هل يُرجى الإصلاح من الكتل؟
مصطفى حكمت العراقي
يُخيِّم الغموض على الواقع العراقي بمختلف أجزائه، فالشعب العراقي يكاد لا يكون عارفاً بأي شيء يحصل من حوله، خصوصاً فيما يتعلق بملف الإصلاح وسط الفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة. الإصلاح الذي دعا إليه رئيس الوزراء حيدر العبادي بعد سلسلة من المناشدات الشعبية وكذلك بعد أن بُحّ صوت المرجعية الدينية الراعي الأول لوصول هؤلاء السياسيين إلى السلطة، لا سيما أطراف التحالف الوطني الشيعي والذي كانت غالبية الكتل المنضوية فيه تتبجح بقربها من مرجعية النجف الأشرف، وصولاً إلى تمثيلها في العملية السياسية، إلى أن انكشف زيف هؤلاء السياسيين بعد أن أعلنت المرجعية تعليقها الكلام في الشأن السياسي، إلا للضرورة القصوى، الأمر الذي كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر السياسيين جميعاً، وأدى إلى خروج الشعب العراقي بتظاهرات حاشدة رفضاً للفساد، وصولاً إلى قيام أبناء التيار الصدري باعتصامات حاشدة على أبواب المنطقة الخضراء المُحصّنة والتي تمثل مركز صناعة القرار السياسي في العراق منذ الجمعة الماضية بعد دعوة رئيس التيار السيد مقتدى الصدر إلى ذلك، ما مثّل تصعيداً غير مسبوق في التعبير عن الرفض الشعبي لفساد الكتل الحاكمة في العراق والذي أوصل داعش قبل أكثر من سنة إلى أسوار بغداد.
وبما أنّ السيد الصدر كان ولا يزال ركناً أساسياً في التحالف الذي أوصل العبادي إلى السلطة، فقد شكّل تحركه الشعبي الأخير صفعة قوية لحلفائه وخصومه السياسين وقد أدركوا أنّ الإصلاح هو الحلّ الوحيد للخروج من عنق الزجاجة التي وضعوا فيها أنفسهم والبلاد معهم. كما طالب السيد الصدر بمنع سفر المسؤولين الفاسدين إلى خارج البلاد وإرجاع من غادروا إلى العراق فوراً. وفيما دعا إلى التجمُّع في ساحة التحرير الجمعة المقبلة لإقامة صلاة موحّدة، اعتبر الصدر أنّ ما يُشاع بأنّ ما يحصل هو خلاف شيعي ـ شيعي أمر خاطئ. وقال الصدر في بيان: «وردنا خبر شبه مؤكد عن خروج المسؤولين من الخضراء وسفرهم إلى الخارج، أما خروجهم من المنطقة الخضراء فهذا في حدّ ذاته ينطبق عليه القول الشائع: «يكاد المجرم أن يقول خذوني»، أما سفرهم، لا سيما المفسدين منهم، فيقتضي الإسراع في إصدار قرار يقضي بمنعهم من السفر وإرجاع من غادروا إلى العراق فوراً، داعياً الدولة المعنية إلى عدم إعطائهم الفرصة للتنصُّل والهرب. وجدّد الصدر دعوته إلى الحوار مع الأطراف المعنية كافة، للوصول إلى الإصلاح المنشود، لا سيما مع الكتل الأخرى غير التحالف الوطني، «من حيث أنه استجاب لدعوتنا للحوار سابقاً»، مطالباً الكتل الأخرى بتحمُّل المسؤولية الوطنية أمام التحديات، وإلا فهي مسؤولة أمام الله وشعبها وستكون مقصّرة في ذلك، لذا يجب أن تعلن موقفها بوضوح ومن دون تسويف. وجدّد الصدر دعوته رئيس الوزراء لكي يكون شجاعاً في تنفيذ الإصلاحات من دون مجاملة أو خوف من أي من الكتل المتستّرة على فاسديها ومقصّريها، على أن يتم ذلك على مرحلتين لا أكثر.
جاء هذا البيان بعد أن أعلن الصدر اكتمال الترشيحات لمناصب الدولة العليا والتي أعدّتها لجنة كلفها بنفسه مسبقاً بغية عرضها على العبادي، باعتبارهم وزراء تكنوقراط من خارج كلّ الأحزاب السياسية الحاكمة الآن.
يوحي بيان الصدر الأخير بأنّه مستمر في الاعتصام وسيُبقي على الخيم على أسوار الخضراء حتى تحقيق الإصلاح المنشود، خصوصاً أنّ الصدر تسلق إلى أعلى الشجرة مع تياره ولا يمكنه النزول عنها مباشرة من دون سلم يستند إليه لكي يحافظ على ما حصل من مكاسب تلتقي بشكل أو بآخر مع تطلعات الشعب العراقي الساخط والرافض لكلّ أنواع المحاصصة السياسية، كما أنّ معظم التسريبات تشير إلى أنّ الصدر حصل على مباركة من المرجعية الدينية التي التقاها قبل أيام للسير في مشروعه الإصلاحي وهو ما جعله أكثر قوة في موقفه الأخير. أما الكتل السياسية، فاختلفت ردودها من طرف إلى آخر على اختلاف مصالحهم وأهدافهم وما يربون إليه. فالتحالف الكردستاني أعلن تمسّكه بوزرائه، كما أنه قال إنّ العبادي غير واضح فيما يريد. وأعلن تحالف القوى العراقية السنية أنه لا يعرف أي الوزراء الذين سيطالهم مقصّ العبادي وصولاً إلى عدم ترشيح أي وزير بديل. أما المجلس الأعلى الإسلامي الذي يتزعمه السيد عمّار الحكيم فقد تهجّم على ائتلاف دولة القانون الحاكم وساند أغلب خطوات الصدر، وصولاً إلى رفضه التغيير الوزاري إلا بعد خروج تقييم شامل لكامل الكابينة الحكومية بما فيها العبادي.
في المحصلة، إنّ اختلاف الرؤى بين جميع الأطراف السياسية في تشخيص مشاكل العراق أوصل الأمور إلى هذه العشوائية المفرطة، كما أنّ صراع المصالح والنفوذ يسود الموقف، فالجميع لا يريد أن يخرج من كابينة العبادي واللجوء إلى حكومة تكنوقراط مستقلة، لأنّ ذلك سيمثل ضربة قاصمة لحكم الأحزاب السياسية في العراق، أما بالنسبة إلى الاعتصامات، فقد أثبتت التجارب أنّ غضب الشعب لا يمكن لأحد، مهما كان نفوذه وقوته، أن يسيطر عليه لذلك فإن أراد سياسيو العراق الحفاظ على ما تبقى من فوائد في العملية السياسية يمكن البناء عليها مستقبلاً، فإنّ الاستجابة السريعة لمطالب الشعب وإصلاح الفساد بشكل جدي، وليس ترقيعياً، هو الحلّ الأمثل لامتصاص غضب الشارع وإخماد ناره.
إنّ صراع الأيام المقبلة سيكون محتدماً بين من يريد القضاء على المحاصصة وإنقاذ نفسه، وربما إنقاذ البلد بعد ذلك، وبين من يحاول تسويف المطالب وكسب الوقت لجهة الرجوع إلى الكتل للمطالبة بتغيير وزرائها ومجيء وجوه جديدة وهذا ما قام به العبادي مؤخراً، ما ينذر بتعميق الأزمة. فإمّا ضرب الكتل والمحاصصة أو الإبقاء عليهما والسقوط معهما.