مسلسل «لو» يرسم حدود الصراع النفسي بين المشاعر والقيم
دمشق ـ محمد سمير طحان
يحصد مسلسل «لو» نسبة عالية من المشاهدة العربية، وفق استطلاعات القنوات التي تعرضه، فرغم بساطة محاوره الدرامية واعتماده على قصة قائمة على خيانة زوجة لزوجها، إلاّ أن معالجته الأبعاد النفسية لكل شخصية على حدة، وتفاعل الشخوص ضمن سياق الحوادث، ميّزته عن أعمال أخرى تعرض اليوم.
يثبت المخرج سامر البرقاوي من خلال هذا العمل اسمه كأحد أفضل مخرجي الدراما في سورية، مقدماً رؤية إخراجية محترفة قائمة على تقنية سينمائية عالية، وحساسية مفرطة للصورة. اختياراته للكادر موفقة، وحركة الكاميرا وزواياها ذكية ومتوافقة مع الأداء وتفيد من طبيعة المكان، ناسجاً صلة جميلة بين الممثل والنص والمكان.
لكن تؤخذ على العمل الإطالة لبعض المشاهد في عدد من الحلقات خاصة تلك المكرّرة للاستذكار فلاش باك إذ يتمّ اللجوء إلى هذا الأسلوب بنسبة كبيرة، كمحاولة للإطالة غير المبررة للحوادث، وهذه علة الأعمال الكثيرة الحلقات دونما حاجة درامية إلى هذا العدد من الحلقات، مثل مشاهد التأمل في جمال البطلة، وهي تصب في الغاية نفسها، ما أضفى على المسلسل سمة البطء.
لناحية النص، أنجز السيناريست بلال شحادات سيناريو جيداً وحواراً عميقاً، استناداً إلى قصة مأخوذة من فيلم أجنبي وليس من قصص أجنبية، وثمة إشارة إلى ذلك في شريط المقدمة، وهو يغوص في عوالم الشخوص المقدمة وكل منها بطل أساسي وله دور في تحريك الحوادث، رغم قلة الشخوص، ويحسب ذلك للكاتب الذي تغلب على هذه المشكلة من خلال المونولوغات الداخلية لأبطاله بعيداً عن النمط السائد والبسيط، فكان للصورة دور كبير في إبراز المونولوغ وتحميل الأداء عبء إيصال الحالة الداخلية لكل شخصية، والحوار جريء على بساطته.
الأداء التمثيلي ذو مستوى عال وله دور كبير في تقريب المشاهد من الشخوص والتعاطف معها، حتى في أخطائها، وإن حسبنا ذلك أمراً سلبيّاً يجب ألا يكون. لكن قدرة الممثلين على تقمص الحالات الإنسانية قائمة على تقديم رؤى مختلفة ومتباينة حول مواضيع الحب والخيانة والوفاء، وعابد فهد ونادين نجيم ويوسف الخال نجوم حقيقيون في هذا العمل.
الأدوات الفنية الأخرى من تصوير وإضاءة وصوت وديكور وأزياء وغيرها احترافية ومساعدة جداً في تقديم صورة متطورة. ولعل الموسيقى التصويرية التي قدمها الموسيقي إياد الريماوي هي من أبطال العمل، إلى جانب أغنية المقدمة الجميلة من تأليف مروان خوري وتلحينه وغناء إليسا.
رغم أن القصة مأخوذة من فيلم أجنبي، إلى درجة التطابق تقريباً، فإن ثمة ما ينبئ بظاهرة خطيرة في الدراما السورية هي قلة المواضع الخاصة بالمجتمع السوري والعربي ودليل فقر في الأفكار وتوجه نحو التخلص من هوية الدراما المحلية. إلا أن مجموعة عناصر اجتمعت في هذا العمل لتضفي إلى نتيجة جميلة غير بعيدة عن الواقع الاجتماعي الذي وصلنا إليه من انحدار أخلاقي وغياب الوفاء بنسبة كبيرة وتحكم النزوات والرغبات في حياة كثر. ولعل التناول الفني المحترف لقصة تبدو للوهلة الأولى غريبة عن مجتمعاتنا له الفضل في إعطاء مساحة من التأمل، والتوقف أمام الكثير من التفاصيل التي تحتاج إلى إعادة الاعتبار، مثل الحب والوفاء والتضحية والقناعة بما نملك.