أخيرة

آخر الكلام

رشيد كرامي والحزن الكبير
‭}‬ الياس عشي
أذكر جيداً تلك اللحظات التي دخلنا فيها دهاليز الصمت عندما تناهى إلينا، أنا وبعض الأصدقاء، نبأ اغتيال رشيد كرامي.
لم نقلْ شيئاً…
أذكر أنّ كلّاً منّا وضع رأسه بين راحتيه، فيما دمعة حائرة مشتركة تكاد وحدَها أن تكون القصيدة.
لم يكن للكلام أيُّ معنىً…
اكتفينا بالصمت.
***
كان ذلك منذ ستّة وثلاثين عاماً، وبالتحديد في الأول من حزيران.
مدينة طرابلس، يومها، مزنّرة بالحزن، بائسة، ومنكوبة.
مدينة طرابلس، يومها، مرتبكة لا تعرف كيف تودّع رجلاً كان سنديانة تتفيّأ بظلها، ولا تعرف كيف تخترع لحناً جنائزيّاً تلوّح به لابنها الذي غادر دون أن يقول كلمته الأخيرة.
***
اليوم… أتذكر جيداً… كيف أشجار البرتقال أطلّت برؤوسها، وغنّت تواشيح حزينة.
أتذكر أصواتَ المآذن تعبر شوارع المدينة المهجورة، والبيوتَ المسكونةَ بالحزن.
أتذكر أجراس الكنائس وهي تعبّر برنينها، مع خيوط الفجر الأولى، إلى السماء.
أتذكر الأعلام السود وقد غطّت جدران المدينة، وشرفاتِها، وزواياها.
أتذكّر الناس، من كلّ مكان جاؤوا، ليشاركوا المدينة المفجوعة وداع ابنها رشيد.
***
تُرى هل يمكننا أن ننسى وما زال حداء المؤذنين، ورنين الأجراس، يسكنان فينا كما الريح تسكن قمم الجبال؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى