أولى

استشراف مشهد الصراع: الحرب ضدّ «إسرائيل» في فلسطين… وضد أميركا في المنطقة؟

‭}‬ د. عصام نعمان*
تواصل “إسرائيل” حربها الاقتلاعية، بدعم لوجيستي سخيّ من الولايات المتحدة، ضدّ البشر والشجر والحجر في قطاع غزة. غايتها ثلاثية الأبعاد والأهداف:
ـ تدمير القطاع كليّاً ليصبح أرضاً يباباً غير قابلة للعيش والسكن.
ـ تهجير السكان الى صحراء سيناء المصرية قبل اضطرارها إلى وقف الحرب، وإبقاء رافضي النزوح مشرّدين على أرصفة الشوارع وفيافي البراري.
ـ القضاء على البنية التحتية للمقاومة فوق الأرض وتحتها لجعل عودتها الى القطاع صعبة ومكلفة.
لا تبدو “إسرائيل” في ضوء واقعات القتال المتصاعد على جبهاتٍ ثلاث (حدود قطاع غزة، بلدات الضفة الغربية وقراها، وحدود فلسطين الشمالية مع لبنان) قادرة على تحقيق غايتها الجهنمية سواء غامرت بشنّ هجوم برّي على القطاع لاحتلاله، أو اضطرت مكرهةً الى الاستعاضة عن ذلك بتكثيفِ قصفها الجوّي الجنوني للقطاع كما هو الحال الآن. لذا تحاول مستميتةً استجرار الولايات المتحدة عسكرياً، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لوجيستياً، الى حمأة الحرب. كيف؟
بثلاث دعاوى وادّعاءات:
أولاها، أنّ فصائل المقاومة في لبنان وسورية والعراق واليمن المتحالفة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، ولا سيما حماس والجهاد الإسلامي، باتت مشاركةً في القتال، كلٌّ في ساحته القريبة أو البعيدة نسبياً عن فلسطين المحتلة.
ثانيتها، أنّ خسارة “إسرائيل الحرب ضدّ قوى المقاومة الفلسطينية وحلفائها يؤدّي، عاجلاً او آجلاً، الى خسارة دول الغرب الأطلسي وجودها ونفوذها ومصالحها في المنطقة الممتدة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً إلى شواطئ بحر قزوين شرقاً.
ثالثتها، ترسيخ الزعم بأنّ قوى المقاومة العربية المنخرطة في الحرب ضدّ “إسرائيل” هي قوى إسلامية إرهابية معادية للغرب المسيحي، وأنّ لها خلايا ومريدين في فرنسا وألمانيا وبريطانيا ضالعين في مساندة فصائل المقاومة في المشرق بكلّ الوسائل الممكنة.
لا غلوّ في التأكيد بأنّ غاية هذه المقاربة الصهيونية للصراع المتصاعد في فلسطين المحتلة هي تحويله في المشرق الى حربٍ إقليمية بين أطراف محور المقاومة من جهة و”إسرائيل” وأميركا من جهة أخرى، والتشديد على انّ هذه الحرب التي تستعر مباشرةً في ميادينها المشرقية قد تتمدّد مداورةً الى دول غرب أوروبا ايضاً.
في المقابل، تبدو “إسرائيل” عاجزةً عن تحقيق غايتها الثلاثية الأبعاد سالفة الذكر لأسباب عدّة، أبرزها انّ الولايات المتحدة غير قادرة على خوض حربٍ إقليمية في وقتٍ تنشغل هي وحليفاتها الأوروبيات في حربٍ ضارية ضدّ روسيا في أوكرانيا، وربما في حربٍ محتملة مع أطراف محور المقاومة وحلفائهم في غرب آسيا بينما هي تعاني حالاً من التضخم في عقر دارها يجعلها غير قادرة على تمويل حربٍ اضافية، خصوصاً لوجود تجاذبات وملابسات جمّة في سنة الانتخابات الرئاسية، كما أمام احتمال جدّي بخسارة حلفائها العرب المطبّعين مع “إسرائيل”.
تخلّلت هذه الواقعات والتطورات والتحديات ظاهرات ومواقف لافتة جديرة بالانتباه:
ـ أكدت حركة حماس بموجب فيديو واضح امتلاكها أسراباً من مسيّرات أبابيل المتطورة والمزوّدة بصواريخ خارقة للدروع.
ـ ارتكبت “إسرائيل” جريمةً خطيرة إضافية عقب تدميرها المستشفى الأهلي المعمداني بقيام سلاحها الجوي المتوحش بتدمير كنيسة تاريخية للروم الارثوذكس في غزة على رؤوس المصلين واللاجئين المحتمين بحرم الكنيسة إتقاءً للغارات التدميرية المتواصلة.
ـ قامت تنظيمات المقاومة العراقية باستهداف قواعد عسكرية أميركية أبرزها “عين الاسد” في غرب العراق، و”حرير” في شماله، كما باستهداف قاعدة التنف الأميركية في جنوب شرق سورية وقاعدة كونيكو الأميركية بريف دير الزور شمال البلاد ايضاً.
ـ انتقل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الى معبر رفح، حيث تأكد من قيام “إسرائيل” بمنع وصول مساعدات الإغاثة الى اهالي قطاع غزة ومستشفياته وعاين، بعد تعليق “إسرائيل” مؤقتاً قرار المنع، عمليةَ إدخال عشرين شاحنة من المستلزمات والمساعدات الطبية والغذائية الى القطاع.
ـ انطلاق صواريخ ومُسيّرات من اليمن، زعمت وزارة الدفاع الأميركية أنّ مدمّرةً في أسطولها البحري اعترضت بعضها فوق البحر الأحمر بدعوى انها كانت تتجه شمالاً، أي الى “إسرائيل”. غير انّ مصدراً يمنياً مسؤولاً في صنعاء نفى إسقاطها لكون الصواريخ اليمنية من طراز ارض – جو ترتفع الى ما يتجاوز 100 كيلومتر في الغلاف الجوي للأرض ولا توجد أنظمة دفاع جوي لدى المدمرات الأميركية تستطيع الوصول اليها.
ـ قدّم جوش بول، المسؤول الكبير في وزارة الخارجية الأميركية، استقالته معلناً انه لا يستطيع السكوت على تزويد “إسرائيل” بالمزيد من المساعدات العسكرية الأميركية، واصفاً بيان إدارة بايدن بأنه “ردّ فعل متهوّر ينطوي على إفلاسٍ فكري”. وقال إنه لا يستطيع الاستمرار في وظيفةٍ تُسهم في قتل مدنيين فلسطينيين. وتبيّن لاحقاً انّ ثمة جواً من العصيان يسود أروقة وزارة الخارجية تجلى بقيام لارا فريدمان، رئيسة مؤسسة السلام في الشرق الأوسط، بتقديم استقالتها أيضاً تضامناً مع زميلها.
ـ أوعزت حكومة “إسرائيل” الى سكان المستوطنات في الجليل الأعلى الموجودة على عمق 5 كيلومترات من الحدود مع لبنان بإخلاء المنازل فوراً ما أدى الى نزوح اكثر من 50000 مستوطن، والحبل على الجرار. مع العلم أنّ عدد المستوطنين المأمورين بالنزوح في كلّ أنحاء كيان العدو بات أكثر من 300 ألف.
ـ اتساع رقعة التظاهرات الحاشدة والمنددة بـِ “إسرائيل” واعتداءاتها الوحشية على المدنيين في قطاع غزة بشتى دول العالم، لاسيما في دول غرب أوروبا.
كيف يمكن أن تردّ أطراف محور المقاومة على هذه التحديات الماثلة؟
ثمة خيارات ثلاثة:
أوّلها عسكري: توسيع دائرة الاشتباك بضرب الركائز الثلاث للاقتصاد الإسرائيلي وهي منشآت النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، ومخازن الأمونيوم في حيفا، والمطارات الجوية والموانئ البحرية، والمصانع والبنى الاقتصادية التحتية في منطقة “غوش دان” الساحلية الممتدة بين حيفا شمالاً وعسقلان جنوباً.
ثانيها اقتصادي: قطع إمدادات النفط والغاز عن دول الغرب أو منع مرورها في مضائق هرمز وباب المندب وقناة السويس.
ثالثها سياسي: التوجّه، سياسياً واقتصادياً، شرقاً نحو الصين وروسيا.
قد تبدو توجهات هذا الاستشراف قابلةً للتعثّر في بعض الساحات والميادين، لكنه يبقى قابلاً للتحقيق في معظم مقارباته وتوجهاته الجدّية. غير أنّ ذلك كله يتوقف على مسألة توافر إرادة العمل والمثابرة لدى مختلف اللاعبين المتصارعين، خصوصاً الكبار منهم، وهو أمر يصعب احتسابه او استشرافه في المرحلة الراهنة للصراع.
*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى