أولى

ميثاق جديد…

‭}‬ مأمون ملاعب
ما يحدث حالياً في لبنان ليس مستغرباً أبداً. هذه ليست المرة الأولى التي يصعب فيها انتخاب رئيس الجمهورية، لكنها الأصعب حتى الآن، اعتاد لبنان في مرحلة ما بعد خروج الجيش السوري على أزمات الاستحقاقات، أما الانهيارات الاقتصادية والمالية وتقلص مساحة الدولة فهي نتائج بديهية للنظام القائم وسلوك أربابه وأتباعهم.
ما المستغرب أن تقع الأزمات بين الشركاء في شركة مساهمة قامت على الحصص ثم تغيّرت الأصول. المساهمون الكبار يتناتشون الإدارة ويختلفون على وجهة الراعيين غير مبالين أبداً بمصلحة الشركة نفسها.
مع أنّ النظام اللبناني ولّاد أزمات إلا أنّ تغييره أو تعديله يخلق أزمة بحدّ ذاته. لقد تكلف البلد اقتتالاً داخلياً دام سنوات وعشرات آلاف الضحايا ودماراً هائلاً حتى انتقل من المارونية السياسية إلى الطائف. دستور الطائف حصل على الحدّ الأدنى من التوافق الداخلي والذي هو الحدّ الأقصى من التنازلات برعاية إقليمية ودولية مراعياً الظروف آنذاك، معه انتهت الحرب الأهلية ودخل لبنان إلى الاستقرار المؤقت، ذلك أنّ عناصر قيام دولة لبنان كانت هي المشكلة والتي استمرّت مع الطائف.
لم تكن الدولة اللبنانية ولم تتحوّل يوماً إلى مؤسسة الشعب بل كانت دائماً دولة فيدرالية الطوائف، ومع ذلك يطالب البعض بفيدرالية الدولة، مهمة السلطة فيها التنسيق بين المصالح المتشابكة والمتناقضة أو بين الخيارات المتباعدة للطوائف الكبيرة، وعليه فإنّ أحكاماً أساسية في الدستور لم تطبّق لا في قانون الانتخابات ولا في إلغاء الطائفية السياسية ولو بالتدريج. العوامل الطائفية الموجودة في أصل نشأة الدولة أقوى من الدستور لذلك كان قانون الانتخابات يعدّل لصالح فريق ثم لصالح آخر وصولاً إلى القانون الحالي في محاولة للاقتراب قدر الممكن من «القانون الأرثوذكسي»، مع العلم أن تفكير أهل السلطة، في تقسيم الدوائر الانتخابية حتى في السابق كان يراعي دائماً المضمون في القانون الأرثوذكسي. أما إلغاء الطاىفية فلم يرد على تفكيرهم حتى في الأحلام.
الخروج من أزمات الاستحقاقات سهل نظرياً، يكفي تعديل الدستور لناحية انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة كما جعْل لبنان دائرة انتخابية واحدة وخارج القيد الطائفي، وهذه ديمقراطية راقية متقدّمة. يرى البعض أنه لم يعد مسموحاً احتكار بعض الطوائف لمراكز أساسية في الدولة وطالما أنّ المسيحيين لم يعودوا أكثرية فلتكن الرئاسات الثلاث الأساسية إضافة إلى القيادات العسكرية مداورة بين الطوائف الكبيرة.
تكمن بشاعة هذا الطرح في تكريسه للأزمة اللبنانية، وأعتقد أنّ طرحه يشكل تحذيراً للطائفة المارونية من الأسوأ (بالنسبة لها). المشكلة تبدو أنها في النظام، وهي كذلك، وأنها بالدستور، وهي كذلك، إنما ما الذي يمنع تعديلاً في الدستور أو تغييراً في النظام من أجل تجاوز العقد. إنه المرض في أصل نشأة الكيان.
الميثاق الوطني ليس نصاً مكتوباً ومع ذلك درسناه في المدارس، وغير مكرّس بالدستور لكنه أقوى منه. ترشح عدنان الحكيم لمنصب رئيس الجمهورية عام 1970 ونال صوتاً واحداً (هو صوته) في الدورة الأولى، وكان ذلك دستورياً ولم يعترض عليه أحد، إنما أحد من النواب لم يعطه صوتاً حرصاً على الميثاق، كما قيل.
كما تمّ تكليف فؤاد شهاب وميشال عون برئاسة الحكومة في فراغ لرئاسة الجمهورية حيث يأخذ صلاحياته والتي حرصت الطائفة المارونية على إبقائها في عهدة ماروني ولو لفترة قصيرة إلى حين انتخاب الرئيس، وكان ذلك دستورياً قبل الطائف.
ربط الميثاق سابقاً بين طائفتين عبر التنازل المؤقت دون تعديل في الخيارات العميقة المتباعدة، وبعد الطائف أصبح الميثاق ثلاثياً في كلّ المواقع والمراكز وتباعدت الخيارات أكثر في مرحلة إقليمية ودولية مختلفة عن السابق. لم يعُد بمقدور التدخل الخارجي حسم الموقف واصطفّ الفرقاء في جبهتين متناقضتين تعجيزاً للحلّ الداخلي.
صحيح أنّ النظام بشكله ولّاد أزمات إنما الأصحّ أنّ لبنان بحدّ ذاته في أزمة، والحلّ… غيّروا الميثاق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى