الرقة المقاطعة الكردية الرابعة أم جسر تواصل غير معلن؟

سعدالله الخليل

لم تكن زيارة قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط جوزيف فوتيل الأولى ولن تكون الأخيرة لمسؤول عسكري أميركي للأراضي السورية، خاصة بعد التواجد العسكري الأميركي المباشر والمعلن على الأرض السورية، فقادمات الأيام من المؤكد أنّها ستحمل زيارات لمسؤولين عسكريين، ربما أرفع من فوتيل لقيادة أول معركة أميركية معلنة على الأرض السورية ضد تنظيم «داعش» في مدينة الرقة، والتي يبدو أنّ واشنطن حسمت أمرها بدخولها بورقة «قوات سورية الديمقراطية» والتي تشكل «وحدات الحماية الكردية «عمودها الفقري.

ليس مهماً بالنسبة لواشنطن أن تتواجد ب 500 عسكري أو ألف أو عشرة فالمبدأ والخيار الأهم فقد حسم دخولها المعركة،بالتزامن مع رفض أي تنسيق على الأرض مع موسكو،وبالطبع فإنّ التنسيق مع دمشق ليس بوارد في القاموس الأميركي.

أحد عشر ساعة قضاها الجنرال الأميركي يُحضر لمعركة واشنطن في الرقة، ولبناء تحالفات مع قوات عربية وكردية بحسب ما أعلنه فوتيل، فيما كان المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لدى التحالف ضد التنظيم بريت ماكغورك صريحاً بطرح الرؤية الأميركية في معركة الرقة حين قال بأنّ «فوتيل زار كوردستان سوريا للتحضير لهجوم الرقة».

إذاً «كوردستان» سوريا المصطلح الأميركي الجديد الذي على السوريين أن يعتادوا على سماعه من المسؤولين الأميركيين، خاصة بعد تكريس وجودهم على الأرض السورية عسكرياً وسياسياً بتعميق التحالف مع الأكراد ونموذجهم الإداري المتمثل بالإدارة الذاتية، وما رسائل «الفدرلة» كتتويج لمشروع الإدارة الذاتية بمقاطعاتها الثلاث عفرين كوباني «عين العرب» والجزيرة سوى تماهي مع الرؤية الأميركية للمنطقة، ومحاولة تكرار تجربة إقليم كردستان العراق كحاضنة أميركية في الجسد العراقي، وفي سورية لا يخفي الأكراد علاقتهم الطيبة بواشنطن، كما أنهم لا يخفون علاقتهم الوثيقة بروسيا ويوميات الحرب السورية خلال سنواتها الستة أثبتت علاقة لا يمكن إخفائها مع دمشق، وإن حاولت القيادات الكردية بدأ من صالح مسلم محمد رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي إلى أصغر مسؤول التنصل من إقرار الحقيقة، في حين تغض دمشق الطرف عن ابراز تلك العلاقة، وتكتفي بالتأكيد على سورية الأكراد كأحد المكونات الأساسية للدولة والمجتمع له ما للآخرين من حقوق وعليهم ما عليهم من واجبات.

لماذا الرقة إذاً الخيار الأميركي لمحاربة داعش؟..، وهل من مصلحة الأكراد الدخول في معركة على أرض لا حاضنة شعبة فيها لهم؟….، وهل تمنح بعض الفصائل العربية والعشائرية والأقلوية في المفهوم العددي الشرعية لقوات سورية الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية للدخول إلى مدينة الرقة؟…كلها تساؤلات مشروعة تُطرح في الكواليس السورية منذ وصول تلك القوات إلى حدود الرقة قبل عدة أشهر واليوم باتت علنية.

قبل يومين من بدء العملية «الأميركوكردية» على الرقة، طالب طيران التحالف الأميركي المدنيين مغادرة المدينة، وبالرغم من سذاجة الإعلان حيثُ أنه من غير المعقول أن ينتظر القادرون على مغادرة المدينة الدعوة الأميركية، بعد ما عانوه من الظلم لسنوات جراء ممارسات التنظيم المتطرف، فإن في الدعوة ما يطرح تساؤلات عن الغاية «الأميركوكوردية» وراء إفراغ المدينة من سكانها استعداداً لمعركة باتت ملامحها واضحة لدى القيادات الميدانية، والتي تبدأ بمعركة منبج كمقدمة لكسر الخط الأحمر التركي لعبور القوات الكردية غرب الفرات، استناداً للضوء الأخضر الاميركي الكافي لمحو أي خط تركي مغاير، معركة رصد لها 12 ألف مقاتل من ضمنهم الجنود الأميركيين الـ 500، بحسب المصادر المتابعة للعملية عبر ثلاث محاور رئيسية عبر سلوك وعين عيسى وريف عين العرب.

في الشكل والتوقيت ثمة معطيات لا بد من الوقوف عندها حول معركة الرقة ونتائجها وتزامنها مع الموعد الروسي المعلن لبدء المعركة الروسية على تنظيم النصرة،والتي بدأت معالمها أيضاً في حلب باستهداف طريق الكاستيلو ومحيطه في أطراف حلب الشمالية والشمالية الغربية، والتي توحي باتفاق أو تفاهم روسي أميركي مفاده توزيع أدوار الحرب على التنظيمات الإرهاب، بحيث تتولى واشنطن معركة الرقة وموسكو معركة حلب ودير الزور، خاصة وأنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صرّح منتصف الشهر الماضي بعرض أميركي يقضي، بأن تتولى موسكو معركة تدمر وواشنطن الرقة، وبعد نجاح موسكو بطرد تنظيم داعش من تدمر، وإعلان واشنطن العزم على حسم الرقة فهل نحن أمام تنفيذ لاتفاق أم أن الأمر صدفة.

لو صح الاتفاق أو التوافق غير المعلن أو بالتراضي فإننا أمام معركة تنسيق وتواصل بمسميات ومبرات عدة، ولو كانت الخطوة في سياق تمكين واشنطن حلفائها الأكراد من اكتساب مناطق نفوذ جديدة ضمن مشروعها الإداري فإننا سنشهد تغير كبير في الخارطة السياسية والديموغرافية والاستراتيجية السورية لن ترضى به موسكو ودمشق، ويفتح الباب أمام خطوات لاحقة في مناطق أخرى ليست القوى الكبرى في وارد تغيره.

معركة الرقة ستوضح المرامي وما وراء الأكمة من خفايا، وترسم ملامح سياسية قادمة تضعها في سياق من إثنين، إما خطوة أميركية لإعلان الرقة المقاطعة الكردية الرابعة، أو فتح جسور كردية لتواصل أميركي روسي سوري غير معلن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى