مقالات وآراء

الجولاني وخلفيات تصفية الشركاء…

‭}‬ رنا العفيف
إعدامات بالجملة تطال قياديين في هيئة تحرير الشام، بتهمة العمالة أو التخابر مع واشنطن وموسكو في شمال غرب سورية.. ما أهداف خطوات الجولاني إزاء هذة التصفية بطرح معلومات استخبارية في خِضمّ الصراع الداخلي أمام التحوّلات الإقليمية والدولية الكبرى؟ وما علاقة الولايات المتحدة الأميركية والتحالف الدولي بذلك…
قام الجولاني بتصفية عدد من القيادات والعناصر في هيئة تحرير الشام، والتّهمة التعامل مع التحالف الدولي وروسيا، وتبيّن أنّ من تمّ إعدامهم هم من المتشدّدين الجهاديين ممّن يصفونهم بأنّهم ضدّ أيّ تسوية أو تقارب إنْ كانت تركيا مع سورية أو مع غيرها..
طبعاً حقيقة ما جرى على خلفية محتوى الجولاني في مثل هذة الخطوة تكمن على مراحل بنسب متفاوتة، أوّلها التوتّر الحاصل بين ما يسمّى هيئة تحرير الشام وبين ما يسمّى حزب التحرير الإسلامي، إذ لهاتين الجهتين حاضنة شعبية في أرياف إدلب وشمال حلب، وبالتالي انتقلت حملة الاعتقالات عندما قام بعض المحتجّين من قيادات عسكرية وغيرها من البيئة الحاضنة لها لتشمل في الأيام الماضية خروقات كبيرة شملت عناصر فعّالة على مستوى جبهات القتال ـ وهم منتسبون لهيئة تحرير الشام جبهة النصرة ـ قد تمّ تسليمهم إلى الجانب الروسي أو الدولة السورية كما يقولون، وبالتالي ازداد منسوب ارتفاع الاضطّرابات التي تترافق معها احتجاجات مناطقية أو مظاهرات على خلفية تمرّد الجولاني الذي استهدف ثمانية من عناصر هيئة تحرير الشام جبهة النصرة في إدلب، لا سيّما أنّ هؤلاء كان قد قبِض عليهم الشهر الماضي بتهمة التعامل مع التحالف الدولي وروسيا وفق معلومات دقيقة من مصادر إعلامية مطّلعة، ثلاثمئة مسلّح بينهم قياديّون اعتقلتهم الهيئة من ضمنهم أعضاء ما يسمّى حكومة الإنقاذ التابعة للجبهة ومسؤول المعلوماتية وبعض الفرق التابعة للهيئة، فيما نفّذت إعدامات من دون محاكمة داخلية في إدلب بعد أن توجّه رتل من الهيئة إلى سجن إدلب المركزي إلى أحد المقالع الحجرية قرب بلدة قاح التي تقع بالقرب من الحدود السورية التركية شمال إدلب، ولكن اللافت لهذا الأمر هو التّهم التي تتعلّق بإعطاء التحالف الدولي وروسيا معلومات استخبارية بناء على معلومات أمنية من فرنسا لتحديد أهداف معيّنة لضربها، وذلك ربطا بقصف الطيران الروسي لسجن الجولاني الخاص بمعتقلي داعش تحت الأرض، وقد تمّ تدميره بالكامل وقتل من فيه، إضافة للمفارقة في المعلومات التي حصل عليها الجولاني من فرنسا، وهذا بحسب التدقيق أنّ هناك تعاملاً مباشراً بين الجولاني وفرنسا، ولا نستبعد أن يكون الجولاني أحد أوجه العمالة لفرنسا وواشنطن ما لم يكن عميلاً مزدوجاً، قد تكون معطيات هذة المعضلة معقّدة قليلاً، إلا أنّ حلقة البحث التي يبحث عنها المراقبون في مثل هكذا معلومة لنقل، هو أنّ كلّ تفاصيل ومعطيات وسائل الاتصال وما تحمله من وسائل صوتية أو فيديوات مشكوك بها، كلّها مراقبة من قِبل المخابرات التركية لا سيّما أنّ أغلبية فصائل المجموعات المسلّحة تابعة لتركيا، أيّ أنّ تركيا هي الأكثر اطّلاعاً على تفاصيل الملف الاستخباري في المناطق التي تتواجد فيها هيئة تحرير الشام جبهة النصرة، وربّما هذا ما يتوخّاه الجولاني حالياً بعد مواصلة ما طرِح من معلومات أو لنقل تبادل المعلومات، وتعقيباً على ذلك فإنّ فرنسا من ضمن التحالف الدولي، وهذا يعني أن سيناريو ما قد حصل بناءاً على التوافق الأميركي مع الجولاني لتنفيذ مشروع أميركي جديد في المنطقة، قبل الإعلان عن أيّ تقارب قد يحصل بين تركيا ودمشق، سعياً لتأسيس هيئة جديدة أو تكتّل عسكري جديد، باعتبار أنّ سياسة تركيا قد تتغيّر في الحدّ الأدنى مع اتفاقياتها مع روسيا ومع ايران، ظنّاً بأنها ستذهب إلى التطبيع، وهذا يسبّب في الحقيقة خوف وقلق وفق المنظور الأميركي وأجنداته في الشمال السوري…
عمليّاً حتى ولو اخترقت فرنسا الجماعات الإرهابية على المستوى الأمني، يبقى لتجنيد الجولاني مهمّات لصالح التحالف الدولي وأميركا في مسألة التجييش، والجولاني في مقابل هذا يسعى لإمارة له شمال غرب سورية، ربّما هذا ما وعدته به أميركا، ومع ذلك رواية المعلومات الاستخبارية لفرنسا تبقى فاضحة للمعايير الدولية، لأن سبق لفرنسا وتعهّدت عميل استخدمته ضدّ الدولة السورية ولم تفصح عن اسمه. وهذا يؤكّد أنّ الخطوط الأمنية مفتوحة بالتنسيق مع التحالف الدولي والجولاني لاستكمال مشاريع أميركية تحاك ضدّ سورية، وعليه تشي المرحلة التي يخطوها الجولاني بأنها تمثّل تلميع صورته وتعويم إعادة تدوير هيئة تحرير الشام من جديد بعد أن تخلّص من سخط العمالة بحسب مفهومه، ولكن السؤال هنا هل الجولاني قادر على ضبط الأوضاع أمنيّاً وعسكريّاً مع باقي الفصائل؟ ربّما قادر ولكن سيدفع الثمن في أيّ تسوية دولية أو إقليمية قد تحصل يوماً على حساب الجولاني نفسه، وبالتالي عندما نفّذ حكم الإعدام بحقّ من اعتقلهم من دون معرفة حقيقة التّهم الموجّهة إليهم، تناسى أنّ هناك تهماً توجّه إليه باستضافة قادة من قسد بهدف التنسيق لتنفيذ المخطّط الأميركي الجديد في سورية، وذلك ليتفرّد في قيادة الهيئة لتحقيق حزمة أهداف تربط شمال غرب سورية باتّجاه الفرات على شكل حزام أمني يهبط جنوبا باتّجاه التنف، وفي حال فشلت المهمّة يهبط باتّجاه درعا محاولاً بذلك محاصرة دمشق، وهذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية، لذا فإنّ مشهد المجموعات المسلّحة داخليّاً متآكل بعد أن قتلت كلٌّ منهما الأخرى في منطقة تحكمها شريعة الغاب، لتبقى الولايات المتحدة على تواصل باستثمار هيئة تحرير الشام لتحقيق مآلاتها في المشروع المقبِل ربّما في سورية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى