أولى

«طوفان الأقصى» وانهيار المشروع الاستعماري في فلسطين…

‭}‬ د. جمال زهران*
استمرّت وتستمرّ وستستمرّ عملية «طوفان الأقصى»، التي بدأت يوم السبت السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ومرَّ عليها أكثر من أسبوعين، الأمر الذي أضفى عليها أهميّة قصوى. والأمر الذي أدّت إلى تداعيات كبرى على كافة الأصعدة داخل الكيان الصهيوني ذاته، وفي المقابل داخل الدولة الفلسطينية وكلّ صفوف المقاومة دفاعاً عنها وعن شعبها وعن تاريخها.
كما أنّ التداعيات تتحرّك ككرة الثلج، أو شعلة النار، إقليمياً، ودولياً، بصورة لم يسبق لها مثيل، في كلّ العمليات المقاومة ضدّ الكيان الصهيوني من قبل والتي استمرّت على مدار ثلاث سنوات، خاصة في أبريل/ نيسان من كلّ عام، بدأت خلال شهر رمضان (أبريل/ مايو) عام 2021، واستمرّت حتى أبريل/ نيسان الأخير. وقد كانت الوساطات، في مقدّمتها مصر، وبالتعاون والتنسيق مع قطر وآخرين، تصل نتيجة مفادها، اتصال من الرئيس الأميركي، الذي يعطي التعليمات والسيناريو المطلوب تنفيذه، وما على الأطراف عبر الوسطاء، إلا تنفيذه. أما الجديد في هذا العام وفي هذه العملية، هو أنّ المفاجأة الاستراتيجية، التي بادرت بها المقاومة الفلسطينية عبر تصدّر حركة حماس الجهادية المقاومة، وبالتنسيق مع حركات المقاومة الأخرى، في مقدّمتها حركة الجهاد الإسلامي، كان لها وقع الصدى، على اعتبار أنها بدأت… لا لكي تتوقف، بل لتستمرّ حتى تحرير بيت المقدس، وكلّ فلسطين من النهر إلى البحر، أيّ كلّ التراب الفلسطيني، وهو ما يعني ضمنياً وصراحة، إنهاء الكيان الصهيوني، وإجباره على التفكك والرحيل.
فعندما تستمع إلى مفجّري هذه العملية وقادتها، تستطيع أن تستشرف ما يحدث وما سيحدث بسهولة، استطعت التعبير عنها وتحليلها، في لقاءات إعلامية تجاوزت (25) لقاء حتى الآن. فمع البيان أو الخطاب الأول بعد بدء عملية «طوفان الأقصى»، للسيد إسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس)، استطعت فهم واستخلاص، أنّ العملية التي بدأت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لن تتوقف ومستمرة حتى تحرير الأقصى، وكلّ فلسطين. كما فهمت أيضاً، أنّ عصر الوساطات الإقليمية السابق حدوثها قد انقضى، وانتهى إلى غير رجعة، وأنّ كلّ طرف عربي أو إسلامي أو دولي، عليه أن يتصرف وفقاً لمسؤوليته، ودوره.
أما اللقاء الثاني للسيد هنية، كان للتأكيد على هذه المعاني، بالإضافة إلى تحذيرات للعدو الصهيوني، والأميركي في حالة مساندته للنتن-ياهو وحكومته الإرهابية، من الدخول البري لغزة، والتحذير من الاستمرار في العدوان على شعب غزة، والإصرار على التهجير.
كما أنّ الخطاب الثاني، أعلن أنّ الفلسطينيين في غزة لن يرضخوا لأيّ ضغوط بالترحيل القسري، والتهجير الإجباري من غزة، ولذلك نشكر مصر على موقفها المعلن، برفض التهجير إلى الأراضي المصرية، وفقاً لما يعلنه الصهاينة والأميركان وأطراف أوروبية، بل وعربية للأسف! أيّ أنّ البيان الثاني أكد على عدم التهجير عموماً، وإلى أراضٍ مصرية أو غيرها على الإطلاق، وأكد أنّ العدو الصهيوني يرتكب حماقاته، في ضوء شعوره بالهزيمة الكبرى التي فوجئ بها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول على يد المقاومة. فليس أمامه إلا ضرب المدنيين، وخاصة أُسر قادة المقاومة، الأمر الذي راح ضحيته حتى الآن من الشهداء الفلسطينيين أكثر (4) آلاف شهيد، ونحو (15) ألف جريح، وسط عدم القدرة على فتح معبر رفح، بل والاعتداء عليه (4) مرات من قبل الكيان الصهيوني، وهدمه، لتوصيل المساعدات الغذائية والصحية، للفلسطينيين في غزة لإنقاذهم، وفُتحَ مؤخراً ظهر السبت 21 أكتوبر/ تشرين الأول، وبشروط مشددة وذلك لتمرير 20 شاحنة فقط.
أما اللقاء الثالث، للسيد هنية، فقد كان بمثابة القنبلة، كردّ فعل على ارتكاب الكيان الصهيوني، جريمة تفجير مستشفى المعمداني، وراح ضحيتها نحو (1500) شهيد ومصاب، وهي جريمة حرب إنسانية، سيدفع العدو الصهيوني والأميركان ثمنها فادحاً.
ولو تتبعنا خطابات كلّ المقاومين في الجهاد وغيرها، فإنّ رسائلها مشابهة ومتكاملة، لخطب السيد هنية، الأمر الذي يؤكد وحدة حركات المقاومة، ووحدة الساحات، والإصرار على تحقيق الهدف الاستراتيجي الذي تمّ الإعداد له، والتدرّب على تحقيقه في آخر ثلاث سنوات من عام 2020.
إذن نحن أمام عملية عسكرية كبرى للمقاومة الفلسطينية، لها هدف استراتيجي، هو التحرير والاستقلال، وهو ما سيُفضي حتماً إلى انهيار الكيان الصهيوني من الداخل. وقد تفسّر كافة التصرفات التي يأتي بها العدو، على أنها ردة فعل للهزيمة الضخمة له، وراح ضحيتها حتى الآن أكثر من (2000) قتيل، و(5) آلاف مصاب، كما أنها تُعبّر عن فقدان العدو الصهيوني توازنه، وعقله، وأضحى يتصرّف بلا مسؤولية سيدفع الثمن غالياً، وهو الانهيار الكامل.
كما أنّ زيارة بايدن (الرئيس الأميركي الديموقراطي)، للكيان الصهيوني وفي طائرة عسكرية، عبر اليونان، بعد فشل وصوله إلى الأردن وفشل عقد اجتماع رئاسي رباعي يضمّ (الأردن – السلطة الفلسطينية – مصر – أميركا)، ليؤكد أنّ هذه الزيارة التي لم يسبق حدوثها في وقت الأزمات السابقة، كانت كاشفة عن الضعف الذي وصل إليه الكيان الصهيوني، ومن ثم فهو في حاجة إلى ضخّ المساعدات من دعم معنوي ومادي لإنقاذه واستمراره في أداء وظيفته الاستعمارية. حيث أدركت أميركا – الوجه الاستعماري القبيح والجديد ووريثة الاستعمار القديم، أنّ المشروع الاستعماري، للكيان الصهيوني يتعرّض لضربة قوية ستؤدي لانهياره تماماً. ولذلك جاء الرئيس الأميركي لإنقاذ مشروعه الاستعماري الذي يتهاوى. ولكن المشروع في طريقه للانهيار التام عما قريب. وبذلك تكون أميركا قد فشلت في إنقاذ الكيان الصهيوني، مثلما فشلت في إنقاذ أوكرانيا، ولهذا شرح مقبل…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس – مصر

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى