نقاط على الحروف

الحملة الأميركية الجديدة في سورية؟

ناصر قنديل

ليست ثمّة حاجة لتقديم أدلة على الترابط بين الأحداث في سورية، فالذين يقودون ما يُسمّى بحراك السويداء ويرفعون علم الانتداب الذي قاتلته الثورة السورية الكبرى التي كان سلطان باشا الأطرش أبرز زعمائها، هم أنفسهم ضيوف قاعدة التنف الأميركية الدائمون، وزوار الجليل عند كل منعطف، ومثلهم قوات قسد التي فتحت النار على العشائر العربية، بما في ذلك الجزء الذي لم يُشهِر سلاحه بوجهها أو بوجه الاحتلال الأميركي، لأن البيئة العشائرية العربية بدأت تتحوّل الى بيئة حاضنة للمقاومة بوجه الاحتلال، والميليشيات المتعددة التسميات التي تم تدريبها وتسليحها وتمويلها في قاعدة التنف، من عائدات سرقة ثروات النفط والغاز في منطقة الفرات، وتروّج لعملية عسكرية أميركية نوعية تقطع شرايين الوصل بين سورية والعراق، واستطراداً بين المقاومة وإيران، وصولاً إلى داعش وإعادة تفعيل نشاطاتها الإرهابية، كل هؤلاء يعبرون عن مشروع واحد، تقف وراءه واشنطن وهدف المشروع مزيد من الضغط على الدولة السورية بهدف إطالة أمد الاحتلال، وخلق وقائع بهدف مقايضة التهدئة بوقف المقاومة.
الأكيد أن لا عملية عسكرية أميركية، لأن الأكيد أن هذه العملية الوهمية عندما تصبح حقيقة سوف تشعل حرباً كبرى في المنطقة، تكون القوات الأميركية وقوداً لها، والأكيد أن لا تراجع عن المقاومة السورية بوجه الاحتلال. وبين هذين الحدين تعامل بهدوء وبالتفاصيل مع سائر العناوين. ففي السويداء سعي للاحتواء لتفادي التصادم، كما يريد المشروع الأميركي، وصولاً لفتح الحوار، والطبيعي أن خلاصة حوار سوف تتضمن موقفاً موحداً من الاحتلال الأميركي، وخصوصاً تحرير ثروات النفط والغاز من قبضة الاحتلال، أما داعش فلا لغة معها إلا المزيد من المواجهة ليس من الجيش السوري وحده بل من كل الحلفاء بلا استثناء. أما جماعة التنف وقسد، فقيد الدرس ومراقبة ما سوف يحدث في المواجهة التي بدأتها وتستعدّ لـ تصعيدها العشائر العربية ودراسة إمكانية اعتماد هذه المواجهة كخط ونهج وصولا إلى تحرير مناطق سيطرة قسد وجماعات التنف.
هذه المواجهة سوف تكون لها تداعيات أمنية واجتماعية أبرزها تصاعد موجات نزوح جديدة، لا يبدو أن المعنيين بها يأخذونها على محمل الجدّ، والمعنيّون هنا هم أربعة، الأول هو الدول الأوروبية، والثاني هو الخليج، والثالث هو لبنان والرابع هو الأردن، لأن موجات النزوح التي بدأت عملياً نحو لبنان والأردن تفوق طاقة كل منهما على التحمل، ولم يعد أي منهما أصلاً قادراً على تقديم شيء أو تشكيل جبهة جاذبة، حيث صارت وجهة النازح الى لبنان هي أوروبا، ووجهة النازح إلى الأردن هي الخليج. والى أن يكتشف الأميركي عقم رهاناته، سوف يكون أكثر من مليون نازح جديد قد قصد لبنان ومثله قد قصد الأردن، وسوف يكون نصف المتجهين الى لبنان يدقون باب أوروبا، ونصف الذين اتجهوا نحو الأردن يدقون أبواب الخليج.
بدلاً من تلهي أوروبا برهانات توطين النازحين في لبنان، وتلهي لبنان بطلب زيادة التمويل الأوروبي لتعليم النازحين لغضّ النظر عن مشاريع التوطين، وبدلاً من تلهي الخليج والأردن بخوض معارك دونكيشوتية عنوانها وقف تهريب الكبتاغون، يبدو أن الطريق الأقصر هو التفكير بكيفية الحؤول دون موجة النزوح التي بدأت وبدأت تداعياتها، قبل فوات الأوان، والأوان لن يفوت على سورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى