أولى

أوكرانيا: قوميّون أو متطرفون؟!

 طارق الأحمد*

 إلى إدارة قناة روسيا اليوم العربية والقائمين على الإعلام الروسي:

في متابعتنا لمجريات الأحداث في أوكرانيا وكلّ ما يتعلق بها، لفتنا استخدام مراسليكم وقناتكم لمصطلح: (القوميون المتطرفون الأوكرانيون)، نحن حقيقة نجد أنّ هذا التعبير غريب ويتناقض مع جوهر الواقع، ونحن إذ نطرح اعتراضنا على استخدام هذا المصطلح فإننا لا نعتبر أبداً أننا نثير ههنا قضية هامشية في مجريات هذه الحرب الدائرة، وإنما نعتقد بأنّ مدلولها المركزي والفكري يتعلق بصلب فهمنا لهذه الحرب الدائرة، ويتعلق أيضاً بموقفنا الأساسي منه وذلك للأسباب التالية:

أولاً: نحن لا نعتبر أنّ فكراً قومياً يمكن أصلاً أن يكون متطرفاً، وذلك انطلاقاً من فهمنا للقومية وفق ما أتى بها معلمنا وفيلسوف نهضتنا القومية الاجتماعية الزعيم أنطون سعاده، وعندما نتحدث عنه معكم هنا فإننا لا نتحدث عن مفكر وزعيم من سورية وإنما هو زعيم ومفكر وفيلسوف من سورية إلى العالم كله، لأنّ ما أتى به يصلح حقيقةً لكي يكون فكراً عالمياً ولدينا الحجة والرغبة في فتح هذا الحوار حول هذا الفكر لنقنع العالم كله بأنّ الكثير مما أتى به يصلح لكي يكون ترياقاً لمشاكل وأزمات هذا العالم الخانقة وترياقاً أساسياً للمعضلة الكبيرة التي تنزف دماء جنودكم حالياً من أجلها، على أرض تشكل امتداداً جغرافياً طبيعياً لأمتكم، كما تذهب أيضاً دماء ضحايا أبرياء نتيجةً لذلك.

وقبل أن نغوص كثيراً وبعيداً في شرح هذا المبدأ فإننا نقترح عليكم استخدام تعبير (العنصريون الأوكرانيون المتطرفون).

ثانياً: إننا وبهذه المناسبة نعتقد أنّ الفكر القومي هو الفكر الذي يجلب السلام إلى الشعوب، كما أنه يشكل الفكر الذي يمنع الشرور التي تريد أن تفتت الدول والأمم تماماً حيث نجد أنّ التفتيت قد طال أمماً ودولاً كثيرة يمكن أن تحقق وحدتها الطبيعية، كما جرى في يوغسلافيا على أساس عرقي وإثني وطائفي بغيض أتى به الغرب وفتت أمةً ودولةً بحدود طبيعية واحدة متداخلة وجعلها تقتتل فيما بينها ولا تقوم لها قائمة.

 كما فتت الاستعمار البريطاني والإنكليزي ثم الأميركي دول أفريقيا على أساس عرقيٍ وقبلي لا قومي وجعلها تعيش إلى الآن حالة من عدم الاستقرار، وكما فتت أصلاً وأساساً وفق مفهومنا أمتنا السورية الطبيعية إلى دول عديدة وكيانات عديدة وجعلها بحالة لا استقرار ولا يسمح لها حتى بأن تقيم العلاقات الاقتصادية أو حركة مرور الناس والأقارب من عائلة واحدة بين بيروت وطرابلس في لبنان وحمص والبقاع ودرعا وإربد والميادين والرمادي في العراق، وغيرها من تلك المناطق التي تتمتع بطيف سكاني واحد ومن عائلات واحدة فكيف وهم ينتمون إلى أمة واحدة؟

ثالثاً: نحن نعتبر أنّ الفكر القومي هو الفكر الصحيح لإدارة الأمم وإدارة الدول في العالم كله وهو يعتمد على وجود حدود طبيعية خلقت مع الطبيعة، وجعلت حركة السكان في حالة تفاعل أفقي في ما بينهم عبر الدهور والعصور التي نعرفها في الزمن الجلي، أو عبر تفاعلهم العمودي مع الطبيعة سواء المناخ أو الأرض والذي يضفي على حركتهم نمطاً معيًناً يجعلهم يتمتعون بسمات مشتركة تشكل عوامل طبيعية لحياة هؤلاء ضمن بيئة ومتحد طبيعي واحد، وبالتالي يصبح هذا العالم كله على أنماط متنوّعة نراها نحن كبستان يحوي أزهاراً ورياحين متعددة، ولا يحوي لوناً واحداً ولا يسود لون على لون لأنّ كلّ ألوان الطبيعة هي ألوان جميلة ومطلوبة وحتى أنّ شوك الأزهار له فائدة لحمايتها بالإضافة إلى تنوّعه الطبيعي الذي يشكل غنىً للبشرية.

رابعاً: إنّ الانطلاق من الفكر القومي يعني أن نرى حقكم في أن تمنعوا وجود فكر عنصري نازي فاشي، وبالمناسبة هو النقيض الأساسي للفكر السوري القومي الاجتماعي الذي أتى به أنطون سعاده، وأكبر دليل على ذلك هو من يدخل لاستقراء الأسس المركزية التي قامت عليها الأفكار النازية والفاشية والهتلرية التي تقوم على صفاء العرق والسلالات، وادّعاء تميّزها عن غيرها ونقيضها الرئيسي التي قامت عليه القومية الاجتماعية وفق سعاده، التي قامت على فكرة المتحد الواحد الناتج عن تزاوج وتمازج السلالات المتنوعة والمختلفة ويعبّر عنها بالمعادلة التالية (These+Antithese  يعطي Synthese) أيّ أنّ حتى النظريتين المتعارضتين أو المتمايزتين بتمايزهما تخلق نظرية واحدة هي النظرية القومية أي تخليق واحد في النهاية يحمل صفات كلّ العناصر المكونة له، وهذا أكبر دليل على التناقض الرئيسي والجوهري بين فكرنا القومي والاجتماعي وبين النازية الفاشية.

خامساً: إننا ننطلق حين نؤيد أيّة معركةٍ تقوم من أجل الدفاع عن الإنسان، والإنسان هنا نعني به أيضاً الإنسان المجتمع الذي أتى به أنطون سعاده، أيّ الدفاع عن المجتمعات وبالتالي من حق الدول والأمم وواجبها أيضاً أن تمنع الشرور على إنسانها وعلى مجتمعاتها وشعوبها، وبالتالي فحين نقف لكي نمنع ونصدّ العدوان الذي أتى به الغرب وجعل يخلق الحركات والنزعات القائمة على التفرقة الطائفيّة والعنصرية والإثنية والعرقية في المناطق المختلفة. فمن هذا المنطلق نفسه نقول بأننا نقف مع من يريد أن يبعد عن أمته شرور التفرقة العنصرية، وهذا ما حصل تماماً حين تابعنا الأخبار عن قيام العنصريين الأوكرانيين بقيادةٍ مرتبطةٍ بفكر صهيوني مدعوم من الغرب أتى برئيسٍ مهرّجٍ على رأسه يدعم حركات عنصرية تقوم بالاعتداء على جزء من الشعب فقط لأنه ينتمي إلى القومية الروسية، وبالتالي هذا نوع من أنواع العنصرية الذي نجد أنه يحتاج إلى الاستئصال والزجر ومن هنا يأتي موقفنا المؤيد للحق في محاربة كل فكر فاشي وعنصري، وهو ما تقومون به.

سادساً: وفي المقابل أيضاً نعتبر بأنّ الوقوف مع كلّ حركات التحرر العالمية الذي ننتظر من روسيا أن تعلن وقوفها الجلي معه وخاصةً حق أبناء الجنوب السوري أبناء فلسطين في العودة لأرضهم وتحرير فلسطين هو من أساسيات المعايير النزيهة للموقف الواحد الذي يجب أن يجلب السلام لكلّ العالم.

سابعاً: ومن هنا نعتقد أيضاً أنّ الموقف الصحيح هو إعلان جبهة عالمية تضع أسساً فكرية للوقوف في وجه ما يتهدّد بهذا العالم، وبالأخص الاحتلال الأميركي والتركي لأراضٍ في سورية والعراق الذي يشكل تهديداً شديداً لمصالح شعبنا ويشكل ضرراً عليكم ومجالاً للعب المشاريع الانتهازية من قبل حكومة العدالة والتنمية في تركيا، كما يسمح للأميركان بالاستمرار بالعبث في منطقتنا وسرقة النفط والموارد الطبيعية الأخرى.

أخيراً فإننا نعتبر بأنّ الموقف يتأتى من أسباب محدّدة لها علاقة بما نؤمن به وينسجم مع عقيدتنا ومصالح شعوبنا المشتركة ومن أجل تحقيق السلام والازدهار لكلّ العالم ومن أجل منع الشرور، وليس العكس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى