أولى

اليوم الجلجلة فمتى الصلب؟

} د. قاسم حدرج*

لا ندري ما إذا كان الرئيس حسان دياب قد أصيب مبكراً بشيخوخة الأمل، أم أنّ الوطن بأكمله هو الذي دخل سنّ اليأس الجماعي، فلم يكن ينقص اللبنانيين بالأمس سوى عملية توثيق لليأس في حين يبقى الأمل وهماً وخيالاً ولو أقيم له احتفال من نفط وغاز ما زال ساكناً في أعماق البحار، وقد يتبخر قبل أن تصل إليه حفارات الآبار، ولم يكن ليتخيّل اللبناني الذي يعيش ساعاته مع جرس الإنذار تارة من قرب إعلان الإفلاس وطوراً من تفشي وباء «كورونا» الغدار أن يستقبل شهر آذار الذي يبشر بقدوم الربيع بمثل هذا التصريح الفظيع بأنّ لبنان على وشك أن يضيع وبأننا قد نضطر أن نبيع الماء والهواء، الأرض والسماء للصناديق، بعد أن حاصرنا العدو وخذلنا الصديق، ولا يشفع لدياب قوله بأنه قد تلقف كرة النار وبأنه مصمّم على السير بدرب الجلجلة، متناسياً انّ نهاية الدرب هي عذاب وصلب، أما رجاء القيامة للبنان فلن يكون بمعجزة إلهية بل بمنحة من كهنة معبد الماسونية مقابل إنكار الرسالات السماوية والدخول في طاعة الامبراطورية الرومانية، وهذا ما لن يكون، وبالتالي فإنّ دياب بالأمس قد خيّر اللبنانيين بين الثلة والذلة وشخّص لهم الداء والعلة، ونحن من أتينا به لا لتشخيص الداء بل ليصف لنا الدواء، فإذا به يشاركنا على الاطلال البكاء ويصف لنا مأساتنا بمنتهى البلاغة بمشهد اتسم بالبلاهة، ومن قال إنّ الشفافية وصدق النية والنزاهة وحدها قادرة على إنقاذ المركب، وها أنت تقفز الى الماء قبل غرق السفينة ونحن من صدّقنا بأننا وضعنا أمانة لبنان في أيد أمينة ولربما العيب ليس فيك بل العيب فينا ولم نكن موفقين بالاختيار، فالعواصف هي من تكشف مهارة البحار، وها أنت أمام أول هبة ريح رفعت راية الاستسلام وكشفت صدورنا للسهام واكتشفنا متأخرين انّ كلّ إنجازاتك المأمولة هي كلام بكلام.

ولكن من الإجحاف بحقك وحدك أن تلام والجميع من حولك يبدون عاجزين، وكلما شربنا من تصريحاتهم المالحة ازددنا عطشاً وأيقنّا أننا مقبلون على أيام قحط أخلاقي قبل الاقتصادي، وأننا أمام لبنانات لم توحد بينها الأزمات بل كشفت عندها باقي العورات، وبدلاً من ان يواجه الموت القادم من الشرق راح يكيل الاتهامات الى دولة بالذات بأنها تصدر له الموت والأوبئة، بل وصل به الحقد الى حدّ إقامة الاحتفالات فوق نعوش فتية يفترض أنهم أبناء وطنه وقد قضوا على يد الأغراب، فعن أيّ وحدة دم ووحدة تراب ما زلتم تحدثوننا، وها نحن قد وصلنا الى آخر صفحة من الكتاب ولم نقرأ فيه سطراً واحداً ولا جملة واحدة ولا حتى كلمة تشير إلى أننا نعيش في وطن، أو أن يداً ستمتدّ يوماً لمصافحتي او مساعدتي في بناء وطن يتهدّم، بل يد تتربّص بي لتطعنني في الظهر تنتظر ان يأتيها الأمر من أنقرة أو الرياض أو حتى تل أبيب، وقد خبرناها سابقاً ولم نتعوّد منها إلا الغدر.

فإلى متى سأبقى منتظراً مترقباً تلك اليد التي كلما انشغلت بمعركة سارعت لتحفر لي القبر .

لا تسألني عن سبب هذه الخيبة سأجيبك بأنني مللت العيش مع أناس كاذبين غدّارين، ولأنّ ما يحدث لنا نحن به متسبّبون، ونحن اليوم نغرق لا لأننا لا نجيد السباحة بل لأننا نبقي رؤوسنا تحت الماء واتسمت سياستنا بالغباء، فهذا الفريق لا أمل منه ولا رجاء، وقد اكتملت الصورة وظهرت جلية واضحة أسباب العداء فلا هو الدين ولا المذهب بل هو صراع على من يقود المركب، فهناك من يودّ السير بنا باتجاه ساحل العبودية لنباع رقيقاً في الأسواق اليهودية مقابل أن ينال حفنة من سلطة بينما نحن نقوده على درب الجلجلة متحمّلين وحدنا الآلام لكي نصل به إلى مرحلة القيام، ولكنه يأبى إلا أن يعيش زاحفاً تحت الأقدام، فإلى متى نبقى نحرق أنفسنا لكي نضيء الدرب لمجتمع ضرير.

اعذروني على سوداويتي في التعبير ولكن بداخلي ألف قنديل وبيدي ألف مشعل وروحي متقدة بالأمل وكيف لا وقد رأيت بالأمس كما رأيت من قبل شباباً بعمر الورد قد تحوّلوا الى نجوم تضيء سماء عزّتنا وتضخّ مزيداً من الدماء في عروق مقاومتنا فلا فرق عندي إنْ حيينا أو متنا طالما أنّ في أمتنا سيد عظيم يحيي العظام وهي رميم، وفيها أسد واجه بشعبه وجيشه كلّ مكائد الشيطان الرجيم، وإنّ كان لرياح اليأس قوة لا وصف لها فإنّ لجبال الأمل صلابة لا مثيل لها، ونحن لدينا رجال شوامخ كالجبال من رحم اليأس يستولدون الآمال شعارهم في المعركة أن تهزمونا هذا محال.

*مستشار في القانون الدولي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى