مقالات وآراء

دجلة الخير مجرى الأساطير والاسرار

‭}‬ سارة السهيل
العراق بلد الحضارات السبع وبلد الماء والوفرة والخضرة، أطلق عليها بلاد الرافدين، دجلة والفرات اللذان مرت عليهما أحداث وأخبار وقصص وأساطير… فهما للعراق كالسوار الجميل حول المعصم وهما رمز الحياة، حيث كان النهر يشكل جزءاً أساسياً من حضارة ما بين النهرين العراقية القديمة. وكان ما حولهما يُعرف بـ «الأرض الرطبة» أو «الرافدين»، حيث ازدهرت حضارات عديدة، مثل سومر وبابل وآشور وما بعدها.
فشاهدا العديد من الأحداث والقصص المهمة على مرّ العصور. ومرت عليهما حضارات متعاقبة مثل حضارة سومر أقدم حضارة معروفة في العالم، والتي نشأت على ضفاف نهري دجلة والفرات. فتوفر المياه يخلق جواً من الاستقرار والبناء والزراعة ونمو المدن والتجارة والتعليم والفنون في هذه الحضارة القديمة.
كما كانت ايضاً حضارة بابل أحد أهمّ الممالك في المنطقة. قامت عاصمتها بابل على ضفاف نهر دجلة، وبُني فيها برج بابل الشهير من عجائب الدنيا السبع، فحضارة بابل معروفة بتقدّمها في العلوم والرياضيات والفلسفة والتجارة.
كما مرت على النهرين ايضاً حضارة الأكد التي قدّمت العديد من الإسهامات في المجالات الهندسية والفنية والأدبية للبشرية، وقد بنوا مدينة بابل ومعبدها الشهير ماردوخ.
وكما الأساطير والحضارات دوّنت حول دجلة وتناقلتها الأجيال كانت قصيدة العملاق الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهر: يا دجلة الخير يا أمّ البساتين،
توجد العديد من الأساطير والقصص المتعلقة بنهر دجلة في الأدب القديم والأديان المتعددة. في الأساطير البابلية القديمة، كان دجلة مرتبطاً بالإلهة تيامات، إلهة المياه والخصوبة. وفي القصص اليهودية والمسيحية، يُشار إلى دجلة كأحد الأنهر الأربعة في الجنة التي تجري من حديقة جنات عدن.
إحدى الأساطير كانت حول ملك في العراق القديم يُدعى «جلجامش». كان جلجامش ملك مدينة أوروك، وكان يُعتبر نصف إله ونصف بشر. كان جلجامش شجاعاً وقوياً، لكنه كان يعاني من الوحدة والبحث عن الخلود.
في رحلته للبحث عن الخلود، قرّر جلجامش السفر إلى نهر دجلة للعثور على نبات يمنحه الخلود. قاده النهر إلى أرض الإلهين الخردة والهواء، حيث ينمو هذا النبات السحري.
عندما وصل جلجامش إلى ارض الإلهين، نام تحت شجرة تحمل ثمار هذا النبات. ولكن أثناء نومه، سرقت ثعبانة الشجرة النبات وهربت به. استيقظ جلجامش وأدرك أنه فاتته الفرصة للحصول على الخلود.
عاد جلجامش إلى مدينته أوروك وأدرك قيمة الحياة البشرية والبحث عن الإرث والأعمال العظيمة. أصبحت رحلته إلى نهر دجلة رمزاً للبحث عن المعنى الحقيقي للحياة والخلود.
هناك أيضاً أسطورة الطوفان الهائل الذي يجتاح الأرض ويغمر كلّ شيء ويغرق المكان كله، وفي هذه الأسطورة كان دجلة والفرات هما النهران اللذان تسبّبا في الطوفان. يُقال إنّ الإلهين إنكي وإنليل قد حذرا بطل الأسطورة من الطوفان وأمراه ببناء سفينة لإنقاذ نفسه وبعض الحيوانات، وقد دوّنت هذه الاسطورة على لوح الطوفان وهو اللوح الحادي عشر من ملحمة جلجامش.
اما أسطورة إينانا ودجلة تدور حول إينانا، إلهة الحب والحرب والجمال في الأساطير السومرية. ترتبط إينانا بنهر دجلة بصورة وثيقة، وتقوم برحلة إلى العالم السفلي لزيارة زوجها دموزي وتنقذه من الموت. خلال رحلتها، تعبر إينانا نهر دجلة وتعيش تجارب مختلفة يمكنكم البحث عنها .
اما الأسطورة المرتبطة بقصة خلق نهري دجلة والفرات كجزء من خلق العالم هي الملحمة البابلية الشهيرة بعنوان «إنوما إليش» (Enuma Elish). وهي واحدة من أقدم الملحمات المعروفة في التاريخ،
ملحمة «إنوما إليش» تروي قصة خلق العالم وصراع الآلهة القديمة في الأساطير البابلية. تتناول الملحمة صعود الآلهة وظهور المرتزقة الأولى وقيام مدينة بابل وعبادة إله المدينة مردوخ (Marduk) وتتضمّن الملحمة أيضاً الإشارة إلى أنه تمّ خلق الفرات ودجلة كأحد الأنهار الرئيسية في العالم.
تعتبر ملحمة «إنوما إليش» من الأعمال الأدبية الهامة التي كانت تتأثر بها الثقافة البابلية القديمة والمناطق المجاورة، وتعدّ من الشواهد الهامة على التفكير الديني والفلسفي في تلك الحقبة التاريخية.
وما زال دجلة يحمل في طياته الكثير من الأسرار التي ربما سيقرأها من هم بعدنا، فهل انتهى فعلاً عصر الأساطير؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى