إنجاز مسودّة الاتفاق النووي والوزراء يتوافدون اليوم إلى فيينا
كتب المحرر السياسي:
تتسارع التطورات في الأيام الفاصلة عن السابع من تموز، الموعد النهائي لإنجاز الاتفاق بين إيران والدول الست، وفي ظلّ التساؤلات التي صاغها المراقبون والمتابعون عن سرّ الاستسهال والتهاون بجعل التمديد لأسبوع فقط، حتى اعتبرها الكثيرون مغامرة وتسرّعاً. وإذ يفاجئ الخبراء الذين يمثلون الدول السبع المجتمعة تحت سقف التفاوض، كلّ المتابعين بالإعلان عن إنجاز المسودّة النهائية للاتفاق في اليوم الأول، ورفعه إلى نواب وزراء الخارجية لوضع ملاحظاتهم ورفعه غداً لوزراء الخارجية الذين بدأوا بالتوافد إلى فيينا، مع وجود وزيري خارجية إيران وأميركا هناك، حيث بدأ يصل تباعاً وزراء خارجية الدول المتبقية ليكون يوم غد الجمعة يوماً طويلاً على مستوى الوزراء مجتمعين، بعد لقاءات ثنائية واجتماعات على مستوى كلّ وفد على حدة لرسم حصيلة المسار التفاوضي، تمهيداً لوضع اللمسات النهائية على المسودّة، التي سيترجم مضمونها اليوم في طهران بوصول رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية للحصول على أجوبة تنهي الغموض بصدد أسئلة عن أنشطة نووية إيرانية سابقة.
في قلب هذا التحوّل لم يعد مستغرباً أن تتصرف الدول المعنية بجدية تجاه الاستعداد لمواكبة وملاقاة تغييرات هيكلية في التحالفات والخصومات والمواقع والأدوار على مستوى المنطقة. وفيما تبدو واشنطن مهتمة أساساً بكيفية معالجة الأعراض الجانبية التي تصل حدّ الكارثة بالنسبة إلى حلفائها في المنطقة، السعودية وتركيا و»إسرائيل»، تتصرف موسكو بصفتها الجهة المؤتمنة على إعادة رسم الخريطة الجديدة، وقد بادرت استباقاً للمتغيّرات، إلى التواصل مع أطراف حلف الحرب على سورية لتنقل إليهم المشهد الجديد، فبعدما استقبلت الرئيس التركي رجب أردوغان، وصل إليها وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان، واستقبلت أخيراً الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، وهي تصغي إلى ما لديهم من خيبات، وصولاً إلى الحصول على اعترافات واضحة بالفشل، أكدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بما عرضه أمام وزير الخارجية السوري وليد المعلم من دعوة إلى حلف إقليمي لمواجهة الإرهاب، بعدما أبلغت واشنطن لموسكو تسليمها بأن لا بديل في سورية للرئيس بشار الأسد، وأعلنت أن لا مبرّر للحديث عن مناطق عازلة على حدود سورية روّجت لها مصادر أردنية وسعودية وتركية و»إسرائيلية»، بينما قادة حكومات هذه الكيانات يبلغون موسكو إقرارهم بالفشل في الحرب على سورية وخشيتهم من التحوّلات من جهة، ومن تعاظم الخطر الإرهابي من جهة أخرى، من دون امتلاك خريطة طريق لكيفية مواجهة المأزق، فهذه الحكومات تحمل على ظهرها تحالفات مع جماعات مسلحة تريد لها بوليصة تأمين مستحيلة كحال «جبهة النصرة» وسواها من التسميات المموّهة لجماعات إرهابية، ويختصرون المسألة بالاستعداد لمصالحة مع الحكومة السورية، والتعاون معها يبدأ من الحديث عن حلّ سياسي ويتكشف أخيراً عن محاولة لتفخيخ سورية. لذلك تحمل موسكو هذه الاعترافات، وتستمع إلى أصحابها كمثل قول نبيل العربي عن رغبته بلقاء الوزير المعلم وإعلانه أن سورية لا تزال عضواً في الجامعة العربية، لكن سورية كما تفيد المصادر الروسية التي واكبت زيارة الوزير المعلم، ليست في وارد منح جوائز ترضية لأحد، وتنتظر الأفعال بوقف الإمداد للإرهاب مالاً وسلاحاً ورجالاً وإعلاماً، والإعلان عن أنّ الحرب على الإرهاب هي الأولوية التي تحكم كلّ شيء في مقاربة الوضع السوري، وبعدها لكلّ حادث حديث، لأنّ هذه موجبات تنص عليها القرارات الأممية وليست موضوع صفقات ثنائية لتسدّد سورية مقابلها فواتير، إلا إذا كان هؤلاء يرغبون برؤية ما شهدته باريس وتونس والكويت وتشهده مصر بصيغة حرب مفتوحة، ينتشر ويتسع، بعدما بدا أنّ المشهد المصري يدخل حالة حرجة في حرب حقيقية تمتدّ على مساحة سيناء والعريش ويسقط فيها العشرات قتلى وجرحى، ويشارك فيها الجيش المصري بدباباته ومشاته وطيرانه الحربي.
لبنان الذي يستقبل معاون وزير الطاقة الأميركي أموس هوشتاين في مسعى تبريد النزاع مع «إسرائيل»، حاملاً رسالة الاهتمام والتشجيع على البدء باستخراج النفط والغاز والبحث في كيفية ترسيم المناطق المتداخلة ومساعي «إسرائيل» لسرقة حقوق لبنان، يشهد أول اختبار لمسعى الرئيسين نبيه بري وتمام سلام لتحريك العجلتين النيابية والحكومية، في ظلّ فراغ رئاسي لا يبدو في الأفق أنه يتجه نحو حلحلة قريبة.
التوقعات الحكومية لا توحي بفرضيات النجاح في بت بنود جدول الأعمال، بل بالدخول في نقاش حول آليات عمل الحكومة بين عقدتي الفراغ الرئاسي والفشل في إنجاز التعيينات الأمنية والعسكرية، وسيكون إنجازاً أن تخرج بتكليف رئيس الحكومة مواصلة التشاور لتحديد القضايا التي يمكن وصفها بقضايا الضرورة ليجري بتها من خارج الانقسام حول التعيينات.
جلسة رفع عتب
يلتئم مجلس الوزراء اليوم برئاسة الرئيس تمام سلام في جلسة رفع عتب ستبحث في آلية عمل الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي الذي جعل كل وزير رئيساً للجمهورية في الحكومة، كما ستبحث الجلسة في بعض الأفكار التي سيطرحها وزراء تكتل التغيير والإصلاح، تلاقي الكتاب الذي أرسله وزير التربية الياس بو صعب إلى رئيس الحكومة باسم «التغيير والإصلاح» يعترض فيه على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء اليوم.
ولفت بوصعب لـ«البناء» إلى «أننا ننطلق في مقاربتنا لملف الحكومة من صلاحية رئيس الجمهورية المناطة بمجلس الوزراء مجتمعاً التي تنص على وجوب أن يطلع على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء ويبدي الملاحظات عليه».
وأشار إلى «أن لرئيس الحكومة الصلاحية في الدعوة إلى جلسة ووضع جدول الأعمال، لكن في ظل الفراغ الرئاسي كل وزير بالوكالة عن رئيس الجمهورية، يجب أن يطلع على جدول الأعمال ويبدي ملاحظاته».
وتابع بوصعب: نحن بالوكالة عن رئيس الجمهورية بحسب ما ينص الدستور في شأن الحكومة الانتقالية أثناء شغور المنصب الرئاسي اعترضنا على جدول الأعمال الذي تسلمناه قبل 72 ساعة، وأبدينا ملاحظاتنا، لكننا لم نلق جواباً»، مشيراً إلى «أن الجلسة اليوم ستبدأ بنقاش هذه الآلية».
وتوقع وزير العمل سجعان قزي لـ«البناء» أن تشهد جلسة مجلس الوزراء اليوم نقاشاً صاخباً»، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة قد يلجأ إلى رفع الجلسة إذا ارتفعت حدة النقاش وتحوّل إلى سجال بين الوزراء».
ولفت قزي إلى «أن موقف حزب الكتائب واضح في شأن عمل مجلس النواب، فنحن أعلنا مراراً «أن لا تشريع قبل انتخاب الرئيس»، لافتاً إلى «أننا توافقنا في اللقاء التشاوري الذي عُقد في منزل الوزير ميشال فرعون أول من أمس، على عدم التوقيع على فتح دورة استثنائية لمجلس النواب».
وتمنى وزير الاقتصاد آلان حكيم في حديث لـ«البناء» أن تكون جلسة اليوم انفراجاً وليس انفجاراً، وأكد أنّ الأهمّ في هذه الجلسة هو الحفاظ على آلية عمل الحكومة وطريقة العمل داخل مجلس الوزراء والاحترام المتبادل بين الأطراف كافة».
وأشار حكيم إلى «أنّ التيار الوطني الحر لا يزال يتمسك ببحث ملف التعيينات كبندٍ أول على جدول الأعمال، لكنه شدّد على أنّ عقد الجلسة وحضور كافة الفرقاء خطوة ايجابية إلى الأمام وتفسح المجال أمام الجميع للتشاور للوصول إلى حلّ للأزمة».
ونفى حكيم أيّ اتفاق أو تنسيق مسبق بين الأطراف السياسية لحضور الجلسة، واعتبر «أنّ الدعوة إلى الجلسة واجب على رئيس الحكومة تمام سلام وحضور الوزراء بمن فيهم وزراء الوطني الحر واجب أيضاً»، وأشار إلى «أن الجلسة طبيعية وروتينية وستبحث الملفات الخلافية في مجلس الوزراء بالتشاور بين جميع الأطراف وليس في الإعلام أو بالخطابات السياسية».
وأوضح رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أنّه «سيدعو إلى جلسات تشريعيّة بعد فتح الدورة الاستثنائية»، لافتاً إلى أنّ «فتح الدورة يتمّ بمرسوم عادي من رئيس الحكومة والنصف زائداً واحداً ولا يحتاج لمجلس الوزراء». وشدّد برّي على أنّ «الظرف اليوم يقضي بتفعيل عمل المؤسسات وليس تعطيلها».
إلى ذلك يلتقي بري اليوم المبعوث الأميركي الخاص ومنسق شؤون الطاقة الدولية آموس هوشتاين متابعة البحث في ملف التنقيب عن النفط والغاز اللبناني. وكان بري جدد أمس التأكيد «أنّ الموقف اللبناني واضح وهو مع ترسيم الحدود البحرية بإشراف الأمم المتحدة ووفق القرار 1701 ولا تنازل عن أي قطرة مياه أو شبر واحد من حدودنا البحرية كما البرية».
قطع طريق الساحل إلى صيدا
وبالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء، أعلن أهالي العسكريين المخطوفين أمس أنهم سيعمدون اليوم إلى قطع بعض الطرقات، لكن الجديد في هذا التصعيد هو قطع طريق الساحل إلى صيدا التي تشكل حساسية أمنية، إذ أعلن الأهالي أن قطع الطرق سيشمل طريق الصيفي وسط بيروت وطريق صيدا عند مفرق الجبل – الدامور، احتجاجاً على التأخير والمماطلة بملف أبنائهم. وأشار حسين يوسف والد المخطوف حسن يوسف لـ«البناء» إلى أنّ «تحرك الأهالي هدفه إعادة إبراز الملف كأولوية بعد أن بات منسياً ويكتنفه الغموض على رغم الايجابيات التي تحدث عنها البعض». وأكد احترام الأهالي للرئيس سلام وثقتهم بخلية الأزمة والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، إلا أنّ هناك قطبة مخفية لا أحد يملك الجرأة على الحديث عنها». وكشف يوسف انه «أجرى أمس اتصالاً باللواء إبراهيم وأبلغه أن الدولة تنتظر الإشارة الأخيرة لتنفيذ المقايضة». وأشار إلى أن «التواصل مع تنظيم داعش مقطوع حتى الآن، إلا أن اتصالاً جرى منذ نحو أسبوعين عبر إحدى القنوات أعطى الأهالي نوعاً من التفاؤل وتأكدنا من أن أبناءنا بصحة جيدة وموجودون في منطقة قريبة من جرود عرسال وليسوا في الرقة كما يشاع».
سيناريو السعديات يشبه سيناريو عبرا
إلى ذلك، لا يزال إشكال السعديات الذي وقع مساء أول من أمس محور متابعة لا سيما أن سيناريو إشكال السعديات يشبه سيناريو عبرا حين زعم الإرهابي الفارّ أحمد الأسير بوجود أسلحة في إحدى سرايا المقاومة.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» «أن حزب الله لا يريد أن ينعكس الإشكال اشتباكاً في الداخل، لا سيما أنّ الجيش تولى مسألة متابعة موضوع الاعتداء على الأهالي». ولفتت المصادر إلى «أنّ إطلاق المعاني والعبارات والعناوين من قبيل القول إنّ المصلى عبارة عن مركز عسكري لحزب الله، عار عن الصحة جملة وتفصيلاً، فلو كان المصلون مسلحين، لكان حصل اشتباك، ولما تمكن المهاجمون من الإفلات، وأكثر من ذلك لو كان المركز عسكرياً لكانت العوائق الأمنية منعت المعتدين من الهرب». وأشارت المصادر إلى «أنّ الاعتداء على المصلى له دوافع مذهبية لإشعال نار الفتنة»، معتبرة «أنّ امتناع حزب الله عن الردّ أو التعاطي بالموضوع، كان بدافع رفض الإنجرار إلى الفتنة التي يسعى إليها أكثر من طرف في الداخل». ويرى حزب الله وفقاً لبعض المصادر أنّ المسؤولية هي على عاتق تيار المستقبل والدولة على حدّ سواء».
وفي سياق المواجهة مع الإرهاب، حقق الجيش اللبناني تفوّقاً استخبارياً على مقاتلي «جبهة النصرة»، من خلال استهدافه مجموعة لهم حاولت التسلل من جرود عرسال باتجاه البلدة، ومراكز وتحصينات المجموعات المسلحة ومقرّاتها في وادي حميد ووادي العويني والعجرم، ما أدّى إلى مقتل عدد من الإرهابيين نقلت جثثهم إلى مستشفى الهرمل الحكومي عرف منهم أحمد محمد غصن، أحمد ديب غصن، عبد الله حسين غصن، غالب سعيد غية. ويؤكد هذا التطور تغلغل مسلحي «جبهة النصرة» في عرسال. كما استهدف الجيش من مواقعه في البقاع الشمالي بالمدفعية الثقيلة البعيدة المدى تجمعات وتحركات لآليات المسلحين المزودة بالمدافع المضادة والمتوسطة التي كانت تتحرك في جرود مرطبيه المقابلة لبلدة الفاكهة باتجاه الأراضي اللبنانية. وأفيد عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المسلحين وتدمير آلياتهم.
واستهدف حزب الله بدوره بقذائف الميدان تحركات مسلحي «النصرة» في منطقة الكسارات في جرود عرسال تزامناً مع اشتباكات متقطعة يخوضها مع المسلحين. واستهدف بقذائف الهاون والميدان تحصينات ومراكز مسلحي «النصرة» في الزبداني بالتزامن مع غارات للطيران السوري على المنطقة.