أولى

يوم القدس العالمي: يوم التحشيد للتحرير

‭}‬ العميد د. أمين محمد حطيط*
بات يوم القدس العالمي الذي أعلنه للمرة الأولى في العام 1979 الإمام الخميني مرشد الثورة الإسلامية في إيران، يوماً يفرض نفسه وحضوره الهامّ بحيث لم يعد ممكناً تجاوزه أو تجاهله حتى من قبل من لا يلتقي سياسياً مع إيران. وهو منذ ان أُعلن يستمرّ في التجذر والتبلور تصاعدياً ويواصل الضغط على كيان العدو الإسرائيلي لكونه حدثاً يُقصد منه دعوة الأمة الإسلامية وقبلها الأمة العربية كلها للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي حرمته الصهيونية من أرضه وحقوقه في دولة. وبات يوم القدس مناسبة يُدعى فيها الى تحشيد الطاقات الى جانب الشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه السليبة التي اغتصبها الصهاينة في فلسطين فدعا الإمام الخميني في آب من العام ١٩٧٩ أي في العام ذاته الذي انتصرت فيه الثورة الإسلامية الى إقامة «يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة لشعب فلسطين»، والسؤال هنا لماذا «يوم القدس» وليس يوم فلسطين؟
ان الإجابة على هذا السؤال تكمن في رمزية القدس المدينة المقدسة وما تشمل وما تتصل أو يتصل بها حيث تشكل القدس في بنية فلسطين والقضية الفلسطينية النقطة المركزية المحورية التي تختصر القضية وتضيء على أبعادها ومضمونها برمته من الزوايا التاريخية والديمغرافية والدينية والتراثية والفكرية والإنسانية من كل الجوانب فضلاً عن كونها تحرك شعوراً دينياً جامعاً الى جانب الشعور القومي والإنساني، ولذا باتت القدس في القضية الفلسطينية تشكل قطب الرحى وبتنا عندما نقول القدس نعني فلسطين كلها وعندما نقول فلسطين فإننا نؤكد على مكانة القدس منها باعتبارها بؤبؤ العين الفلسطينية، ولأجل ذلك عندما أعلن الإمام الخميني الجمعة الأخير من رمضان من كل عام يوماً عالمياً للقدس وحدد هدف هذا اليوم بأنه للتضامن مع الشعب الفلسطيني يكون قد اتخذ القدس مدخلاً الى القضية الأساس وان القصد فيها تثبيتها هي وتالياً فلسطين كلها في وجدان الأمة والإنسانية والتأكيد على كونها محتلة ومغتصبة ويجب تحريرها وعلى وجوب مساهمة الجميع في مسيرة التحرير هذه.
واليوم ومع اشتداد الصراع حول فلسطين وجوهرتها القدسيّة تتقدم القدس بما فيها من معانٍ ومقدسات دينية للرسالات السماوية الثلاث تتقدم المشهد وتحتل موقع الصدارة في اهتمام المقاومين ومحور المقاومة بعد ان أبدى ويبدي العدو الإسرائيلي كلّ عدوانية وشراسة لا بل وحشية في تهويد القدس وتملكها وجعلها حكراً على اليهود واتخاذها كلها وبكلّ أجزائها وأحيائها دونما استثناء عاصمة موحدة للدولة الصهيونية اللقيطة التي اغتصبت فلسطين وتتجه الآن لتملكها بكاملها من البحر الى النهر مطلقة مقولة أنّ «بين البحر والنهر لا مجال لقيام دولة إلا دولة واحدة هي دولة اليهود» أيّ «إسرائيل» ولا محلّ إلا لسيادة واحدة فيها هي «السيادة اليهودية الصهيونية» ما يعني وجوب تصفية قضية فلسطين خارج أراضيها.
واتضح اليوم انّ النهج الاستعماري الاحتلالي الصهيوـ غربي يتنافس بأجنحته في العمل خدمة لهذه الاستراتيجية الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية على أحد وجهين:
ـ الوجه الأول: هو ما يدور الآن في غزة وهو الوجه التدميري الشامل الذي يقوده اليمن الإسرائيلي المتطرف بقيادة نتنياهو ويقوم على تصفية القضية عبر الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني حيث هو في غزة أولاً ثم الضفة الغربية وانتهاء بالأرض التي احتلت في العام 1948، إبادة تكون بالقتل والتدمير والتشريد وجعل الأرض غير قابلة للحياة.
ـ والوجه الثاني هو ما تسعى اليه أميركا عبر مقولة حلّ الدولتين: دولة يهودية من غير قيود على توسعها ونموّها ودولة فلسطينية خاوية المضمون منعدمة السيادة واهنة البنيان تكون قابلة للابتلاع والهضم المتدرّج من قبل الدولة اليهودية، وهذا ما اتضح من خرائط «صفقة القرن» التي أعلنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وفيها كيان فلسطيني مشرذم ومؤقت. وهذا ما يؤكده الموقف الصهيوني بكلّ فئات «إسرائيل» رفضاً منهم لقيام دولة فلسطينية على أيّ جزء من فلسطين، رفضاً يتمّ تحت نظر وسمع العالم ولا يحرك أحد ساكناً لا بل يمدّون «إسرائيل» بكلّ أنواع الأسلحة لفرض مشروعها.
في ظل هذه الحقائق والوقائع تبرز أهمية التضامن مع الشعب الفلسطيني لأنه حقيقة تضامن مع الذات، وأهمية إحياء يوم القدس باعتباره يوماً للتضامن الدائم مع الشعب الفلسطيني وأنه يوم يتواصل فيه رفض وجود هذه الغدة السرطانية التي يشكل مجرد وجودها إخلالاً بأمن المنطقة وهدر طاقاتها وحقوق شعوبها في الأمن والثروة والعيش الكريم. ومن هنا تبرز أهميّة المقاومة ودور محور المقاومة في مواجهة هذا المشروع الأجنبي الإجرامي المنتهك لكلّ الحقوق والقوانين. وبهذا تجد الأمة نفسها مدعوّة لحشد الطاقات وبذل كلّ ما يمكن من أجل التصدّي لهذا العدوان الأجنبي المتمادي على الأمة وشعوبها، وأن يعي العرب والمسلمون أن المشروع الصهيوـ غربي الاحتلالي الاستعماري يستهدفهم أينما كانوا ومهما بعدت أوطانهم عن فلسطين، وأن لا راحة وأمن يحلمون به إلا إذا هزم المشروع العدواني هذا، كما يسعى محور المقاومة.
نعم إنها مواجهة مفروضة بين مشروعين مشروع استعماري تدميري شامل، ومشروع مقاوم تحريري إقليمي ودولي، مواجهة بدأت إرهاصات نتائجها الإيجابية تظهر لصالح مشروع التحرر وبدأت المقاومة تحصد الإنجازات عبر الربح بالنقاط، ما يقوّي الأمل بالانتصار الكبير الآتي، انتصار يتطلب دون شك بذل المزيد من التضحيات التي لا بدّ منها في هذا المجال، لكنها تبقى تضحيات أقلّ كلفة على الأمة من الخسائر الاستراتيجية الكبرى التي يمكن أن تقع وتحلّ بساحتها إذا انتصر المشروع الصهيوني.
*أستاذ جامعي ـ خبير استراتيجي.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى