لبنان السياسيّ مصاب بكورونا ليس لها لقاح
} د. وفيق إبراهيم
السؤال المطروح اليوم وبقوة، هو الى متى يستطيع لبنان السياسي وبالتالي الشعبي الصمود بعد إصابة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بجائحة الكورونا التي ترغمه على عزل نفسه لأسبوعين على الأقل في إحدى زوايا قصر الاليزيه الفرنسي؟
وهذا يعني أنه لن يحضر الى لبنان حسب الموعد الذي كان مقرراً في الثاني والعشرين من الشهر الحالي.
قد يقول متابعون، إن هذا أمر عادي بالإمكان التعويض عنه بزيارة أخرى قريبة خلال كانون الثاني المقبل.
إلا أن طبيعة المأساة السياسية التي يمرّ في ها لبنان يشعر على الفور عمق تداعيات هذا الإرجاء على المشهد اللبناني سياسياً وشعبياً.
تكفي هنا الإشارة الى الهاوية الاقتصادية السحيقة التي يستقر فيها لبنان والخطر الإسرائيلي المتفاقم والانسداد السياسي الداخلي في العلاقة بين قواه السياسية والتخلي الخليجي – العربي عنه وبالكامل، والاستنفاد الكامل لاحتياطاته في مصرف لبنان المركزي والسطو على أموال المودعين.
وصولاً الى العجز الرسمي عن الاستمرار في دعم السلع الاساسية، بشكل لم يعُد فيه لبنان دولة بوسعها الاستمرار وقد يذهب نحو انفجارات داخليّة بأنواعها الطبقيّة والسياسيّة والطائفيّة، الى جانب احتمال لاعتداءات ومحاولات اغتيال ومناوشات مناطقية، فالجوع والإفقار وسيلتان للتفجير الاجتماعي والمتعدّد الأبعاد.
لبنان اذاً في خيارات مقفلة الى حدود العداء، حتى أن الأميركيين يشدّدون الضغط عليه حتى خنقه وذلك للسيطرة على آبار الغاز اللبنانية وتجريد حزب الله من سلاحه، والخلافات الداخلية بين قواه تصيب السياسة اللبنانية بشلل بنيويّ.
ضمن هذه المعطيات أراد ماكرون في زيارته التي كانت مرتقبة الى لبنان، إحداث خرق في جدار الأزمة، مستفيداً من الانسدادات الكاملة لجهة الأدوار السياسية الإقليمية والدولية وذلك لإفهام الداخل أن حبل نجاتهم قصير جداً وليس لديهم الا العرض الفرنسي الذي كان يحمله وسيلة لوقف الانهيار.
فزيارة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى الكاردينال الراعي منذ يومين تبدو شديدة الارتباط بزيارة ماكرون، وكأنها كانت تقلب الزوايا قبل وصوله في محاولة للعثور على تسويات مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير السابق جبران باسيل.
المهم هنا، أن ماكرون أرجأ زيارته حتى إشعار صحي آخر، فما هي تداعياته على لبنان السياسي؟
تبدو الأمور مصابة بانسداد كامل لأن القوى الداخلية لا تمتلك قراءات كاملة للمشهد اللبناني، فما يهمها هي مصالحها في التسويات وليس اختراع تسوية ببعدها الوطني. حتى أن أكبر زعيم لبناني لا يهتم بالعادة إلا بما يمثله من الوزراء على مستوى العدد والأسماء وليس إلا.
هذا يعني وجود انسداد داخلي كامل، الى جانب تجاهل عربي وصولاً الى حدود الإصرار الخليجي على تجريد حزب الله من سلاحه مع اهتمامات أميركية لا تتعلق ابداً بتشكيل الحكومة. هذه هي مظاهر الانسداد الخطير وهو أصلاً لم يكن قيد حل سحري كان يفترض بماكرون أن يحمله معه.
فالرئيس الفرنسيّ كان يحاول الاستفادة من هذا الانسداد الداخلي لفرض حل سياسي.
وبما أنه أصيب بكورونا، فيبدو طبيعياً أن يجري تأجيل المساهمة الفرنسية الى مراحل لاحقة.
لكن المشكلة تتعلق بعجز لبنان عن الانتظار. فما هو الحل؟
لبنان السياسي مصاب بالجائحة الكورونية أكثر من ماكرون! لكن الإسراع بتنظيم مبادرة بين الكاردينال الراعي والرئيس نبيه بري بإسناد من حزب الله، يبدو أنه الحل السحري لتشكيل حكومة مستقلين وبشكل سريع، يحدّ من سرعة الانهيار معطياً الفرنسيين فرصة للعلاج من آثار الكورونا مع العودة الى تنظيم مؤتمرات دعم لصالح لبنان.
هناك عوامل بوسعها مساعدة بري – الراعي في مشروعها وهو الدور المصري المدعوم من جامعة الدول العربية، فهذا الإسناد له مهمة أساسية وهي سحب العداء الخليجي لأي تسوية لبنانية، وإلغاء إصراره على تجريد حزب الله من سلاحه.
بذلك تكتمل الشروط المطلوبة لتشكيل حكومة لبنانية لن تكون كافية لاكتساح المخاطر من دون دعم فرنسي، مصري يستطيع أن يجد حلاً مع الأميركيين والخليجيين.
لكن المهم اولاً التنسيق بين الرئيس نبيه بري والكاردينال الراعي، الذي يشكل الآلية الوحيدة لإنقاذ لبنان السياسي مما يصيبه من كورونا سياسية تكاد تفتك به.
لذلكـ فالمطلوب العودة الى وحدة المعايير في انتقاء الوزراء وعملية التشكيل بما يضمن سرعة في التأليف مع تزويد الحكومة جرعات قوة، وحيازتها أكبر قدر ممكن من تأييد القوى السياسية والطوائف.
هل هذا ممكن؟
تجب تهيئة الظروف الداخلية لمجابهة الاستحقاقات الدائمة، مع المباشرة بمعادلة بري – الراعي لما تحتويه من توازنات وطنية وطائفية تعيد الحوار الذي يجب ان يكون سريعاً بين الرئيسين عون والحريري.
اما اذا استمرت المناوشات فإن لبنان السياسي والشعبي معرض للإصابة بكورونا قاتلة لن ينجو منها احد.
فأيهما أفضل؟ بقي على الرئيس بري صاحب المفاجآت ان يخرج أرنباً رشيقاً وسريعاً يلعب دور الآلية الضرورية لإيجاد تسوية قد تمنح لبنان وقتاً لتأمين مصادر صموده الداخلي والإقليمي والدولي.