الوطن الجريح لم يعد يحتمل الأخطاء والمحسوبيّات واللامسؤوليّة

د. سناء ناصر

إلى المعنيّين بالترشيحات نأمل أن تكون المقترحات لتشكيل حكومة جديدة في سوريّة على مستوى حجم التضحيات الوطنيّة الكبيرة… لقد سمعنا وسمعنا عن تشكيل حكومة جديدة. حكومة في مصلحة الوطن والمواطن، سؤال يشغل بال الشعب السوري… هل ستكون حكومة مخلصة للوطن والمواطن؟ فالبلد يحتاج إلى أبنائه الشرفاء حتى يستعيد عافيته، والشعب يريد حكومة تبني الوطن، ولا يريد حكومة تتابع تدمير ونهب وسرقة ما بقي من الوطن، لا زلنا نتمنى من الشرفاء تشكيل حكومة تعمل على تلبية حاجات المواطنين من كهرباء وماء ودواء. وبداية الإعمار بايد نظيفة لا عقول تفكر بالمبالغ التي ستجنيها من العقود والمناقصات المتعلقة بالإعمار… وكلّ ما يحتاج المواطن السوري، فما نفع الحكومة إذا لم تعمل على بناء وإعمار سورية؟

لكن المصيبة تكمن في أن تكون الحكومة الجديدة أقلّ من مستوى طموحات هذا الشعب الصامد فتعمل على قتل المواطن حياً. فالشارع السوري يأمل بولادة حكومة مخلصة تبني المواطن والوطن. لدينا خامات وخبرات وجنود مجهولون، ويجب أن تُستثمر هذه الثروة، وكلّ مؤسسة ودائرة وشركة تعرفهم… والأزمة كشفت معادنهم… أتمنى أن نلمس ذلك على أرض الواقع، فمن ليس على قدر المسؤولية ليبتعد عنها حباً بالوطن، فالمرشح لنيل أي وزارة يجب أن يُطرح عليه السؤال الأهمّ: ما هو المنصب الذي سوف تتولاه والجواب يجب أن يكون بمسؤولية كبيرة، أن يكون خادماً للمواطن الشريف لا أن يكون طامعاً بامتلاك سيارات وأموال وحصانة، وتحويل هذه الوزارة الى شركات ومؤسسات لعائلة الوزير وأقربائه واصدقائه.

منذ أكثر من عشر سنوات، والاقتصاد السوري بيد التجار، والحكومات المتعاقبة تنفذ في النهاية ما يخدم مصالح التجار، والكوادر المعنية بأمر الاقتصاد جاهلة في مجال الاقتصاد، وتبدو عاجزة عن اتخاذ وفرض قرارات وطنية صائبة، خوفاً من زعل هؤلاء التجار، وفي نفس الوقت لا يوظف في مراكز القرار إلا التابعين الأجهل أو المنافقين لأنهم من عائلات الوزراء، والمدراء. أين العلماء السوريون الوطنيون الذين يملأن العالم خبرة ومشورة؟ بعد هذا الحجم الهائل من الدمار، أليس من العدل، وكرمى لأرواح الشهداء أن نقول الحقيقة؟ لن يحصل تغيير إلا إلى الأسوأ، إذا لم تتخذ القيادة السياسية خطوات جريئة جداً وتبدّل الطاقم الهائل من الفاسدين… بالوطنيين الخبراء؟ عندما استبدَلَ الموظفون والتجار كلمة سرَقَ ونهَبَ بكلمة استفاد عندها بدأ هؤلاء الناس بالتخلّي عن الصفات الأخلاقية الإنسانية المجتمعية، وعندها بدأت الانتهازية تغزو مؤسسات الدولة التي تدير شؤون المجتمع، وعندها بدأ الخراب! الأخلاق قيم إنسانية رفيعة لا يمكن تجزئتها أو قولبتها حسب الظروف المعاشية، بل هي قوانين غير مكتوبة لكنها ناظمة للسلوك الإنساني المجتمعي وسمة أساسية لكلّ نجاح. ولولا تجلي هذه الأخلاق الإنسانية في أروع وأنبل مظاهرها بروح التضحية والفداء عند أفراد قواتنا السورية المسلحة، وعند الشعب الصامد المقاوم، الغني بالعزة والكرامة، لولا هذا كله لما بقي لنا دولة أو وطن!

نعلم ونثق أن في دولتنا شرفاء، ولكن يبدو أنهم مغلوب على أمرهم، ولولا ذلك لكانت خطوات الإصلاح الإداري والاقتصادي، وإعادة البناء الثقافي الفكري والأخلاقي للإنسان السوري، وهذه الإجراءات الملحّة المنقذة يجب ان تترجم إلى الواقع بخطوات أسرع. أما بالنسبة إلى إدارة الدولة، فالعلاقة بيننا يحكمها الدستور والقوانين بعضها بحاجة إلى التطوير أيضاً ، وأداء وإنتاج كلّ موظف في الدولة هو المقياس في تقييم كلّ موظف كبر أو صغر، المجتمع يكلّف الموظفين بالإدارة، يكرّم المجدّين ويعاقب المقصرين، هذا هو أساس العلاقة الصحيحة، وليس هناك من هو فوق القانون أو المعايير الأخلاقية.

يجب ان نستمرّ بالنقد المبنيّ على الحقائق والعلم، ونستمرّ بتقديم الخطط والمقترحات، فنحن أيضاً لدينا بعض الإدراك والتصوّرات، ولا يستطيع أحد بمفرده أو جهة ما الزعم بامتلاك الحقيقة ومعرفة طريق الصواب، في المجتمعات المتحضّرة تتحاور النخب، ويتشاور العقلاء والخبراء بالخطط والبرامج لانتقاء أفضلها ووضعها قيد التنفيذ، ومن احتكر فقد أخطأ، كما بدر في الحكومة السابقة عندما حاورت التيارات السياسية في تطبيق مبادرة الرئيس الأسد… يجب ان تكون هذه الحوارات هي خارطة الطريق التي يسترشد بها رئيس الحكومة المكلّف لاختيار النخب القادرة على تطبيق هذه المبادرات لتحسين كافة مجالات الحياة للمواطن السوري الذي يستحق الأفضل… وأتمنى أن لا يكون قد ضُرب بها عرض الحائط وذهبت أدراج الرياح وتآكلها الغبار، وان لا تكون تلك اللقاءات مجرّد ذرّ للرماد في العيون.

رأينا إلى أين قادنا الجهّال والرعاع والغوص في وحول الفساد والرذيلة، ونجاتنا تكون بالاعتماد على العلم والعلماء وأصحاب الخبرات والاختصاص وهم كثر في المجتمع ، ولا بدّ أن يكونوا في مواقع القيادة والإعمار والتأهيل الذي يحتاجه المواطن السوري بعد هذا الدمار والتشويه الذي لحق به من جراء هذه الحرب العاتية على كلّ مفاصل الحياة.

اما بالنسبة إلى السادة المسؤولين فنحتاج الى اختصاصيّين بالقيادة والإدارة، وتنظيم الوزارات والإدارات وان يستعمل الردع المؤلم والقسوة المبالغ بها، لإعادة الموظفين إلى الطريق السويّ. في كلّ الدول أثبتت العقوبات المالية الكبيرة التزام السائقين بقوانين السير حتى أصبحت عادة بعد سنين، وكذلك النظافة، شعب لا يعرف كيف يصطفّ لنيل ربطة خبز، يحتاج الى تنظيم غير الكلام والمحاضرات، إنسان يسرق لقمة الفقير يلزمه عقاب كبير رادع له ولغيره، من باع المساعدات يجب أن يُسجن وأن تُصادر أمواله منذ تاريخ بدء الأزمة، فهل لنا من يحقق هذا؟

المأمول من الحكومة القادمة أن تكون حكومة أزمة بحق وأن تكون صارمة لأنّ التجارب أثبتت أنّ الحلّ الوحيد هو بالقانون الصارم وإعادة هيكلة المؤسّسات كلها على أسس وقوانين واضحة غير مفرغة من مضمونها بالتعليمات التنفيذية، ومن ثمّ القضاء العادل ثم العادل. وبعدها يأتي دور المجتمع المدني بمساعدة الدولة لبناء جيل يتمتع بالأخلاق واحترام القانون ومعرفة قيمة الوطن…

الحكومة السورية الجديدة يجب ان تمثل الشعب الشريف، والسيد رئيس الوزراء مطالب بأن يستبعد الفاسدين وذوي التاريخ المشوّه عن الحكومة المقبلة التي يتأمّل منها الشعب الكثير.

باختصار نتمنى ان لا تراعي اللقاءات الهادفة للتعرّف على المرشحين لشغل مناصب إما وزارية أو مدراء عامّين في التشكيلة الجديدة، المحسوبيات والوساطات، وانما الاعتماد على الكفاءات وذوي السمعة النزيهة، بعيداً عن مافيات الفساد لأننا نريد موظفين ووزراء لخدمة المواطن، لا لإشباع عقدهم النفسية في معاقبة السوريين، هذا الكلام موجه إلى الدكتور الحلقي… إلى من ائتمن على هذا الوطن الجريح، والسؤال المهم الآن: ما هي المواصفات التي يبني عليها الدكتور الحلقي لاختيار أعضاء حكومته؟ ما هي المقوّمات والخبرات التي يحتاجها المرشح ليصبح وزيراً في الحكومة العتيدة؟ ألا يجب أن نعمل على بناء سورية لتكون دولة متحضّرة متقدّمة متطوّرة وأن يتولى المسؤولون مكافحة مافيا الفساد والسرقة والنهب والكذب والنفاق وعديمي الذمة والضمير؟ وان يُساءل هذا المسؤول وذاك الموطف إنْ ظهر عليه او على عائلته الثراء ويُسأل: من أين لك هذا يا فلان؟ هل سورية خالية من الشرفاء؟ لا ليست خالية… وهناك قوّتان في المجتمع، تستطيع واحدة منهما، أو الاثنتان معا القضاء على الفساد والفاسدين، الأولى هي الدولة، والثانية هي الشعب، والشعب يجب ان يكون داعماً للدولة… لا تابعاً مستكيناً خانعاً، يتقبّل إذلاله! وإلا فإنّ الفساد سيستمرّ بالانتشار وسيلتهم الجميع. والقضاء على الفساد أو على الأقلّ الحدّ من تطوّره وتحوّله إلى ثقافة مجتمعية ومن ثم ثقافة دولة، يتطلب وجود منهج علمي صحيح وموضوعي، وفي الوقت نفسه وجود خبراء في مكافحة المستويات المتطوّرة جداً من أشكال الفساد وهذا لا يمكن الحديث عنه في الوقت الراهن أو حتى في المستقبل القريب، ومكافحة الفساد لا يمكن أن تنجح بمجرّد إصدار مرسوم أو قانون أو قرار حكومي لينتهي الفساد، بل يجب أن يتمّ البدء تدريجياً بدراسة مجموعة العوامل التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة المرضيّة في المجتمع السوري.

كما نطالب السيد الرئيس بالحزم والقسوة بضرب المنافقين الفاسدين الخونة ممّن تعطيهم الحكومة الثقة فيخونون هذه الثقة، محاسبتهم فوراً وعلناً، ونطالب السيد الرئيس بالاعتماد على العلماء والعقلاء الشرفاء مقيم ومغترب بإدارة الدولة، ونطالب الحكومة الجديدة باستحداث وزارة لشؤون الشهداء تتبع للرئاسة مباشرة، وإنشاء جيش شعبي رديف للقوات المسلحة، من الشعب المقاوم الصامد – أسوة بكثير من الدول – لحماية الجبهة الداخلية، ونطالب السيد الرئيس باتخاذ القرارات الفاصلة الحاسمة، فالشعب ينتظر بفارغ الصبر الحكومة العتيدة لأنه يعتبرها سفينة الخلاص من مشكلاته العالقة من الحكومات السابقة.

هذا ما ينتظره الشعب من الحكومة العتيدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى