أولى

التعليق السياسي صاروخ في محيط ديمونا:
ما التداعيات؟

 العميد د. أمين محمد حطيط _

بشكل صدم «إسرائيل» على مستوياتها كافة، انفجر صاروخ يحمل رأساً حربياً متفجراً من 200 كلغ في محيط مفاعل ديمونا في النقب بعد أن اطلق من سورية، قاطعاً مسافة 200 كلم فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة متحدياً منظومة الدفاع الجوي «الإسرائيلي» من قبة فولاذية وسواها، تلك المنظومة التي تعيش منذ أسبوعين حالة جهوز واستنفار قصوى فرضت بعد أن اعتدت «إسرائيل» على أهداف إيرانية وسورية وتصوّرت بأنّ الردّ لا بدّ آتٍ لأنّ المستهدف لا يمكنه السكوت على هذا التحرّش الذي من شأنه الإخلال بقواعد الاشتباك وبمعادلات الردع الاستراتيجي القائمة بين العدو وبين محور المقاومة.

بيد أنه من اللافت أنّ العدو «الإسرائيلي» وفي محاولة للتخفيف من وقع الصدمة ادّعى أنّ الصاروخ هو صاروخ أرض – جو طائش أطلق من الأراضي السورية على طائرة «إسرائيلية» كانت تعتدي على أهداف شمال شرقي دمشق في منطقة الضمير السورية، لكنه ضلّ طريقه وأخطأ الطائرة وتابع مساره حتى وصل إلى النقب على بعد 280 كلم من منطقة الأهداف في سورية!؟ رواية إسرائيلية تبريرية وتخفيفية ليس من شأنها إلا أن تثير سخرية ليس الخبراء فحسب بل حتى الأشخاص   العاديين الذين لديهم بعض إلمام ببعض الأمور المتصلة بعالم الصواريخ وآلية استعمالها، فالرواية «الإسرائيلية» لا تصلح أبداً لتفسير هذه المسألة التي نعتقد أنّ حقيقتها في مكان آخر. فما هي طبيعة هذا الصاروخ، وما هو الدافع إليه، وما هي التداعيات المترتبة عليه؟

في مقاربة أولية نستبعد بشكل شبه مطلق أن يكون هذا الصاروخ صاروخ أرض – جو كما يزعم العدو وبأنه كان يستهدف طائرة معادية اخترقت الأجواء السورية، حيث أنه لم يسجل طيران معاد في الأجواء السورية لحظة إطلاق الصاروخ، ثم أنّ العدوان «الإسرائيلي» الذي حصل تمّ عبر الجولان بصواريخ «إسرائيلية» أطلقت من داخل الأرض المحتلة في فلسطين والجولان، وأنّ المنطقة المستهدفة بهذه الصواريخ تقع على مسافة 40 كلم شمال شرق دمشق، وبالتالي تكون الرواية «الإسرائيلية» منافية للمنطق والحقيقة، فالصاروخ كما يبدو من حيثياته وحيثيات إطلاقه هو صاروخ أرض- أرض أطلق من سورية ليحمل رسائل ويثبت قواعد طالما هربت منها «إسرائيل».

وهنا نذكر بالقرار السوري بإسقاط طائرة «أف 16 الإسرائيلية» التي دمّرت بصاروخ أطلقته منظومة الدفاع الجوي السوري وكان كافياً ليفهم «إسرائيل» بأنّ الأجواء السورية استعادت مناعتها وأعيد إغلاقها بوجه طيران العدو، ولذلك نرى أنّ هذا العدو يتجنّب انتهاك الأجواء ويستعمل أجواء الجولان المحتلّ أو الأجواء اللبنانية لتنفيذ اعتداءاته على سورية من أجل خدمة أهداف الحرب الكونية والأعمال الإرهابية التي تشنّ عليها.

واليوم يبدو أنّ هناك قراراً استراتيجياً كبيراً اتخذه محور المقاومة يتصل بالردّ على الانتهاك «الإسرائيلي» المتكرّر للسيادة السورية ومتابعة ارتكاب الجرائم العدوانية على الأرض السورية، الجرائم التي لم تتوقف ولم يفلح مجلس الأمن الدولي باتخاد أيّ تدبير لوقفها رغم عشرات الرسائل التي وجهتها الحكومة السورية إليه بهذا الصدد. كما أنّ هذا القرار ما يبدو له صلة أيضاً بالتحرّشات «الإسرائيلية» العدوانية الأخيرة ضدّ أهداف إيرانية في «نطنز» حيث المنشأة النووية الإيرانية التي أضرم فيها حريق نتيجة عمل تخريبي بيد «إسرائيلية»، أو في البحر حيث استهدفت سفن إيرانية تجارية متجهة إلى سورية. ما يعني أنه وكما نجحت سورية في إقفال أجوائها عبر إسقاط طائرة العدو فإنّ محور المقاومة يكون قد خطا خطوة كبيرة في اتجاه رسم مشهد جديد في المنطقة لن تكون «إسرائيل» مطمئنة اليه.

فصاروخ ديمونا يمكن وصفه بالعمل التحذيري – الإنذاري الذي ينذر العدو «الإسرائيلي» بأنّ هناك مشهداً جديداً يتشكل في المنطقة قائماً على حقيقة فهم محور المقاومة للحقائق والوقائع التي يرى فيها مدى وهن البنية الدفاعية «الإسرائيلية» ومدى وهن منظومته الدفاعية، من جهة، ومن جهة أخرى يؤكد على القرار بالمواجهة والتصدي واستهداف مناطق أو أهداف ذات حساسية وخصوصية مفرطة لدى كيان العدو، مشهد يؤكد فيه محور المقاومة أن لا حصانات لأيّ منطقة أو أهداف ولا مناعة تمنعه من استهدافها بما في ذلك المنشأة النووية التي ضمّها صاروخ ديمونا اليوم إلى بنك أهداف محور المقاومة، وهو فعل نعتقد أنّ «إسرائيل» تفهمه جيداً وتفهم تداعياته وتبعاته.

ومع هذا الصاروخ الذي حمل من يقطن في محيط ديمونا من «الإسرائيليين» حملهم على الهرب مرعوبين وترك مهاجعهم بحثاً عن أماكن آمنة يكون محور المقاومة قد خط المسار إلى معادلات ردع متطوّرة وفرض قواعد اشتباك أكثر صرامة وقسوة على العدو، ما يجعلنا نوجز نتائج هذا الصاروخ بالتالي:

1 ـ أثبت صاروخ محيط ديمونا وهن «إسرائيل» في البنية الدفاعية وأكد وهن القبة الفولاذية وما شاكلها لديها.

2 ـ أسقط الحصانة والمناعة التي كانت تظنها «إسرائيل» لمنشآتها النووية.

3 ـ وسّع دائرة تشكيل بنك الأهداف لدى محور المقاومة ولوّح للمرة الأولى بإمكانية إدخال المنشأة النووية فيها.

4 ـ طوّر معادلات الردع الاستراتيجي مع العدو، الذي يجد نفسه اليوم وبعد أن انتزعت منه ورقة قرار الهجوم والحرب الآمنة له، تنتزع منه اليوم ورقة الحرية بالقيام بأعمال التخريب والتحرّش والإرهاب والإجرام ضدّ محور المقاومة.

5 ـ منح الصاروخ وبطريق غير مباشرة نوعاً من الحماية للمباحثات الدائرة حول الملف النووي الإيراني وأشعر «إسرائيل» بأنّ طيشها إذا عملت به ضدّ إيران لن يمرّ دون عقاب لا تحتمله.

* أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى