أولى

التعليق السياسي

لاستقرار في لبنان أهم من أي تغيير

– في لبنان ونظامه ونمط الحياة التي يفرضها على مواطنيه، سواء في حالات الاستقرار أو الاضطراب، ما يكفي لنشوء دعوات واسعة وشاملة للتغيير، ولذلك يبدو مستحيلاً توقع أن تموت الدعوات للتغيير، في نظام قائم على التخلف الذي تشير إليه صيغة النظام الطائفي، ونظام مشبع بالفساد ومتخم بالمحاصصة، وبعيد عن أي تفكير جدي بالتخطيط وحسن إدارة الموارد، والتغيير الذي يبدأ من الحركة المطلبية ولا ينتهي في الحركات السياسية الساعية لإحداث تغيير جوهري في النظام يضمن بناء دولة يستحقها اللبنانيون، وتلبي لهم حقوقهم وتطلعاتهم.
– في كل مرة كان اللبنانيون يعتقدون أنهم يخوضون مخاض التغيير، وتقول لهم الوقائع إن هناك مداً شعبياً داعماً واسعاً لصالح التغيير، كانت الأحداث اللاحقة توقظهم على تحول الحلم الى كابوس حيث لا يحول الفقر ولا تفشي الفساد ولا ضياع الأموال واتساع نطاق البطالة وتعمّق المحسوبيات، دون اصطفاف الأغلبية الشعبية وراء المتاريس الطائفية، التي تشعل حروباً أهلية أو تنشئ انقساماً وطنياً أشبه بحرب أهلية باردة، تضع النقاش حول وحدة البلد على الطاولة.
– في كل مرة كان اللبنانيون يخوضون غمار مشروع للتغيير، كانوا يكتشفون أن الخارج المعني بقوة بما يجري في لبنان، من موقع لبنان وتأثيره على توازنات الصراعات الإقليمية، خصوصاً أمن كيان الاحتلال والمواجهة معه، لكنهم كانوا عندما يتموضعون طائفياً يذهبون للعب بنار التدخلات الخارجية بدلاً من أن يردعهم التدخل الخارجي للبحث عن استعادة وحدتهم الوطنية، على الحد الأدنى من التفاهمات الممكنة، ولم تكن الاستحقاقات الدستورية المؤجلة إلا تعبيراً عن تعمق هذا الانقسام ورهن لبنان تدريجياً لحسابات الخارج.
– العبرة الرئيسية التي قالتها التجربة اللبنانية، هي أن شيئاً ما حدث خلال هذه المسيرة المعقدة والمليئة بالخيبات والإخفاقات، وهو أن صعود المقاومة في لبنان شكل عامل إشباع لحاجة الخارج المؤمن بالمواجهة مع كيان الاحتلال، وعامل ردع للخارج الداعم لكيان الاحتلال وللكيان نفسه، لكن ذلك لم يكن كافياً لتحقيق وحدة لبنانية حول المقاومة باعتبارها عنصراً رئيسياً من عناصر الاستقرار.
– التجربة تقول إن كل حلم بالتغيير مهما كان واعدا، عندما يتسبّب بهز الاستقرار فهو يدخل في مرحلة الفشل، ويعيد لبنان إلى سياقات أشد تشوها وتجذرا في الطائفية، فيضيع التغيير ويتهدّد الاستقرار، وهذا يعني أن كل وصفة للتغيير لا تتضمن رؤية واضحة لكيفية عدم المسّ بالاستقرار محكومة بالفشل ومصدر للخراب.
– في مقاربة الاستحقاق الرئاسي اليوم يطرح السؤال حول الخيارات، والسؤال الجوهري هو أي من الخيارات يملك أعلى فرصة لتحقيق الاستقرار، وفي قلب هذا الاستقرار الحفاظ على المقاومة، ليصير بند الحفاظ على المقاومة مطروحاً بوجه كيفية إدارة الصراع معها تحت سقف الاستقرار من قبل خصومها، هو الشقّ الذي يخصّهم من السؤال، ويصير بنداً أعلى فرصة لطمأنة الخصوم حول الاستقرار مطروحاً على حلفاء المقاومة وهو الشق الذي يخصهم من السؤال.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى