تدفق الحلّ أو تجمد بعضه وليبقى الساقي بعيداً عن منهله، وهو ما عبّر عنه مضمون كلام السيد في خطاب الأربعين، وتحذيره من خطوط حمراء عريضة تمسّ المرحلة الدقيقة التي تهدف الى نقل متطلبات الإصلاح الى الشارع الملتهب والذي لا يملك قيادة أو دفة حراك واضحة، وتحميلها الى من سمّاهم شركاء لتعويم فوضى شعبية جماعية وفوبيا الإنهيار عبر ما لم يحققه محور الحريري عبر سنوات الحرب على مجمل حدود لبنان وامتداداته الإقليمية من سورية الى العراق وإيران، وهي حلقة تفرغها سياسياً أقطاب داخلية وخارجية يقع الحريري فيها «الحلقة الأضعف»، فالتفاعل ما بين رسائل الشارع المطلبية التي تتوارى خلفها بصمات التخريب، تقف محذرات واقعية من مغبة الرجوع الى الوراء في السياسية والإقتصاد والأمن لزيادة إضعاف لبنان من الداخل وفرط عقد الإنجازات التي كسبتها المقاومة بدم الشهداء وأنين الجرحى، ومثال السيد عن ثقة جمهور المقاومة بمقاومته كانت كشفاً للستار الذي يخافه من يلعب بنار البيدر والمراهنات على حرقه لإشعال شمعة، فالفريق الذي رفض العديد من فرص دعم إيران وسورية وروسيا في كلّ المجالات الإقتصادية والسياسية والعسكرية بات يلعب جدياً بنار تستعر في الشارع، وهو ما يزال واقفاً خلف أجندات خارجية رغم الحفر التي حفرت له وما وقع في بعضها وما ينتظره بعد من حفر، ليكون تحذير سيد المقاومة واقعاً في محلّ ظرف الزمان والمكان المناسبين لكلام قاله بشكل مبطن وينتظر من يفهمه من لاعبين اغمست أيديهم في سلل عام 2006 وما تلاها من سياق كشف أقنعته في سورية والعراق والعداء لإيران وما زال يتلهّف لحرق بيدر لبنان بما حصد، فهل ستسوق الأيام القادمة شعارات أوضح مما تجوب الشوارع؟ أم أنّ شروط الحقل السياسي ستمنع القتال في بيدر الإصلاح؟ هي برسم القارئ المنتظر الذي يطرح الحلول الفارغة من خلف الزجاج، ويحمل بيده عود ثقاب ووقود ولا يملك القرار.