أولى

سورية بالفعل قلب العروبة النابض

‭}‬ معن بشور
شريان الأخوّة العربية الى سورية المنكوبة والمتدفّق من لبنان وفلسطين والعراق ومختلف الدول العربية، حكومات وشعوباً، منظمات وأفراداً، يتجاوز في أهميته البعد الإنساني الى أبعاد قومية وإسلامية، أخلاقية وسياسية.
فهو على الصعيد الإنساني تأكيد على عمق الروح الإنسانية في أمتنا، والتي تتجاوز في عمقها ودلالاتها، كل محاولات التفرقة بين أبناء أمة واحدة، بل تؤكد انّ أمتنا ما تزال تولي الاعتبارات الإنسانية ما تستحقّه من اهتمام يتجاوز كلّ الحساسيات والحسابات الضيقة.
وهو على الصعيد الأخلاقي يعبّر عن مدى ما تتمتع به شعوبنا من وفاء تجاه سورية التي ـأسماها يوماً الرئيس الخالد الذكر جمال عبد الناصر «قلب العروبة النابض».
فالفلسطينيون رغم ظروفهم الصعبة التي يفرضها عليهم الاحتلال، من عنف يومي، وإغلاق مناطق ومخيمات وحصار مستمر منذ حوالي العقدين على غزة، لا ينسوا أن الشيخ عز الدين القسّام جاء من جبلة، وان سعيد العاص الشهيد على أرض فلسطين جاء من حماة، وأن مطران القدس المقاوم ايلاريون كبوجي جاء من حلب، وأنّ البحار الشهيد جول جمال جاء من اللاذقية، وانّ سورية بكلّ مناطقها قد فتحت أبوابها لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين شرّدتهم نكبة 1948، وانّ سورية قدّمت آلاف الشهداء في معارك الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وانّ أبناء الجولان السوري يشاركون الفلسطينيين عذابات الاحتلال منذ 55 عاماً، وانّ المقاومة الفلسطينية قد أنطلقت من قلب سورية عام 1965، وأنّ سورية بقيت أمينة على هذه المقاومة، فلسطينية أو لبنانية أو عراقية…
أما لبنان فلا ينسى أهله تلك العلاقة المميّزة، بينه وبين سورية، وهي علاقة مصير ومسار واحد، كما لا ينسون تضحيات الجيش العربي السوري على أرض لبنان في بيروت والجبل والبقاع والجنوب في وجه الاحتلال الإسرائيلي، كما لا ينسون كيف فتحت مدن سورية ذراعيها لمئات الآلاف من اللبنانيين في كلّ اللحظات الصعبة التي مرّوا بها خلال الحروب التي عاشها لبنان، لا سيّما يوم اضطر الآلاف منهم للجوء الى سورية خلال حرب تموز 2006، ناهيك عن دور سورية في احتضان المقاومة اللبنانية، الوطنية والإسلامية، الباسلة قبل التحرير وبعده.
أما العراقيون فكيف ينسون موقف سورية، شعباً وقيادة ورئيساً، في رفض الحصار والحرب والاحتلال عام 2003، والتي جسّدها خطاب الرئيس بشار الأسد في قمّة شرم الشيخ في 1/3/2003، وكيف وجد أكثر من مليوني عراقي في دمشق والمدن السورية ملاذاً آمناً لهم بعد احتلال بلدهم، وكيف واجهت دمشق تهديدات واشنطن للامتناع عن دعم مقاومة الشعب العراقي ضدّ الاحتلال، كما لا ينسى العراقيون لجان نصرة العراق في سورية قبيل الاحتلال عام 2003، والتي كان يرأسها المناضل العروبي الكبير منصور سلطان الاطرش (رحمه الله) والتي عمّت كلّ الأراضي السورية.
وفي الجزائر، التي كانت طائرتها هي الأولى التي نزلت الى مطار دمشق بعد الزلزال المدمّر لتعبّر عن وفاء الجزائر لدعم سورية اللامحدود لثوراتها التحررية وآخرها عام 1954، وحيث توجه العديد من شباب سورية، الى معسكرات الثورة ليشاركوا أشقاءهم الجزائريين في ثورتهم التاريخية..
ومصر لا تنسى سورية الإقليم الشمالي في الجمهورية العربية المتحدة ، وشريكتها في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر، ودور أبطالها في تلك المواجهة (جول جمّال وتفجير بارجة جان بارت) وقبله سليمان الحلبي الذي اغتال القائد العسكري البريطاني كليبر، ناهيك عن شراكة مصر وسورية في نكسة حزيران 1967، كما في انتصار تشرين الأول 1973، كما في يوم أزمة القمح عام 1976 حين تبرّعت سورية بنصف مخزونها الاحتياطي لنجدة مصر المحاصرة آنذاك.
وتونس الخضراء لا تنسى موقف سورية «يوم الجراد» الذي قضى على محصول القمح التونسي كله، فكان القمح السوري هو البديل.
وفي اليمن، فكيف ينسى اليمنيون الطائرات العسكرية التي انطلقت الى صنعاء يوم حصارها المشؤوم عام 1968، كما لا ينسى اليمنيون احتضان سورية لثورتهم في جنوب اليمن ضدّ الاستعمار البريطاني…
اما شعوب الخليج والجزيرة العربية فلا تنسى مواقف سورية الى جانبها في العديد من الأزمات التي واجهتها عبر العقود الماضية، فيما لا تنسى دول المغرب العربي والسودان وقفات دمشق الى جانبهما في معظم المعارك التي فرضت عليهم..
انّ هذا التفاعل والتضامن العملي بين سورية وأشقائها العرب وقضاياهم هو الذي جعلها هدفاً دائماً للحروب والفتن والحصار الاستعماري ـ الصهيوني عليها، والتي بلغت ذروتها في الحرب الكونية عليها وفيها، والمستمرة منذ 12 سنة، والتي لم تكن تستهدف تدمير سورية الدولة والمجتمع فقط، بل تدمّر علاقة سورية بهويتها العربية وهي التي كانت تدرك على الدوام أنّ العروبة ليست مجرد هوية ثقافية وتاريخية وحضارية لها فحسب، بل العروبة هي ضمان أمنها الاستراتيجي وأفقها الاقتصادي ونهوضها الحضاري..
واذا كانت المساهمات من دول عربية وإسلامية وصديقة عبّرت عن مكانة سورية في الأقليم والعالم، فإنّ المطلوب استكمال هذه المساهمات بالانخراط في المعركة العربية والإقليمية والعالمية لكسر الحصار على سورية الذي حذرّنا منذ سنين من مخاطره وآثاره الضارة على الشعب السوري، وجاء الزلزال المدمر ليوضح فداحة هذه المخاطر والأضرار ويتسبّب بارتفاع أعداد ضحاياه ومشرّديه الى أرقام كبيرة..
واليوم تشكّل هذه الهبّة الشعبية العربية لإغاثة سورية، حقيقة إنّ سورية بالفعل هي قلب العروبة النابض وأنّ ما قدمته لأشقائها دون منّة أو استعراض لا يمكن لهم أن ينسوه، بل أن هذه الهبّة الشعبية العربية والإسلامية، ولأبناء الدول الصديقة ستستكمل بمعركة إسقاط الحصار على سورية، وإسقاط الهيمنة الاستعمارية والصهيونية على الأمّة والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى