أولى

القضيّة الفلسطينيّة والطريق الوحيد لحلها!

 د. محمد سيد أحمد*

 

ليست المرة الأولى التي نكتب فيها عن فلسطين، ولن تكون الأخيرة بالطبع ما دام في العمر بقية من وقت، وما دام في الجسد المنهك قلب ينبض ببطء، وفي الشرايين دماء تتدفق بصعوبة. فالقضية الفلسطينية لكلّ قومي عربي هي قضيتنا المركزية، وفي كلّ مرة يحدث عدوان صهيوني على الشعب الفلسطيني البطل المرابط فوق التراب المحتلّ في فلسطين العربية نعاود الكتابة من جديد، ومع كلّ مرة نذكّر بأنّ ما شهدته الأرض العربية الفلسطينية واحدة من أهمّ الجرائم العالمية التي ارتكبت في تاريخ البشرية، فعلى مدار التاريخ الإنساني بأكمله لم يتعرّض شعب لعملية اقتلاع من أرضه ووطنه كما حدث لأبناء شعبنا العربي الفلسطيني، وتعدّ هذه الجريمة مكتملة الأركان لأنها تمّت مع سبق الإصرار والترصد، حيث تمّ اغتصاب وطننا العربي الفلسطيني من خلال عدو صهيوني غاشم، ارتكب جريمته بشكل منظم وممنهج، حيث نشأت الفكرة الشيطانية مبكراً، ووضعت المخططات، وتمّ تنفيذها عبر المراحل التاريخية المختلفة.

ويُعدّ الفيلسوف والكاتب والصحافي الاشتراكي الألماني «موشي هس» صاحب كتاب «روما وأورشليم» عام 1862 من أوائل من طرح فكرة انبعاث الأمة اليهودية، لكن الفكرة دخلت حيّز التنفيذ مع بداية الظهور الفعلي للحركة الصهيونية والتي تمّ إنشاؤها على يد ثيودور هرتزل والذي كتب في يومياته عام 1895 حول موقف الحركة الصهيونية من العرب الفلسطينيين «سنحاول نقل الشرائح الفقيرة إلى ما وراء الحدود، بهدوء ودون إثارة ضجة، بمنحهم عملاً في الدول التي سيُنقلون إليها، لكننا لن نمنحهم أيّ عمل في بلادنا».

وبدخول فلسطين تحت الانتداب البريطاني في عام 1920 انتقلنا إلى مرحلة جديدة من الجريمة حيث بدأت بريطانيا في مساعدة الصهاينة من أجل التوسع في بناء المستوطنات داخل مستعمراتها، حيث ارتفعت نسبة الاستيطان وصولاً إلى قيام الكيان الصهيوني وتشريد الشعب العربي الفلسطيني من أرضه ووطنه.

وبدأت مرحلة جديدة في نهاية عام 1947 بموافقة بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني على قرار التقسيم 181 كشرط دولي للاعتراف بالكيان، وكان يدرك أنّ بقاء أقلية عربية فلسطينية في القسم الصهيوني ستتعاظم وقد تصل إلى حدّ التوازن الديموغرافى، فلجأت العصابات الصهيونية إلى أساليب الترويع والطرد وارتكبت المجازر بأبشع صورها وشرّدت العائلات الفلسطينية من ديارها وقراها ومدنها واستولت على ممتلكاتها واستوطنت أراضيها.

ومنذ إعلان قيام الكيان الغاصب وحتى اليوم يمارس العدو الصهيوني أبشع الجرائم والاعتداءات ضّد شعبنا العربي الفلسطيني وعلى مدار الساعة، تحت سمع وبصر العالم أجمع وبالمخالفة للمواثيق والعهود الدولية، والعجيب والغريب أنّ النظام الدوليّ الذي وضع هذه المواثيق والعهود قد أغمض عينيه على هذه الجريمة البشعة، بل ويقف في صف المغتصب، بل وصل فجره بوصف الشعب العربي الفلسطيني المجني عليه حين يدافع عن نفسه وأرضه ووطنه بالإرهابي، وهذه أحد أهمّ سمات هذا النظام العالميّ الذي يكيل بأكثر من مكيال في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وكم من جرائم ترتكب باسم حقوق الإنسان وتحت مظلة منظماته الدولية المزعومة.

ومع نضج مشروع الشرق الأوسط الجديد وانطلاق شرارة الربيع العربي المزعوم، وقف العدو الصهيوني يترقب من بعيد النيران التي أشعلت في البلدان العربية، على أمل أن ينجح مخططه لابتلاع فلسطين كاملة، وعلى الرغم من فشل المشروع بفضل صلابة وبسالة الجيشين المصري والسوري إلا أنّ ما حدث على الأرض الفلسطينية يعني أنّ العدو الصهيونيّ قد نجح في جزء من مخططه، وهو أن ينشغل كلّ بلد عربي بقضاياه ومشكلاته وصراعاته الداخلية، لينفرد العدو ببقايا شعبنا العربي الفلسطيني الصامد والمقاوم عبر عقود طويلة في مواجهة الكيان المغتصب لدرجة أنه وبمفرده تمكن من الانتفاضة ضدّ هذا الكيان الغاصب عدة مرات خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

ومع كلّ مرة ينتفض فيها شعبنا الفلسطيني لا يلقى مساندة ودعماً إلا من الشرفاء في هذه الأمة، وبالطبع حين نقول الشرفاء نستثني من ذلك الخونة والعملاء والمطبّعين مع الكيان المغتصب، ومعهم الفصائل الإرهابية الصهيونية وفي مقدّمتها الفصيل الصهيوني الإخواني، وكذلك الفصيل الصهيوني الداعشى الذي صرّح ذات يوم بأنّ الإسلام لم يدعُهم لمحاربة الكيان الصهيوني، ولا يمكن أن أستثني أيّ مواطن عربي أغمض عينيه عن المجازر الصهيونية التي ترتكب يومياً ضدّ شعبنا العربي الفلسطيني البطل.

وخلال الأيام القليلة الماضية تعرّضت غزة لعدوان غاشم من العدو الصهيوني على أثر مواجهة مع الجهاد الإسلامي أحد الفصائل المقاومة التي تعرّض بعض قياداتها للاغتيال والاعتقال من قبل قوات الاحتلال، وتدخلت مصر لوقف العدوان لكن العدو لم يستجب، وخرجت بعض الأصوات تتهم الجهاد بالتهوّر، وبعضها الآخر وقف صامتاً، والقليل هو من خرج يدعو كلّ فصائل المقاومة للوقوف في وجه العدو الصهيوني وتوجيه ضربات موجعة له. وهنا نقول لكلّ من يسعى إلى حلّ القضية الفلسطينية لا بدّ أن تعلموا أنّ القضية لن تحلّ عبر أيّ مسار للتفاوض مع العدو، والطريق الوحيد لحلها هو المقاومة، فالعدو الصهيوني لا يعترف إلا بلغة القوة، فتحرير فلسطين لن يتمّ إلا من خلال البندقية والمدفع والصاروخ، ولتتذكروا ولنتذكر معكم مقولات الزعيم الخالد جمال عبد الناصر: «لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض»، «وما أخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة»، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى