أولى

قمة جدة حققت الخرق المهمّ ما بعدها…

‭}‬ أحمد بهجة*
قبل انعقاد القمة العربية في جدة قال كثيرون إنها قمة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ومع انعقاد القمة ومتابعة مجرياتها تأكد لكلّ مراقب أنّها كانت فعلاً قمة الأسد ـ ابن سلمان.
ولمن لا يعجبه هذا الكلام، وخاصة عندنا في لبنان، فليطرح على نفسه السؤال التالي: ماذا يبقى من مغزى للقمة العربية لو أنّ الرئيس الأسد لم يكن حاضراً في كلّ تفصيل من تفاصيلها؟ ولو أنّ ابن سلمان لم ينتهج سياسة جديدة سواء في الداخل السعودي أو على المستويات العربية والإقليمية والدولية؟
بهذا المعنى يمكن القول إنّ قمة جدة كانت ناجحة، بغضّ النظر عن ملاحظات هنا أو هناك. وقد حققت القمة الخرق المنشود وأعطت الزخم المطلوب لكي تنطلق العلاقات العربية ـ العربية إلى رحاب جديدة لعلّ أهمّ ما فيها الإمكانات الكبيرة للتعاضد والتساند في حلحلة الكثير من الأزمات…
لقد أعطى الرئيس الأسد للقمة أبعادها الحقيقية، وأعاد بعض الروح للجامعة العربية التي تعاني من موت سريري ليس خافياً على أحد، وهذه فرصة جديدة أمام إدارة الجامعة وتحديداً أمينها العام للاستفادة من الأجواء العربية الجديدة وتوظيفها في مصلحة العرب جميعاً بعيداً عن أيّ ضغوط يمكن أن تأتي من هنا أو هناك لعرقلة هذا التقارب العربي ـ العربي.
على أنّ الدول العربية الكبيرة المعنية بشكل مباشر بهذا التقارب برهنت أنها قادرة على تجاوز الضغوط واعتماد السياسات التي تراها مناسبة لتحقيق المصالح العربية المشتركة.
فهذه سورية أبرز مثال على مواجهة الضغوط الخارجية وتجاوزها بل الانتصار عليها رغم أنّ التضحيات كانت كبيرة جداً في الأرواح والممتلكات والثروات، لكن الشعب السوري الأبيّ وقيادته الشجاعة وجيشه الباسل برهنوا أنّ كلّ هذه التضحيات تهون في سبيل حفظ كرامة الوطن واستقلاله وعدم ارتهان قراره لأيّ جهة كانت.
وهذه المملكة العربية السعودية قرّرت الانعتاق من أيّ تأثير خارجي كان يأتي دائماً على حساب مصالح الشعب السعودي وثرواته وأجياله الطالعة، وها أننا نرى الاتفاق السعودي ـ الإيراني برعاية الصين، وهو اتفاق يصحّ وصفه بالتاريخي لأنه يصبّ فعلاً في مصلحة الشعبين السعودي والإيراني ومعهما شعوب المنطقة كلها التي يكفيها ما تعانيه من حروب وأزمات مفروضة عليها من الخارج الاستعماري الذي اعتاد عبر التاريخ أن يحقق مصالحه على حساب الآخرين.
هذا لا يعني أنّ الصين غير مستفيدة من الاتفاق، بالعكس تماماً، هي أول المستفيدين ولكن بالتنسيق والتعاون مع السعودية وإيران وليس على حسابهما، والصين ليس في تاريخها أيّ وصمة استعمار أو استغلال للشعوب الأخرى، على عكس أوروبا ماضياً وحاضراً والولايات المتحدة في هذا الزمن الرديء، وهل مَن ينسى زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى السعودية قبل سنوات وكيف ذهب محمّلاً بمئات مليارات الدولارات، ومعه ابنته إيفانكا التي حصلت على هدايا وتقديمات ثمينة جداً…!
الأمل اليوم أن يكون هذا السلوك قد تغيّر، وكما قلنا آنفاً فإنّ قمة جدة حققت الخرق، على الأقلّ إعلامياً، لكن يبقى أمامنا الكثير من العمل، خاصة على صعيد التنمية الاقتصادية في كلّ الدول العربية، وبنوع أخصّ في الدول التي عانت وتعاني من الحروب والأزمات مثل فلسطين وسورية ولبنان واليمن…
ويمكن على هذا الصعيد كتابة مجلدات، لكن ليس الكلام هو المطلوب بل العمل الذي يبدأ أولاً وأخيراً من الدول نفسها ومن ثمّ يأتي دور الذين عليهم المساعدة، ونحن في لبنان على سبيل المثال لا يمكن أن نلوم أحداً على عدم مدّ يد العون لنا في أزماتنا الخانقة من كلّ النواحي، لأننا لم نفعل ما علينا فعله من إصلاح ومحاسبة، حيث لا يزال الفاسدون والمفسدون يسرحون ويمرحون في المجالس والإدارات والمؤسسات العامة، وأبرز مثال على ذلك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي لا يزال يجد مَن يحميه ويبقيه في منصبه رغم أنه ملاحَق قضائياً في الداخل والخارج، ولكن لن يستمرّ الأمر كثيراً مع وصول الإشارة الحمراء من الأنتربول الدولي تنفيذاً لمذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه من القضاء الفرنسي… على أمل أن يصدر مثلها في وقت قريب من القضاء اللبناني بحقّ كلّ من ارتكب وتلاعب وأضاع أموال اللبنانيين وجنى أعمارهم ومستقبل أجيالهم…
*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى