مقالات وآراء

عودة نتنياهو… تحرك صفيح المنطقة الساخن

 

‭}‬ بتول قصير
أثارت إمكانية عودة بنيامين نتنياهو إلى رئاسة حكومة «إسرائيل»، العديد من التساؤلات حول أسباب هذه العودة مجدّداً بعد نحو 14 شهراً قضاها في مقعد قيادة المعارضة، بعدما أفضت نتائج الانتخابات الى حصول حزب الليكود الذي يتزعّمه بنيامين نتنياهو على 32 مقعداً. بالإضافة الى التأثيرات المترافقة مع هذه العودة على الأوضاع الداخلية في «إسرائيل»، وأيضاً ما تحمله من تداعيات على ملفات عديدة في العالم والشرق الأوسط.
لا شكّ أنّ عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في تل أبيب، تشكل مرحلة جديدة في تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني، ومنعطفاً جديداً في مسار الصراع والتسوية على المسارات العربية المختلفة، ومنها طبعاً فلسطين لبنان. فقد شكل حزب الليكود منذ نشأته واحداً من أبرز القوى الصهيونية المتطرفة، استناداً لبرامجه السياسية وتصريحات وبيانات قادته منذ مناحيم بيغن واسحق شامير وحتى الآن. كما يعدّ الليكود في مقدمة الأحزاب «الإسرائيلية» التي تريد إخضاع العرب لشروط التسوية استناداً للمصلحة «الإسرائيلية»، لكن التكتل وغيره من الأحزاب الصهيونية، ليس على استعداد لتقديم أيّ «تنازل» جوهر يمسّ بأمن الكيان الصهيوني من جهة أو يفرّط بـ «الحدود» التي رسمها منذ نشأة الحركة الصهيونية في بال سويسرا عام 1897.
هذا ما يترجمه البرنامج السياسي لتكتل الليكود الذي يتزعّمه بنيامين نتنياهو والذي فاز في الانتخابات الأخيرة، معبّراً تعبيراً جلياً عن موقف هذه الكتلة، إذ جاء في نص أحد البرامج السياسية لتكتل ليكود: «إنّ حق الشعب اليهودي في أرض «إسرائيل» كلها، هو حقّ أبدي وغير قابل للنقض والاعتراض، وهو مرتبط بحق إسرائيل» وسلامتها، لذا فإنّ الضفة الغربية لن تعاد إلى أيّ حكم أجنبي». من جانب آخر فإنّ مخاوف عدة أثيرت من أن يعمد نتنياهو بعد توليه السلطة الى إلغاء اتفاق الترسيم البحري الذي اعتبره لبنان انتصاراً استراتيجياً سيخفف من أزمته الاقتصادية ويمنع الانهيار المالي الذي يتعرّض له. ولكن إذا محصّنا ودققنا بقدرة نتنياهو على التسويف والمماطلة نلمس تمسّكه بالاتفاقية مع لبنان، ولكن باعتماد أساليب مختلفة لتحسين شروطه في الاتفاقية، أحد أهمّها هي العمل على ابتزاز الجانب اللبناني، ليكسب المزيد مما ناله لابيد. وعليه فإنّ الخطابات النارية والتصريحات التي أطلقها نتنياهو سابقاً ما هي إلا نوع من المزايدات لكسب تأييد المجتمع المتطرف.
وبالتركيز على العلاقات بين كيان العدو بعد وصول نتنياهو الى السلطة وبين موسكو، فتشير التقديرات إلى أنّ زعيم الليكود لن يتمكن من إمساك العصا من النصف، بين معاداة موسكو التي أصبحت على علاقة وطيدة بإيران بعد حربها على أوكرانيا، وبين محاولة استرضاء واشنطن وبالتالي معاداة روسيا والتي أصبحت على مقربة منها في الشمال السوري. وبالتالي لن تكون العلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بذات السياق التي كانت عليه من قبل، خاصة انّ «إسرائيل» متعاطفة مع أوكرانيا مما ولد انزعاجاً كبيراً لدى روسيا والتي ستردّ عليها الأخيرة بشكل ما وفي أماكن أخرى، خاصة في حال تزويد «إسرائيل» لكييف بأسلحة جديدة، فسيكون هناك ردّ فعل روسي على ذلك دون شكّ، وقد تقوم هي بدورها بتزويد سورية بأسلحة متطوّرة للردّ على الغارات «الإسرائيلية»، كما أنّ هناك تخوفاً «إسرائيلياً من أن تقوم إيران باستهداف «إسرائيل» بنفس الطائرات المُسيّرة التي زوّدتها لروسيا.
أما على مستوى الدول العربية، فعلى الرغم من نجاح نتنياهو قبل عامين في إبرام اتفاقيات تطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، الا انّ مربعات التطبيع توقفت منذ ذلك الحين. فهو وانْ كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بمواصلة التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، إلا انّ الرجل موسوم بالتشدّد وقد يعمد الى إذلال المطبّعين العرب بسياساته الخرقاء المتطرفة، وهذا ما يؤدّي الى استنتاج انّ نتنياهو سيجد صعوبة في إقناع أيّ دولة عربية أو إسلامية أخرى بتطبيع علاقاتها مع الكيان «الإسرائيلي» في ظلّ غياب برامج السلام عن سياسات الحكومة بل وقد تعمد دول طبّعت سابقاً الى التحفظ على مواصلة نهج التطبيع.
خاصة انّ الحكومات والأنظمة العربية التي طبّعت مع الكيان «الإسرائيلي» لم تستفد فعلياً لا اقتصادياً ولا حتى سياسياً رغم أنّ هناك أنظمة عربية حاولت التغطي بالتطبيع للحفاظ على بقاء أركانها في الحكم ولمدة أطول.
وعلى خط الملف النووي الإيراني، يبدو أنّ تل أبيب لم تعد قادرة كما كانت من قبل على التحكم في الموقف الأميركي، وقد تتجه الأمور إلى عقد اتفاق إيراني ـ أميركي سيكون له انعكاس سلبي على موقف ووضع «إسرائيل» التي تتخوّف من هذا الاتفاق، كما تتخوّف من تنامي القدرات النووية والعسكرية الإيرانية. وأما بخصوص طبيعة العلاقات التركية ـ «الإسرائيلية» والتي تشهد تذبذباً ملحوظاً، في حين تتجه الأمور نحو التطبيع وتطوّر في العلاقات، وأحياناً نلاحظ بأنّ هناك جموداً وتريثاً أو انتظاراً، وهذا يعود لتركيا التي تحاول إعادة النظر في حساباتها مع كيان العدو، بحيث أنها لا تريد تقديم دعم مجاني لـ «إسرائيل»، كما أنّ «إسرائيل» لا تستطيع أن تتمادى كثيراً بعلاقاتها مع تركيا، وذلك لما تشهده العلاقات التركية ـ الروسية ـ الإيرانية من تقارب وتلاقي مصالح تتعارض ومصالح «إسرائيل» حتماً.
أخيراً، يبدو أنّ المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من التوتر مع عودة نتنياهو إلى السلطة وصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة الاستيطانية إلى سُدَّة الحكم في تل أبيب؛ الأمر الذي يشير الى تصاعد التوترات على جبهة الداخل الفلسطيني، وتراجع فرص السلام خاصة مع إحجام دول عربية عن المضيّ قدماً بمسار عمليات التطبيع التي تسعى «إسرائيل» الى تكريسها، وتشرذم علاقات الأخيرة مع عدة حلفاء إقليميين ودوليين، مما يشي بتبدّل الاصطففات الدولية والتي قد تغيّر السياسة الدولية على حدّ سواء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى