الوطن

لقاء في سفارة إيران بدمشق عن «سقوط إسرائيل» والسفير أكبري يؤكد تكامل الساحات العميد طارق الأحمد: استراتيجية محور المقاومة توصل كيان الاحتلال إلى نهايته الحتمية

بدعوة من سفير الجمهورية الاسلامية الإيرانية في سورية حسين أكبري، شارك عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي العميد طارق الأحمد في اللقاء التشاوري السياسي تحت عنوان «إسرائيل على منحدر السقوط»، والذي عُقد في مقر السفارة الإيرانية بدمشق، بحضور عدد من الخبراء السياسيين والعسكريين، قدم كلّ منهم ورقة بحث في هذا المجال.
استهلّ اللقاء نائب السفير الإيراني علي رضا آيتي مرحباً بالحضور ومؤكداً على دور محور المقاومة في الشراكة الكاملة مع المقاومين في فلسطين حتى إتمام النصر.
وكانت كلمة للسفير أكبري أكد فيها أهمية التشاور العلمي ودور الباحثين من أجل رفع الوعي في العمل المقاوم، كما نقل تحيات القيادة الإيرانية لسورية، وأكد على متانة المحور وتكامل أدوار الساحات حتى النصر المؤزر.
بدوره أكد العميد طارق الأحمد في ورقته البحثية بعنوان: شيخوخة الاحتلال على دور الوعي الذي شكله العمل المقاوم منذ أول شهيد للحزب السوري القومي الاجتماعي على أرض فلسطين حسين البنا عام 1936 إلى كل عمليات المقاومة وصولاً إلى ما نعيشه اليوم، وإنّ وحدة الساحات لها معنيان تاريخي وجغرافي هو تطور العمل المقاوم بالتتابع بين القوى التي ما تركت السلاح، ثم تكاملها من غزة إلى الضفة ولبنان وسورية والعراق واليمن، كما أن ما يحدث في غزة من تحوّل أسطوري سيكون له الأثر في الصراع العالمي الدائر حاليآ بين القوى الكبرى لتثبيت التعددية القطبية وإجبار الغرب الاستعماري على الاعتراف بوجود قوى حية صاعدة بقوة الانتصار، من روسيا والصين إلى محور المقاومة، وكل ذلك سيرسم من نصر فلسطين.
شيخوخة الاحتلال
تحت هذا العنوان تحدثت في لقاء سابق عُقد إثر آخر عدوان اسرائيلي على غزة، وقلت إن هذا الكيان بجيشه الذي أصبح يخرج من معركة إثر أخرى مع مختلف جبهات المقاومة، وحتى فصائلها التي غدت تقاومه منفردة أحيانا بتكتيك أو تنسيق، ثم لا يحقق أهدافه وينهي أو يؤجل حروبه، فتلك هي من أهم مظاهر شيخوخة الكيان برمته وإنهاكه وبالتالي اقترابه من الموت.
وهنا لا بدّ لنا أن نبرز السمات الأساسية لاستراتيجية محور المقاومة في التعامل مع هذا الكيان والتي تعتمد على استخدام كل سلاح يؤدي إلى زيادة كهولته أو أمراضه وبالتالي نهايته الحتمية، في مقابل ما كان يحصل سابقاَ من حروب ومواجهات عمل بعضها بدون دراية الشعوب اوتآمر الكثيرين، على مدّ عمر الاحتلال ومنحه أسباب الحياة والقوة.
لقد مرّ على احتلال ارضنا في فلسطين منذ حالات الاستيطان المبكرة أيام السلطنة العثمانية أكثر من قرن من الزمان، وكانت السمة الغالبة فيه هي غياب الوعي لدى شعوبنا بماهية هذه الحركة الصهيونية وكيفية التصدي لها، وجاءت حركات المقاومة الشعبية ضد الاحتلال البريطاني وعصابات الاستيطان اليهودية منذ ما قبل تأسيس دولة الكيان، لتشكل فرصة مبكرة للانتهاء منه عبر العمليات الفدائية والكفاح المسلح، وقاد أهمّ تلك الثورات المجاهد عز الدين القسام، كما عملت أحزاب وقوى شكلت وعياَ مبكراَ لخطورة المشروع الصهيوني على تنفيذ عمليات فدائية فسقط أول شهيد للحزب السوري القومي الاجتماعي وهو الشهيد حسين البنا من جنوب لبنان على أرض فلسطين عام 1936.
لكن حالة الدول العربية التي كانت إما تحت الاحتلال الغربي الذي مشروعه هو تأسيس «دولة إسرائيل»، أو تشكل طبقات حاكمة فيه، غير بعيدة كلياَ عن العمل وفق الأدوات الناعمة للغرب، حيث أراد أن يحكم المنطقة عبر أنظمة تابعة أو أدوات وقوى ناعمة وارتباط تأثير اقتصادي وثقافي وعلمي به، ونجم عن ذلك استلام كيان ما يسمّى بالجامعة العربية معظم زمام المبادرة في ما أصبح يسمى القضية الفلسطينية عبر عقود من الزمن، وبعد هزيمة الجيوش العربية عام 1948، كلّ ذلك كان يطيل في عمر كيان الاحتلال وينقذه من أزماته أيضآ، وكثير من الأحيان كان يجري ذلك بالتعاون والتآمر بين الدوائر الغربية الداعمة للطرفين، الأنظمة من ناحية و»إسرائيل» من ناحية أخرى…
خلال كلّ ذلك نشأت قوى المقاومة الفدائية والتي اتخذت نهجاَ يدعو إلى حرب التحرير الشعبية وحافظت عليه رغم وقوف جلّ الأنظمة العربية والغربية ضدها ودعمها لنهج آخر حتى ضمن الحالة الفلسطينية، يقوم على التسويات غير الناضجة والتي شتتت حتى المعركة مع العدو وحوّلتها في كثير من الأحيان إلى نزاعات داخلية في استكمال للمؤامرة ومن أهم امثلتها الحرب الأهلية في لبنان.
عند الحديث هنا عن معركة طوفان الأقصى الدائرة حالياً، فإننا نتناول رأس جبل الجليد الظاهر فقط من أصل صراع ضخم بين نهجين كبيرين في المنطقة يدعو أحدهما إلى الإذعان تحت عنوان الاعتدال، ويعمل الآخر على تفعيل كل أسباب القوة الكامنة في شعوب منطقة الشرق كله ليتحرر وإلى الأبد من هيمنة قوى الاستكبار العالمي والتي تريد الاستمرار في مصّ خيرات كلّ شعوب العالم وتؤمن بأنّ هذه المعركة هي واحدة.
من هنا لا يمكن لنا أن نفصل ما يجري في غزة عن الاحتلال الأميركي لضفتي نهر الفرات ودجلة في سورية والعراق، وما تدخل الكيان الإسرائيلي في الحرب الخبيثة التي شنت على الداخل السوري خلال اثني عشر عاماً ، إلا أحد أركانها، بحيث انها لو حسمت لصالح القوى الأخرى وهزمت سورية، لكنا الآن أمام تصفية المسألة الفلسطينية واللبنانية والعراقية نحو الهيمنة الأميركية المطلقة على المنطقة بقيادة كيان اسرائيلي متجدّد العمر والهوية والوظيفة أيضاً.
إذا لا بدّ لنا أن نذكر بأنّ إسرائيل بشكلها الحالي لن تعود لتشبه ما كانت عليه في السابق وخاصة لجهة إرادة القتال، لأنها حين قررت أن تتحوّل من «إسرائيل الكبرى» إلى «إسرائيل العظمى» بقرار غربي جمع فيها أهمّ مراكز المال والاقتصاد والعلوم والتكنلوجيا لتجعل ايّ دولة تريد أن تتطور بحاجة لها كما حصل مع روسيا والصين والهند وغيرها، لكن الآثار الجانبية لذلك قد حوّل «المجتمع الإسرائيلي» إلى مجتمع مترف اختلف بشدة مع المهاجرين المستوطنين الجدد وحدثت شروخ طولانية أدّت إلى كلّ الشقاقات في بنية النظام المؤسس كنا شاهدناه منذ سنة فائتة ولا زال يتفاعل، وما سياسة استمرار قضم الأرض الفلسطينية حتى اتجاه السلطة التي وقعت معها اتفاقيات أوسلو، إلا تعبير عن تضخم الذات دون وجود تفكير حصيف لآثار ذلك على الكيان ذاته، ولكن وفي ذلك الوقت، فثمة من يراقب إسرائيل جيداً ويدرس نقاط ضعفها التي إن شبّهناها بأغلى أنواع الجبنة الفرنسية، لكنها ملئى بالثقوب.
الفأر في المصيدة
وحدها أنفاق غزة ومصانع السلاح واللوجستيات فيها، وحجم التكنولوجيا المتقدمة التي نقلت إليها بتعاون تكاملي من محور المقاومة من إيران الى سورية وحزب الله وحتى الحشد الشعبي ثم أبدع المقاومون في تمكينها، تعتبر أكبر مصيدة لرأس الفأر المتشكل من الجيش الإسرائيلي وخلفه الناتو بحيث علق وجهه في الشرك منذ عملية السابع من تشرين الأول هذا العام ولا يزال غير قادر لا على التخلص من آثارها ولا الردّ بمكان آخر، لا بل هو لا يزال يراكم الفشل في عدد لا ينتهي من الجبهات، سواء في الداخل المشتعل، او جنوب لبنان المتهيء او شرقي الفرات الذي ينتظر اللحظة، بالتعاون مع قوى عالمية تزداد اقتراباً من محور المقاومة بعدما كانت ترتبط بعلاقات مميّزة مع دولة الكيان، وتجلى ذلك من عودة وقع الفيتو الروسي الصيني المزدوج في مجلس الأمن وأول الغيث قطرة، لأنّ روسيا تستفيد أيضاً من علقة فأر الناتو ذاتها في أوكرانيا كما ترتاح الصين لنفس الأمر في بحر الصين الجنوبي وتايوان.
قد يكون أهمّ ما في طوفان الأقصى هذه المرة، وصحيح اننا نتحدث عن حماس التي ضربتها خلافات صميمية مع سورية، هذا وقت النقاش حولها وليس لوقت آخر، ولكن النقاش ينتهي بسرعة حين ندرك أنّ تحوّلاَ جوهرياَ قد تشكل في بنية قيادة وتفكير حماس، حيث لم تعد ملتزمة بنهج يقاد من ذات المنهل الذي يعيش ظاهره في بيئة المقاومة وباطنه في حضن الناتو وقواعده، بل أصبح تعبير وحدة الساحات، كناية عن المصير الواحد الذي جعل صواريخ اليمن تدك إيلات نصرة لفلسطين، مما جعل دفن السردية المسمومة للصراع المذهبي بين (سنة وشيعة وعدو فارسي) وكلّ تلك التعابير التي أصبح يقف خلفها جيش من العملاء أو البلهاء، أحد اهمّ نتائج هذا الطوفان وما على الآخرين إلا أن يسلّموا بريادة محور المقاومة، ليس في ميدان الكفاح والتحرير والقوة فحسب، بل وبناء القدرات وجلب التكنولوجيا وبناء السرديات الصحيحة التي على العالم الحر كله الذي يقف مع الحق من أميركا اللاتينية إلى أرمينيا والنيجر، أن تدرك أهمية الانتصار لحق الشعوب في التحرر ونبذ التفرقة وانّ أصل كلّ هذه المعارك هو أصل واحد وهو حرية كلّ هذا العالم من حرية فلسطين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى