لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق… 1
محمد احمد الروسان
هناك ثلاثة أسرار في عمق تاريخ البشرية: الله، ثم المرأة، ثم سياسة دمشق، لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق؟ انّ سياسة دمشق بالنسبة للغرب هي لغز.
المسألة تحتاج الى بعض الإيضاحات وعبر التساؤلات المختلفة في سياسات عواصم القرار، أو إنْ شئت عواصم المؤامرة على الشرقين الأوسط والأدنى، وفي ظلّ تداخلات الحسابات بين الساحات، انْ لجهة الساخنة القويّة والضعيفة وانْ لجهة الباردة تجميد الحلول فيها وعليها كونها خارج الحسابات التكتيكية مرحلياً، ويتمّ تأهيلها كساحات مخرجات .
عقيدة الأمن القومي لنواة مفاصل مؤسسات الولايات المتحدة الأميركية، والتي صاغ مفاصلها الأممية، أعضاء الحكومة العالمية في البلدربيرغ الأميركي، والفرنسي والبريطاني والصهيوني أعضاء فيها بجانب آخرين، عبر مجموعات من أمراء ليل وغربان موت، بزعامات من أمثال وأشكال جنيّ البيت الأبيض كارل رووف ومنظّر الربيع العربي برنارد ليفي، والتي عبّر عنها الناطق الرسمي باسم حكومة البلدربيرغ الأميركي، الرئيس باراك أوباما، حيث تمّ الإيعاز الى المجمّع الصناعي الحربي الأميركي لتنفيذها وتوسيعها، فتشمل الآن الحرب على اليمن والذي تركه جلّ اخوته في الجبّ ميتاً، وقد تمتدّ الى الجزائر والمغرب، كما أشرنا في أكثر من قراءة سابقة، وستضرب في قلب القارة الأفريقية حيث الصراع مع الصين وبريطانيا وفرنسا وايران وحزب الله.
نسخة متطورة من حلف بغداد
وهذه العقيدة أيضاً هي في جزء منها يتموضع في سعي حثيث للولايات المتحدة الأميركية الى إنشاء نسخة متطورة ومختلفة من حلف بغداد جديد في «الشرق الأوسط»، انّه الناتو العربي بمضمون القوّة العربية المشتركة، والتي لا نعرف حتّى اللحظة طبيعة النظام الداخلي لها، خاصةً بوجود دولتين تلتزمان بمعاهدة مع الكيان الصهيوني.
عقيدة أميركية جديدة صيغت، حتى تتمكن العاصمة واشنطن من سحب قوّاتها من المنطقة ومناطق شمال أفريقيا كي تعيد تموضع قواتها في الشرق الأقصى، فوفّرت الغطاء السياسي لعمليات حلف بغداد الجديد الناتو العربي على اليمن ولا زالت توفرها.
أميركا لا تريد إنهاء الأزمات في منطقة «الشرق الأوسط»، بقدر ما تريد إدارة الأزمات، لا بل وأزيَد من ذلك، تستخدم الأزمات عبر الوكلاء من بعض عرب، كأسلوب إدارة لذات الأزمات، لذلك واشنطن دي سي تدرك أنّ العقدة الحقيقية في المنطقة تكمن في أنّ كلّ شيء ممكن وفي ذات الوقت ليس كلّ شيء متاحاً، وتدرك أنّ وكلائها في المنطقة لا يدركون ذلك، وانْ أدركوه تناسوه وبادروا الى الفعل لغايات آنية ضيّقة، وجعلوا صراعاتهم كدول، صراعات شخصية بل وطفولية، في حين أنّ خصوم واشنطن في منطقتنا والعالم يدركون حقيقة ذلك، بل وأزيَد من ذلك، بحيث يدركون معضلة الولايات المتحدة الأميركية وكيف انتقلت ديبلوماسية أميركا من الأدمغة البشرية الى الأدمغة الالكترونية فبانت عورتها مفاوضات السداسية الدولية مع ايران خير دليل على ذلك ، بعكس حلفائها من بعض عرب وبعض غرب، الذين لا يفكرون الاّ في كيفية ملء البطون والجيوب، وإشباع ما بين الأرجل حتّى ولو كان بين الأصول سفاحاً من دون ضمانات.
وهناك بون شاسع بين الممكن والمتاح، وهو المسؤول عن تموضع الشكل والجوهر الذي ينتهي اليه مسرح العمليات، حيث تضيق الخيارات كلّ الخيارات، وزمن المتاح بدأ يتلاشى قبل الكارثة المقبلة التي ستمزّق المنطقة وعبر حرب العرب بالعرب، حيث العرب ما زالوا يمارسون استراتيجية اللهاث وراء ايران، والأخيرة توظف وتستثمر في الأيديولوجيا لإحداث اختراقات جيواستراتيجية تخدم مصالحها، في حين أنّ الأيديولوجيا عند العرب تستخدم لحماية الأنظمة حتّى ولو قادت الى تفتيت المجتمعات أو حتّى إلغائها.
الحرب والعدوان على اليمن، وقبله سورية، وقبلهما ليبيا، وقبلهم جميعاً فلسطين كلّ فلسطين فضيحتنا الكبرى كعرب، نقول: ايران وصلت الى هناك… حسناً، من الذي أوصلها وفتح أمامها الأبواب؟ ألسنا نحن العرب؟ من الذي ترك اليمنيين طوال عقود خلت على تخوم العدم؟ ألسنا نحن العرب؟ أرادوا لليمن أن تكون رجولته عند حدود الجنبيّة الخنجر ، وصدق من قال إنّ الحفرة اليمنية بمثابة برمودا عربي، صحيح أنّه في اليمن شعب بهياكل عظمية بفعلنا كعرب، وصواريخ تنهال عليه عبر «إعادة الأمل» هذه المرة، ولكن جلّ العرب هياكل عظمية بعد أن دمّروا جيوشهم بأياديهم فصارت المقاومة وجهة نظر، والإرهاب وجهة نظر، وحتّى الخيانة صارت وجهة نظر.
فمن يفشل في المعركة كما هو حاصل الآن في عدم تحقيق أيّ هدف من بنك أهداف الحرب على اليمن، والتي صارت تعصف بأصحابها، لن يكون قادراً على تكرارها بالمطلق لا على ذات الميدان اليماني ولا على الميدان السوري انْ فكّر وقدّر، بل يذهب مكرهاً مجبراً الى مسرح آخر وميدان مسرح عمليات جديد، حيث وحدهم ووحدهم فقط أصحاب القضية من يكرّر المحاولة، أمّا أصحاب المشاريع سواء كانوا من الأصلاء أو الوكلاء للغربي، فيبحثون دوماً عن البدائل تنفيذاً لدور مرسوم ومقدّر لهم بامتياز.
حلّ الأزمة السورية بحاجة الى اتفاق روسي وأميركي مشترك، وحلّ المسألة العراقية يحتاج الى تقارب ايراني سعودي، والأخير مرفوض أميركيّاً كما الأول تماماً، والأفكار المصرية غير المعلنة دع عنك المعلنة حول المسألة السورية لم ترق بعد الى مستوى المبادرة السياسية الكاملة حتّى اللحظة ما يجري في مصر الآن بعد اغتيال النائب العام المصري وبعد الأحداث في المجتمع السيناوي ومنطقة الشيخ زويد أجّلها .
التفكير بعقلية التآمر
ثمّة تساؤلات تطرح نفسها وتسوّق ذاتها وتشير الى أجوبة هنا وهناك، وانْ كان منطلقها الفكري التفكير بعقلية المؤامرة للوصول الى فهم المؤامرة نفسها، فمن أجل أن نفهم المؤامرة أيّ مؤامرة علينا أن نفكر بعقلية التآمر وما يُحاك في المنطقة.
السؤال الذهبي المطروح الآن في كواليس كيميائيات العلاقات المتعدّدة والمختلفة، وسلاّت الجهود الروسية وغيرها إزاء الحدث السوري من زاوية البحث عن حلول سياسية لمفاصله وترسيماته على أرض الواقع هو: لماذا هذا الدخول المصري المفاجئ على خطوط البحث عن الحلّ السياسي للحدث السوري الآن، وبعد انطلاق المبادرة الروسية المتكاملة والمقنعة الى حدّ ما قبل أكثر من تسعة أشهر وأزيَد، خاصةً أنّها صارت تحقق نجاحات متفرّقة تحتاج الى الجمع في ما بينها للخروج بمشهد متكامل، حيث تجيء دعوة فلاديمير بوتين هي دعوة للرياض والدوحة وتركيا لتشكيل تحالف رباعي لمحاربة عصابة «داعش»، التي صارت «تسونامي» إرهابي عميق لا يستثني أحداً في عمق هذه السياقات السياسية والصياغات المرحلية، عبر توحيد جهود الحكومة السورية ودول المنطقة خصوم الدولة الوطنية السورية ؟ هل قرار القاهرة جاء مستقلاً أم تمّ بإيعاز من الآخر الطرف الثالث بالحدث السوري الخصم للدولة الوطنية السورية ونسقها السياسي الحالي، بالرغم من دعوة الرئيس الروسي لتشكيل تحالف رباعي، والأخير قد يكون بالون اختبار روسي في عمق منظومة الخصم للنسق السياسي السوري؟ هل الجهد المصري في سياق البحث عن حلّ سياسي لما يجري في سورية هو لبعثرة الأوراق الروسية؟ هل يمكن أن تصل الأفكار المصرية الى مستوى الفعل والمبادرة التي تقبل بها كافة الأطراف السورية المعارضة، انْ لجهة الداخل السوري، وانْ لجهة الخارج السوري، بما فيها الحكومة السورية والطرف الثالث بالحدث الشامي، ان كان غربيّاً وان كان عربيّاً هو بالأصل صار مأزوماً؟
هل الأفكار المصرية المعلنة من شأنها وفعلها أن تلغي المبادرة الروسية، أو على الأقلّ إضعافها ومن ثم إفشالها، إلى حين أن تلوح الفرصة المواتية لجلّ الأفكار المصرية غير المعلنة بالحدث السوري، وخاصةً بعد استيعاب القاهرة لما جرى فيها من ارهاب أخذ النائب العام، وما يجري في الشيخ زويد خاصةً وفي صحراء سيناء ومجتمعاتها السيناويّة، حيث نلحظ دوراً أميركياً خفياً متقاطعاً مع دور «إسرائيلي» متخف على استحياء؟ ما هي مصلحة مصر في ذلك لجهة النتيجة في خانة الإلغاء أو الإضعاف ثم الإفشال للمبادرة الروسية، ثم الخروج بشيء مختلف عما يطرحه الروسي؟
مبادرة الكرملين المتكاملة والتي ما زالت مستمرة تقوم على مفاصل وأساسيات الحلّ الداخلي حوار سوري سوري وبعيداً عن التدويل، بينما أحسب وأعتقد أنّ الأفكار المصرية المعلنة على الأقلّ حتّى اللحظة تعمل على إعادة جلّ المسألة السورية من جديد لتطرح كرزمة واحدة على طاولة الحوار الأممي وتعتمد «جنيف 1» منطلقها، في إطار جنيفات جديدة تشارك فيها جميع الأطراف الإقليمية والدولية، بجانب المحلية السورية انْ لجهة الحكومة، وانْ لجهة المعارضات وحتّى تلك التي ليس لها ترسيمات على الميدان، وبدون أثر يذكر في سياقات لغة الفعل الميداني وتفاعلاته العسكرية؟ وهل يمكن أن نصف من يطبّل ويزمّر ويرقص للتقارب المصري السوري واقعاً في فخ السذاجة والوهم السياسي بامتياز، أم أنّه محق لدرجة ما بسبب الدور المصري الخفي والمريح ازاء دمشق؟ أم هل الهدف من جلّ الأفكار المصرية وغيرها، هو إلى حين تغيير المعادلات وموازين القوى الإقليمية والدولية، والاستثمار في الزمن عبر الاستنزاف لسورية من قبل الطرف الثالث، إلى حين انتزاع الدولة والنسق السياسي السوري من تحالفاته الاستراتيجية على الساحتين الدولية والإقليمية الى خانة ما يسمّى بمحور الاعتدال العربي عفواً الاعتلال العربي ، والذي يعمل الجميع في المحور الخصم لسورية على إحيائه من جديد في ظلّ ما يُسمّى بالتحالف الدولي لمحاربة دواعش الماما والدادا الأميركية في العراق المُراد احتلاله وتقسيمه، وسورية المُراد إسقاط نظامها ونسقها السياسي، وبالتالي تقسيمها وإلحاقها، التحالف غير الشرعي وخارج قرارات الشرعية الدولية، والذي جاء تشكيله وفرض المشاركة فيه برؤية أميركية عبر منطق القوّة لا قوّة المنطق؟
هل الرفض السوري ان حدث لسلّة الأفكار المصرية المعلنة وغير المعلنة يعني استمرار الوضع على ما هو عليه، وبالتالي التقسيم السلس بنعومة فائقة لجلّ الجغرافيا السورية؟ هل هناك تنسيق مصري روسي انْ لجهة الرأسي، وانْ لجهة الأفقي، على طول خطوط علاقات موسكو القاهرة؟ أم أنّ المسألة تتموضع حول الفكرة التالية: الجهود المصرية والأفكار الخلاّقة على الأقل المعلنة تلتقي عفوياً وصدفةً بالجهود الروسية المبادرة الروسية لكنها لا تنسّق معها؟
علامات الاستفهام متعددة؟
هل أعادت القاهرة من جديد إنتاجات وصياغات لمفهوم الأمن القومي العربي، وبالتالي تطويعه وتوظيفه وتوليفه للعب ذات الدور السياسي السابق لها وعبر البوّابة الشامية، حيث علامات الاستفهام كانت متعددة عليه وقت الرئيس المخلوع حسني مبارك، خاصةً بعد نجاحات حقيقية لمصر السيسي قد تعجبك وقد لا تروق لك في المسألة الفلسطينية وبعد حرب غزّة الأخيرة، فكانت سلّة النتائج بمستويات أكثر من رائعة ومذهلة لمحور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من بعض عرب وعربان، وكلّ ذلك على حسابات نضالات الشعب الفلسطيني المقهور وطموحاته في سياقات الصراع العربي «الإسرائيلي»؟
مَن الذي لعب دور الصانع والعرّاب المقنع لواشنطن في ضرورات الاعتماد على مصر ودورها المحوري في المنطقة، باعتبارها قوّة عسكرية يمكن الركون اليها باعتماد حقيقي، انْ لجهة فلسطين المحتلة وسورية المتآمر عليها، والعراق المُراد احتلاله من جديد وتقسيمه، وانْ لجهة لبنان وسلاح حزب الله، وانْ لجهة العدوان البربري على اليمن مصر شعرت بالفخ لاحقاً، والى حدّ ما اتخذت مقاربة ومداخلة إقليمية بعيداً عن الرياض، وكذلك فعلت عمّان بربع استدارة أو أقلّ من ذلك ، وحتّى انْ لجهة إيران ومسألة المواجهة معها لاحقاً، خاصةً في ظلّ إحياءات جديدة للدور المصري في لبنان، والذي صار ساحة وغى لصراعات كافة الأطراف الدولية والإقليمية بأدوات الداخل اللبناني؟
هل أخضع مجتمع المخابرات والاستخبارات الروسية الانعطافة المصرية غير الجادّة وغير الحادة، على أرضية خطوط العلاقات الروسية المصرية بعد عزل الرئيس محمد مرسي، لمزيد من الدراسة والتحليل والتمحيص؟ هل تسرّعت موسكو وأعطت منظومات «أس 300» المتطورة إلى مصر انْ صدقت صحة المعلومة؟ لماذا أرسلت العاصمة الأميركية واشنطن دي سي عشر طائرات هلوكوبتر من نوع آباتشي طائراتهم بأسماء ضحاياهم الهنود لمصر، بعد تواصل ما عبر الأثير بين الرئيس أوباما والرئيس عبد الفتّاح السيسي، حيث الدور الواضح للملك عبدالله الثاني ومنظومات حكمه في إحداث مقاربات شاملة على طول خطوط العلاقات المصرية الأميركية لضرورات تطورات سياقات الحدث السوري لاحقاً؟ وهل التغيّرات التي حصلت قبل أزيَد من عشرة أشهر في قيادة جهاز المخابرات المصرية اللواء خالد محمود فؤاد فوزي مديراً واللواء محمد طارق عيسى سلام نائباً له لم تكن كنتاج للرؤية الأميركية السعودية القطرية الإماراتية كما كنّا نعتقد، في توظيفات جديدة وعسكرية للدور المصري إزاء الحدث السوري، والمسألة العراقية، ولجهة لبنان وسلاح حزب الله، ولجهة فلسطين المحتلة وحتّى إيران نفسها كما أسلفنا، بعد إعادة هندسة لمسار العلاقات المصرية القطرية قد تنجح ؟
محام، عضو المكتب السياسي
للحركة الشعبية الأردنية
www.roussanlegal.0pi.com
mohd ahamd2003 yahoo.com